في الماضي جاء المستعمر إلى البلدان التي يعتبرها متخلفة بدعوى النهوض بها وانتشالها من التخلف والجهل والبربرية، ونشر قيم التحضر والتقدم بين شعوبها. تماما مثلما صنع جورج بوش قبل سنوات مع شعب العراق عندما أمطره بقنابل ديمقراطية وصواريخ متحضرة. وفي المغرب تم اعتماد نفس السيناريو للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد،فجاء الفرنسيون والإسبان حاملين معهم وعود الحماية والتنمية، إلى جانب أجهزتهم الإدارية وترساناتهم العسكرية طبعا. وبما أن النوايا الحقيقية لهذا المستعمر لم يكن من الصعب إدراكها فقد خاض المغاربة ملاحم عديدة أسفرت عن دحره وإجلائه جارا معه أذيال الخيبة والمهانة. لكن خروجه لم يكن هو النهاية، فلقد أصر المستعمر على ترك بيوضه التي سرعان ما فقست لتمهد الطريق لعودة الاستعمار في شكل جديد. واليوم، وفي غمرة الاستقلال الذي يحتفى بذكراه كل سنة، عادت بوادر التدخل الأجنبي في شؤوننا لتخيم على الأجواء. فقد استغل المستعمر القديم سذاجة المسؤولين ، فوقع معهم اتفاقات للتدبير المفوض وصفقات مشاريع وأوراش، مثلما وقع مع أسلافهم صفقة الحماية. مع فارق بسيط هو أن هذا المستعمر قبل بالتخلي عن بزته العسكرية واستبدالها ببذلة باريسية أنيقة. فما أشبه اليوم بالبارحة، فهاهي الأسباب التي استغلها المستعمر في الماضي لاستعمارنا تتكرر، مع اختلاف في المظاهر فقط. والنتيجة أننا نجد أنفسنا تحت رحمة المعاناة مع فواتير الماء والكهرباء المجنونة، وتذاكر النقل المرتفعة، وإتاوات تدبير النفايات الباهظة. مثلما وجد أجدادنا في السابق أنفسهم تحت رحمة الاستغلال ونهب ثرواتهم . ولا شك أن هذا يرجع كله يرجع بالأساس، بالإضافة إلى تنكر المسؤولين لوعودهم بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات. على مأساة حقيقية في نمط تفكير فئة الأثرياء التي تتحكم في خيرات هذا البلد. فهم إما من الذين يعانون عقدة احتقار ابن الوطن وتكريم الأجنبي، فمنطقه هو تكريس مقولة "خبز الدار ياكلو البراني" . وفريق ثان أحسبه شخصيا أسوء من الأول، لأن منطقه في الحياة هو جمع الأموال وحشوها في حسابات بنكية وفي الأسرة والأرائك أيضا، بمعنى" ماتنفع ما تشفع". فأما الذين في نفوسهم عقدة الأجنبي، فإنك تجدهم يضعون هذا الأخير فوق رؤوسهم، فينعمون عليه بأرفع المناصب في مشاريعهم ومؤسساتهم، بينما يشغلون أبناء وطنهم في الدرك الأسفل من المشروع، رغم أن الكثير من المغاربة ذوو كفاءات تفوق في أحيان عديدة الكفاءات الأجنبية التي ينصبها المستثمرون سادة على هؤلاء المواطنين . والنتيجة هي منفعة الأجنبي ورفاهيته على حساب أبناء الوطن. أما الصنف الثاني، فلو أنه حذا حذو الصنف الأول لكان ذالك خيرا على العباد والبلاد، فهذا الصنف للأسف الشديد يفني شبابه وكهولته في مراكمة الأموال والثروات، حتى إذا تقدم به السن قام بتهريب هذه الأموال إلى الخارج ليكدسها في حسابات خارجية في انتظار وأدها بين كتل الإسمنت التي لا تجد من يستغلها في أغلب الأحيان. فهكذا لو أن أثرياءنا يمتلكون الشجاعة على الاستثمار ووضع الثقة في أبناء الوطن وقدرتهم على تدبير المشاريع، بإمكاننا عندئذ التوفر على شركات وطنية لتوزيع الماء والكهرباء وشكرت نقل وطنية أيضا مهما بلغ غلاء فواتيرها فسيكون أهون بكثير مما هو الأمر حاليا ، وإلا فإننا سنظل للأبد مستحقين بجدارة لصفة " اللي مكسي بمتاع الناس عريان". ********************* بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، يشرفني أن أتقدم بخالص التهاني والتبريكات إلى جميع الزملاء العاملين بموقع شبكة طنجة الإخبارية، وإلى جميع المغاربة داخل وخارج أرض الوطن وإلى كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيد علينا جميعا أمثال هذا العيد السعيد باليمن والبركات والصحة والعافية، إنه سميع مجيب. [email protected]