لقد أصبح اقتراب أي موعد انتخابي مرتبط ارتباطا وثيقا بتسجيل كم هائل من الانتقادات والملاحظات ، انتقادات تأتي لتذكر ، ولتقلب المواجع ، وتعري ، وتبين طبيعة الملامح الطلسمية المميزة لمشعوذينا السياسيين .فيغدو المرء محاطا بأسئلة لها وقع وخز الإبر ، خاصة وأن المعني بها ليس سوى الفاعل السياسي ، الحزبي منه على الخصوص ، الباحث عن منصب أو مقعد يقيه شر النضال ، وحديث النضال ، وطريق النضال ، وما له علاقة بالنضال ! فحينما يقترب موعد إجراء الانتخابات تخرج حيواناتنا السياسية من كهوفها ، وتستفيق من نومها الكهفي الرهيب . لتتذكر ، وتذكر الخلق أجمعين ، المهتمين منهم واللامهتمين ، بأنها لا زالت مرابطة على الطريق . وأن العهد الأزلي الذي يربطها بهم يجعلها الناطقة باسمهم ، ولسان حالهم ، العارفة لشؤونهم ، المدافعة عن مصالحهم ، والساعية لتقدمهم ورقيهم . مواسم انتخابية ، دكاكين انتخابية ... هكذا غدت الانتخابات ، وهكذا أريد لها أن تكون . ولا مجال هنا لإغفال مسؤولية الحزب ، مادام هذا الأخير ، بشكل مباشر وغير مباشر ، طرفا فاعلا في اللعبة السياسية ببلادنا . فإذا كانت الانتخابات قد أصبحت لدى دول عديدة مرحلة تحول فاصلة يتم فيها تجديد النخب الحاكمة ، والسياسات ، وبرامج الحكم ... فإنها في بلدنا الثالثي لم تخرج عن فكرة المواسم الانتخابية ، مواسم يأتي إليها الناس من كل فج عميق ، ويلقي فيها السياسي خطبه الرنانة ، فيتحدث عن التسييس واللا تسييس ، التخليق واللا تخليق ، المشاركة واللا مشاركة ، النمو واللا نمو ... أما نحن فنقول من موقعنا هذا ؛ حق أريد به باطل . حق لأن الويل ، كل الويل ، لوطن تكثر فيه المعاول وتقل فيه السواعد . وتتكاثر فيه الآفات وتتناسل جراء الهروب إلى المجهول والنفور من الفعل المسؤول . وباطل لأن من يتحدث عن التسييس واللا تسييس ، واللا مشاركة ، واللا بناء ...كان ولايزال المسؤول عن ما آلت إليه الأوضاع . وباطل كذلك لأنه لا يبوح بواقع الحال إلا في فترة محددة تسبق أي موسم من المواسم التي يحجون إليها . يفتح تزامنا معها دكانه الانتخابي ، وينقب عن سوق استهلاكية تقتني سلعه الرثة المنتمية لسالف العصور والأزمان ، فيعقد المؤتمرات والندوات ، ويتحدث عن تأطير المريدين ونشر الأمن السياسي فيما بينهم . مجندا لذلك الأجير السياسي المتخفي في صورة مناضل ، والحامل ليافطة الحزب ، والذي يستقطبه من المقاهي والحدائق ، ويتجه به نحو القاعات ، ويجوب أثناء الحملة الانتخابية أزقة المدن الضيقة وشوارعها الفسيحة ، مرددا لشعارات النضال ، وحتمية النضال ! ما أشرنا إليه ليس ادعاءا منا ، ولا غلوا في رسم صورة تحمل كل مقومات البشاعة ، فقبل أيام بلغني أن أحد الأحزاب قام بإحضار حافلتين قصد شحنهما بمنخرطين مزعومين ، البعض منهم ظل على هيأته ، أما آخرون فاقتنى لهم الحزب بدلا أنيقة للتوجه إلى مؤتمر محدد . وبعيد ذلك علمت أن حزبا آخر يبحث عن أجراء سياسيين ، فأدركت بأن المقاولات الحزبية قد فتحت دكاكينها ، وأنها استعادت نشاطها ، لذلك سيكون لزاما علينا أن نشاهد مسرحية الدكاكين الانتخابية طيلة فترة الانتخابات ! *elaouni.elaphblog.com