تعتبر مدينة البوغاز طنجة، بوابة إفريقيا إلى أوروبا، مدينة سياحية بامتياز لما تتوفر عليه من معالم تاريخية وشواطئ رائعة ومنتجعات ربيعية سحرت العديد من المبدعين عبر التاريخ و ألهمتهم لانجاز أعمال إبداعية عالمية. وهي نقطة تقاطع المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ومهد الحضارات ، فهي غنية بتاريخها العريق، بموقعها الجغرافي والجيوستراتيجي المتميز، بجمالية عمرانها وبتنوع عطاءاتها الفنية والثقافية. تقول بعض الروايات الشعبية أن سيدنا نوح عليه السلام بعد نجاته من الطوفان تاهت سفينته إلى أن وصلت إلى مشارف البوغاز حيث جاءت حمامة وحطت فوق إحدى أشرعة السفينة وبمخالبها شيء من الطين فصاح البعض "الطين ...جا" (TINJAH) أي اليابسة جاءت بمعنى أنها قريبة، ومن ثمة "طنجة". غير أنه من المرجح أكثر أن يكون اسم المدينة مستمدا من الأمازيغية والتي يوجد بها لفظ "طنج" والذي يعني المرجى. ومنذ تأسيسها في القرن الرابع قبل الميلاد تحت اسم "طنجس" ومدينة البوغاز محط أطماع العديد من الدول: القرطاجنيين والرومان والفينيقيين والوندال والبرتغاليين والأسبان والإنجليز. ومن أبرز محطات تاريخ طنجة العربي: في سنة 705 ميلادية دخلها موسى بن نصير وفي سنة 711 انطلق طارق بن زياد من احد شواطئها نحو"الجزيرة الخضراء" لفتح الأندلس وقال لقواته بعد أن أحرق قواربها قولته الشهيرة: "البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصبر....". استقر بها في القرن الثاني عشر ابن طفيل، من أكبر الفلاسفة والعلماء العرب، صاحب رواية "حي بن يقضان". وولد بها الرحالة الشهير ابن بطوطة في بداية القرن 14 ومنها انطلق لاكتشاف عدة بقاع من العالم خاصة آسيا وإفريقيا والتي دونها في مؤلفه الذائع الصيت "الرحلة". وخلال القرن (14 م) كانت طنجة تعد من أهم موانئ غرب البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب مرسيليا، برشلونة، جنوة، والبندقية. وبعد سقوطها تحت النفوذ البرتغالي من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر، انتقلت المدينة إلى النفوذ البريطاني سنة 1661 ك"مهر" للملك "ستوارت الثاني" إلى سنة 1684 حيث استرجعها السلطان العلوي المولى إسماعيل بعد حصار طويل. وإلى هذه الفترة تعود بداية انتشار استهلاك الشاي الأخضر بالمغرب. وموقعها القريب من أوروبا والبعيد نسبيا عن العاصمتين التاريخيتين للمغرب، فاس ومراكش، أهلها في أواخر القرن الثامن عشر لاحتضان السفارات والمصالح الأجنبية المرتبطة بها، فكانت بذلك بمثابة عاصمة ديبلوماسية للمغرب، مما ساهم في تألق نجم مدينة البوغاز، إذ توافد عليها زوار وسياح من عدة دول، أهمها بريطانيا وفرنسا وأسبانيا والولايات المتحدة والبرتغال وإيطاليا. وأقام بها في منتصف القرن التاسع عشر الجنرال الإيطالي "غاريبالدي" وحرر بها مذكراته. وقد زارها القيصر الألماني "غيوم الثاني" سنة 1905 للتعبير عن أطماع بلده تجاه المغرب. وفي الحقبة الاستعمارية حظيت المدينة بحكم مكانتها وموقعها بوضع خاص، فهي لم تخضع لا للأسبان الذين سيطروا على شمال المغرب ولا للفرنسيين الذين امتد نفوذهم على معظم التراب المغربي، بل تمتعت بنظام "المدينة دولية" بين 1923 و 1956، وهو نظام فريد في التاريخ الدولي تمثل في اكتسابها لحرية اقتصادية تامة وحياد سياسي وعسكري. وخلال هذه الفترة عاشت المدينة عصرها الذهبي، بحيث كانت المدينة محور نشاط سياحي وتجاري وثقافي وسياسي منقطع النظير. أول الجرائد التي عرفها المغرب صدرت من طنجة، مثل "لا ديبيش ماروكان" (أقدم جريدة بالمغرب) و"صوت المغرب". كما تطورت فيها محطات إذاعية محلية وأجنبية متعددة: الإذاعة الدولية (بالعربية والفرنسية)، وراديو طنجة (بالأسبانية) وصوت أمريكا (بالأنجليزية) وغيرها. وعبرها كانت الحركة الوطنية المغربية تبلغ مواقفها للرأي العام العالمي وعلى أرضها وقع في سنة 1947 اللقاء التاريخي بين ممثلي حركات التحرر المغاربية، "حزب الاستقلال" المغربي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية و"الحزب الدستوري" التونسي. ومنها أعلن الراحل محمد الخامس في خطابه التاريخي يوم 9 أبريل/نيسان 1947 لأول مرة عن حق الشعب المغربي في الاستقلال والوحدة. وفي المجال الفني، سحرت المدينة بجمالها العديد من الفنانين العالميين الذين استقروا بها أمثال "دولاكروى" و"سان-ساينس" و"بيير لوتي" و"ماتيس" و"فان دونغن" و"تينيسي ويليامس" و"بول موران" و"جان جيني" و"جوزيف كيسيل" و"وليام بوروز" و"بول بولز"، مماكان له أيضا دور في التعريف بها وبالمغرب على الساحة الفنية الدولية. وأعطت للمغرب مفكرين ومبدعين ذوي شهرة عالمية، مثل المفكر عبد الله كنون والموسيقار محمد بن العربي التمسماني وعدد من الروائيين والرسامين. وتحيي المدينة سنويا ،منذ سنة 2000 ، مهرجان موسيقى الجاز "طنجاز" الذي يشتمل على عروض لمدة أسبوع لفنانين قادمين من مختلف القارات. كما أنها تستضيف مهرجان الفيلم القصير المتوسطي إلى جانب تظاهرات فنية وثقافية متعددة.