لا تحل مناسبة شهر رمضان الأبرك حتى تتحرك موجة الغلاء والزيادات في مختلف المواد الأكثر استهلاكا بهذه المناسبة ، وقد سجلت هذه المرة زيادات متفاوتة في العديد من المواد ، مقارنة مع السنةالماضية ، وبالدرجة الأولى في مادة التمور بكل أنواعها ، حيث تفواتت الزيادات بين 10 و 20 درهما في الكيلوغرام ، ويعد النوع الأكثر غلاء التمر الجزائري الذي تراوح ثمنه بين 44/ 55 درهما ، والمجهول (130/150 )درهما ، وتمر السعودية (48) وتونس (35/40 ) درهما للكيلوغرام . أما تمر المغرب فهو شبه مفقود بسبب قلته ، وضعف المنتوج المحلي .. ومما ميز عرض هذه السنة من التمور بكل أشكلها هو غياب الجودة وعدم صلاحية كميات كبيرة منها للاستهلاك بسبب التعفنات ، والحموضة وتغير الذوق، حيث ظل المستهلكون يعانون من هذا المشكل، إذ يفاجأون رغم غلاء الثمن باقتناء تمر غير متجانس في الجودة. ونفس الأمر ينطبق على تجار التمر الذين تكبدوا خسائر بسبب عدم صلاحية كميات من التمر للاستهلاك بنسبة تقدر ب50% ، وهو الأمر الذي جعل العديد من المستهلكين يعزفون عن شراء التمر . ويرد السبب حسب رأي العارفين بطبيعة تكوين هذه المادة وطريقة إنتاجها وتسويقها إلى لجوء منتجي التمر إلى عملية الجني قبل اكتمال النضج الكافي، فيكون ذلك السبب الأول في ظهور علامات التسوس والتعفن . أما العامل الثاني هو كون العرض الحالي يقتصر على منتوج السنة الماضية القادم من البلدان العربية ، والذي يتم حفظه خلال السنة داخل أجهزة التبريد، لكنه حينما يتم إخراجه وعرضه في الأسواق لمدة طويلة أو تخزينه في ظروف غير ملائمة يتعرض للحموضة والتخمر. أما فيما يخص الزيادة في الثمن مقارنة مع أسعار السنة الماضية ، فمرد ذلك إلى تراجع معدل الإنتاج في كل البلدان المعروفة بإنتاج التمر ، ثم تزايد الطلب المحلي على هذه المادة في كل البلدان العربية . والمسجل هو أن عددا من المواد الأساسية قد عرفت زيادة ملموسة مقارنة بما كانت عليه في السنة الماضية ، وذلك استنادا إلى الأرقام التالية التي تبين الفارق بين ثمن العام الماضي والثمن الحالي في بعض المواد :الجلجلان :30/60 – الكركاع المغربي 120/150 درهم – الكركاع المستورد 90/140 – اللوز :65/74- تمر الجزائر :40/54 – تمر تونس : 36/40 – تين المغرب : 26/60 – التين المستورد 60/65- تمر المغرب (ترزاوة ) :20/40 ..تمر السعودية :48 درهم .. مع تسجيل زيادات في مواد أخرى منها تم تطبيقها قبل حلول رمضان : دانون زيادة 20 سنتيما – جبلي 1 درهم – البيض 10 سنتيم – العصائر زيادة بين 1 و1.50 درهما – الشاي : زيادة 2 دراهم في الكيلوغرام ... ولعل المواد التي شهدت انخفاضا نسبيا في الأسعار مقارنة مع رمضان السنة الماضية هي الخضر والفواكه واللحم الأبيض، بسبب وفرة الإنتاج ، ويفسر ذلك بجودة السنة الفلاحية ، وتأثير التبادلات التجارية مع السوق الأوربية وكذلك روسيا فيما يخص مادة البطاطس .. لكن أسعار مادة اللحوم الحمراء والسمك ظلت عند مستواياتها التصاعدية، بل سجلت بطنجة أعلى الأرقام على الصعيد الوطني بالإضافة إلى غياب الجودة في أغلب المعروضات للبيع ..