لا يكاد يمر يوم تتصفح فيه موقع وكالة المغرب العربي للأنباء أو أي وسيلة إعلام وطنية أخرى دون أن يطالعك خبر مفاده انطلاق مهرجان هنا، أو إسدال فعاليات حفل هناك. فهنا في طنجة مثلا تم في أقل من أسبوعين تنظيم مهرجانين متتاليين، هذا فضلا عن مهرجان الشواطئ الذي تنظمه شركة "اتصالات المغرب" في الشاطئ البلدي للمدينة كما هو الحال بالنسبة لباقي شواطئ المملكة. ربما لا يكون في وسع السائح الأجنبي الذي لا يعرف عن المغرب غير ما يروج عنه من قبيل " أجمل بلد في العالم "أو "عروس الشمال" بالنسبة لطنجة، إلا أن يصفق لهذا الكم الهائل من المهرجانات التي حطمت أعدادها كل الأرقام القياسية في العالم، ويحسد المغاربة على ما هم فيه من (ترف) وفرجة. المسؤولون في هذه البلاد لا يعنيهم التكاليف الباهظة لهذه المهرجانات التي أصبحت تتكاثر مثل الفطر منذ أحداث الدارالبيضاء الأليمة، والتي كانت سببا في تغيير موقف السياسات الرسمية في شتى المجالات. ومن ذالك الاكثار من هذه الملتقيات الفنية كوسيلة لصرف الشباب عن السقوط في مستنقع الأفكار المتطرفة. وبذالك أصبح لكل مدينة مغربية تقريبا مهرجانا أو أكثر تصرف فيها الميزانيات الضخمة. ولعل الكثير يتذكر تصريحا لمسؤول في شركة اتصالات المغرب لجريدة "المساء" قبل حوالي عام، قال فيه إنه ليس المهم حجم التكاليف وإنما الأهم أن الشركة قد وفرت للمغاربة فضاءات للفرجة والترفيه. ليسمح لنا السادة المسؤولون أن نهمس في آذانهم أنه من الأفضل أن ينصب جزء من كرمهم هذا على مشاريع التنمية التي من شانها توفير فرص الشغل لهذا الشباب الذي يخشى سقوطه في مستنقعات الإرهاب والتطرف، ليتم بعد ذالك تخصيص الجزء القليل من هذا الكرم للترفيه بعد أسبوع من العمل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الدولة المغربية مستعدة لمواجهة مطالب إضافية مثل الزيادة في الأجور وغير ذالك بعد أن كان كل ما يمكن أن تقدمه هو تشغيل المحظوظين الذين هم غالبا من الانتهازيين؟ إذا كان الجواب لا، فإن الخيار الأصلح يظل هو صرف الشباب ل"الشطيح والرديح"ما داموا سيذهبون إليه فقط في نهاية الأسبوع أو عقب انتصار مطلبي على الحكومة. فها هي أيام الله كلها شطيح ورديح، غير وكان باراكا من الصداع شمن خدمة شمن ردمة. فإذا كان الواقع يشهد على تبني مسؤولينا لهذا المنطق، فإلى أي حد يمكن الاستمرار في تفعيل هذا الخيار؟ فالمهرجانات ستنقضي فتراتها رغم طولها، وسيمل الشباب منها وسيتعبون من هز الرؤوس والأكتاف، ليعودوا إلى بؤسهم وبطالتهم معرضين لبراثن الإرهاب وكافة السلوكيات المنحرفة. كما أن هذه المهرجانات كثيرا ما تشهد حوادث أقل ما يمكن القول عنها بأنها مؤسفة، من حوادث اغتصاب وإزهاق للأرواح بسبب النشاط الزائد لبعض الشطاطحية. وربما يكون ذالك هو سبب مرابطة رجال الوقاية والإسعاف بالقرب من أماكن هذه التظاهرات. وفي الختام يمكن القول إنه حقا سينجح المسؤولون في شغل الشباب عن قضاياهم المصيرية وحقوقهم المشروعة، وسينجحون في تخديرهم عن التمرد على الظلم والتهميش الذي يعانونه بفضل هذه المهرجانات التي يجني منظموها الأرباح الخيالية من ورائها، في الوقت الذي لا يجني هؤلاء الشباب غير السهر بالليل والنوم بالنهار. لكن ماذا بعد هذا؟ هذا هو السؤال. [email protected]