في حين ظلت أثمنة التوابل ، والقطاني شبه مستقرة ولم يطرأ عليها إلا تغيير طفيف . ومن أهم المشاكل التي يعاني منها المواطنون إلى جانب الغلاء الفاحش المقترن بضعف القدرة الشرائية، هو صعوبة التمييز بين ما يصلح للاستهلاك وما لا يصلح له ، بسبب إغراق الأسواق بكميات ضخمة من المواد الفاسدة والغير الصالحة للاستهلاك ، وعدم تدخل أجهزة المراقبة للحد من هذه الظاهرة بسبب غياب أي قانون يفرض حجز المواد النباتية الغير الصالحة للاستهلاك (كالخضر والفواكه الطازجة والجافة)..حيث يقتصر تدخل هذه الأجهزة على المراقبة الجزئية للمواد ذات المصدر الحيواني (كاللحوم ، والسمك ، والحليب ومشتقاته، والمصبرات ) وتتبع آثار المواد غير المرئية( كالمبيدات ) في بعض المواد كالخضر والفواكه. في حين يغيب التدخل فيما دون ذلك بسبب تعقيدات هذه العملية ، لتترك الصلاحية للمستهلك وللبائع ليتصرفا بكل حرية وطواعية في عملية البيع والشراء من غير إلزام ، وهو ما يعرض المستهلك بالدرجة الأولى للتلاعب والتضليل والاستغلال من طرف الموردين والتجار الذين يقومون بخلط المواد الصالحة مع المواد الغير الصالحة للاستهلاك .. ويشمل ذلك المواد المعدة ضمن لفائف وعلب خاصة من طرف الوحدات التجارية، كعلب التمر المخلوط الذي يتم تعبئته بكيفية مخدومة، وكذلك الفواكه الجافة، وصناديق الخضر والفواكه ، والسمك وغير ذلك ، حيث تكون الواجهة جيدة، لكن المحتوى الداخلي يكون شيئا آخر ..وفي ظل هذه الوضعية يظل المستهلك ( الضحية )المسؤول الأول عن اختياره، لأنه مطالب بمواجهة مصيره كيفما كانت العواقب ، بسب الفوضى التي تعم الأنشطة التجارية ، وطغيان الظواهر المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل (كالباعة المتجولين ، والأسواق العشوائية الغير الثابتة ، وأسواق البادية ).. لكن المشكل العويص الذي ظل يتحدى الجميع لعدة عقود هو بيع المواد المهربة المنتشرة بغزارة في الأسواق، والتي تحظى بالإقبال الشديد من طرف المستهلكين رغم ما تنطوي عليه من أخطار بسبب عدم صلاحيتها . لكن الجهات المسؤولة تقف مكتوفة الأيدي ما دامت هذه المواد تعبر الحدود وتقطع العديد من الحواجز الأمنية قبل إلى تصل إلى نقط البيع .. والأمر يتربط في جوهره بغياب الإرادة لدى هذه الجهات التي تعتمد المعايير المزدوجة في التعاطي مع الظاهرة، فهناك المنع من جهة، والإباحة وغض الطرف عن أنشطة التهريب بكل أشكالها وترويجها في الأسواق من جهة أخرى .. فلا زالت أجهزة مراقبة المواد الغذائية والنباتية والحيوانية والكيمائية مغيبة عند نقطتي الحدود بسبتة ومليلية ، ليظل الباب مشرعا أمام دخول كل شيء، وتظل المراقبة مقتصرة على التدخل الجزئي والانتقائي لمصالح الجمارك والدرك ، ولهذا لا يستغرب أن تكون هذه النقط هي مصدر دخول العديد من المواد الغير المراقبة، وفي مقدمتها اللحوم التي تذهب إلى تطوان وطنجة بسبب رخص أثمانها في سبتة ، وكل أنواع مواد الاستهلاك المنتهية الصلاحية ، والمجهولة المصدر والهوية ، وكذلك أنواع الحيوانات وشتائل النباتات المختلفة، والأدوية ، .. فهل سيتم الانتباه إلى هذه الثغرات التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر لا حدود لها ممثلة في انتشار الأمراض ، والفتك بصحة المواطنين، وتهريب العملة، ومنافسة المنتوج الوطني،.. وتكريس تبعية الاقتصاد الوطني .. وهل سيستقبل رمضان المقبل بروح جديدة وآليات مستحدثة تضمن حماية المستهلكين وحمايتهم من كل أنواع الاستغلال والأخطار التي تهدد السلامة الصحية للمواطنين ؟ المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين