عرفت المحلات التجارية والأسواق الأسبوعية خلال الأيام القليلة الماضية من شهر رمضان المعظم زيادة صاروخية في أسعار بعض المواد الغذائية الضرورية جعلت الجميع يشتكون ويعبرون عن استيائهم خصوصا ذوو الدخل المحدود. فأسعار الخضراوات والفواكه شهدت زيادة استقبلها المواطنون بنوع من الاستنكار والسخط حيث لم يعد يقدر على شرائها سوى القليل منهم في الوقت الذي صار فيه البعض الآخر يشتري نصف الكمية التي اعتاد عليها منذ سنوات مكتفيا بالقليل الذي يسد الاحتياجات الأساسية، بل ويجهد نفسه في البحث عن الأرخص في الأسواق المختلفة حتى يتمكن من تلبية مقتضيات معيشته ، وبين اختيار المحلات التجارية والأسواق كقبلة للتسوق نجد تضاربا في الآراء, فالسيد عبد الرحمان أحد المتسوقين يقول: « المحلات التجارية تغتنم مثل فرصة شهر رمضان لتقديم بعض التسهيلات والتخفيضات في أسعار بعض المواد كي تجذب المستهلكين الذين يعانون كثيراً من غلاء الأسعار في الأسواق الأخرى وتمثل ملاذاً لمحدودي الدخل الذين لم يعودوا قادرين على مواجهة غلاء الأسعار التي ارتفعت بشكل مقلق خلال شهر رمضان ... « وأشار السيد عبد الرحمان أن المحلات التجارية تقوم بعمل عروض كثيرة لتخفيض أسعار السلع، ولذلك فإن هذه العروض تمثل فرصة جيدة للمستهلكين من أصحاب الدخل المحدود لشراء احتياجاتهم الأساسية ولم يفته في هذا السياق بتوجيه طلب إلى الجهات المعنية في مجال مراقبة الأسعار وجودة السلع أن تقوم بدورها للحد من الزيادات الاعتباطية والغش الذي يطال بعضها بينما زبون آخر صرح للجريدة قائلا : « أعاني كثيراً من زيادة الأسعار في الفترة الأخيرة ولذلك فإنني أتردد على الأسواق الشعبية لعلي أجد فيها أسعاراً مخفضة عن المحلات والدكاكين الأخرى التي طغت ولم تعد تعير اهتماما للقوانين في ظل غياب تفعيل دور الهيئات المعنية بحماية المستهلك والتدخل الايجابي لأجل وضع حد لهذا الارتفاع الغير مبرر . كما يجب على المسؤولين إيجاد حلول جدية لأزمة غلاء الأسعار التي اجتاحت الأسواق بشكل مخيف ومقلق في نفس الوقت حيث لم يعد في مقدور البسطاء مجابهة هذا الغلاء الشديد « ويضيف هذا الزبون قائلا :» أتقاضى معاشا شهريا يقدر بحوالي 1100 درهما فقط ، وهو مبلغ لا يفي بنفقات المعيشة العادية من كراء وطعام وكساء ... ورغم غلاء الأسعار والزيادة في أثمان المواد في أكثر من مناسبة فمرتباتنا لازالت على ما هي عليه منذ سنين». أما السيد الجيلالي البالغ من العمر 54 سنة فيصرح للجريدة بالقول : « أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال هذا الشهر الكريم وقبله كذلك بأيام ، والأغرب من كل ذلك هو أن الجهات الرسمية تنفي أية زيادة في المواد الأساسية مما يجعلنا نلمس كون ما يحدث من زيادات في أسعار بعض المواد لا تجد مبررا معروفا لها ، فأصحاب الدخل المحدود الذين لم يعودوا يقدرون على مواجهة موجات الغلاء التي أصبحت تتغير من سيء إلى أسوأ دون أن ترحم أحدا .» ويضيف والقلق باديا على ملامحه : «حالة الغلاء هذه أدت إلى ظهور وانتشار حالة التسول بين الناس بشكل ملفت للنظر لأنهم وجدوا أنفسهم غير قادرين على ادخار أموال لأبنائهم ... « أصبحت الأسعار تطارد الناس في كل شيء بحيث لا يوجد الآن أي نوع من أنواع المواد الغذائية لم تطله هذه الزيادة وهذا يمثل عبئاً على كاهل المستهلكين فقد ارتفعت أثمنة الخضراوات والفواكه واللحوم و الأسماك قبل حلول رمضان بأيام وكذلك بعض المعلبات بزيادة تختلف نسبها خصوصا تلك التي يوجد عليها إقبالا لأنها تعتبر أساسية على مائدة إفطار رمضان والتي لا يمكن الاستغناء عنها الأمر الذي يوجب فرض احترام القانون عن طريق المتابعة والرقابة الصارمة حتى لا يترك الحبل على الغارب للتجار ومضارباتهم ويكون الضحية هو المستهلك. الأستاذ نور الدين الذي وجدناه يشتري بعض السلع أدلى بتصريح في الموضوع للجريدة قائلا : « كما ترون فإنني اشتري بعض احتياجات رمضان لأن هذا الشهر له قدسية خاصة عند المسلمين جميعاً فهو شهر روحاني لا بد أن يتقرب فيه المسلم من ربه وله أيضا استعدادات معينة من ناحية المأكولات والمشروبات وبعادات معينة متوارثة لما لهذا الشهر من قدسية عظيمة عندنا وكذلك لا بد من وجود مشروبات ومأكولات معينة وعلى رأسها الحلويات والتمر والتين الجاف والحليب. « وبخصوص اللحوم تبقى الدواجن هي المصدر الرئيسي للعديد من الأسر ورافدا مهما لتغذيتهم لأنها تبقى في متناولهم لذلك فهي متوفرة بكثرة تلبي احتياجات المستهلكين والسوق المحلي عكس اللحوم الحمراء و الأسماك التي لامسنا تراجع الإقبال عليها نظرا لغلائها كما أن البيض يعرف إقبالا كبيرا جعل من ثمنه هو الآخر يعرف ارتفاعا حيث وصل ثمن البيضة الواحدة درهم وعشرون سنتيما مما يعني معه أن ثمن العلبة الواحدة من البيض هو 36 درهما . وسط مدينة سيدي بنور على الطريق المؤدية إلى مدينة خميس الزمامرة توجد « سويقة شعبية « كما يسميها الساكنة وهي مكان يقصده كافة الساكنة ، حيث تمتلئ يوميا وتعرض فيها جميع أنواع الخضر والفواكه والحلويات وغيرها من المواد الاستهلاكية لذلك قررنا زيارتها قصد الوقوف على بعض ما يعانيه المتسوقون والباعة على حد سواء ، فبعد جولة بسيطة بداخلها تبين لنا ومن خلال أعداد الزبناء مدى أهميتها في حياتهم المعيشية بهذه المدينة الدكالية ، وهكذا ونحن نتجول بداخلها التقينا السيد أحمد وهو يتبضع حيث صرح لنا : « يرجع سبب الزيادة إلى استغلال بعض التجار كثرة الإقبال على بعض السلع المطلوبة في رمضان فيقوم التاجر برفعها وما يؤكد هذا هو وجود تفاوت في الأسعار من تاجر إلى آخر والشراء من السويقة وإن كان مرتفعاً فهو أفضل من الدكاكين والمحلات التجارية . « الملاحظ داخل السويقة هو ذاك الإقبال الكبير على مادة التمر التي عرفت أثمنتها استقرارا بالمقارنة مع السنة الفارطة مما جعلها في متناول المستهلك ، وتتعدد أنواع التمر كما تختلف أسعارها من نوع لآخر ، فمنها ما هو معلب في علب من الكارتون ومنها ما هو محلي موضوع في صناديق يختلف وزن الواحدة عن الأخرى كما يختلف نوع التمر بها وهناك ما يعرض على شكل أكوام فوق العربات تتراوح أثمنتها ما بين 10 دراهم و 30 درهما ، كما تنتشر أنواع مستوردة من هذه المادة من بلدان عربية شقيقة كالسعودية وتونس التي تجد هي الأخرى إقبالا كبيرا عليها ، و من أبرز أنواع التمر نجد تمر ( المجهول ? بوفقوص - ... ) يتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد منها ما بين 100 دراهم و 125 درهما ، وبالرغم من توفر هذه المادة غير أن بعض الباعة يعمدون إلى خلطها وغير ذلك من الممارسات التي تدخل في إطار الغش المعاقب عليه أما التين الجاف أو ما يسمى بالعامية»ّ الشريحة « فقد تضاعف ثمنها بالمقارنة مع السنة الفارطة حيث بلغ ثمن الكيلوغرام الواحد 40 درهما . كما لامسنا وجود تفاوت في الأسعار سواء تعلق الأمر باللحوم الحمراء أو السمك أو الفواكه وكذا الخضر ناهيك عن المواد الأساسية الأخرى كالدقيق الذي عرف زيادة صاروخية لا مثيل لها ونفس الشيء بالنسبة للزيوت و غيرها من المواد الأساسية في حياة المواطنين ، فالكيلوغرام الواحد من البطاطس بلغ 5 دراهم والطماطم 7 دراهم والحمص 16 درهما و العدس 14 دراهم ... الكيلوغرام الواحد من لحم البقر 70 درهما الدجاج حي 15 درهما سمك السردين 20 دراهم للكيلو ... دون الخوض في الحديث عن ثمن الحليب ومشتقاته إلى غيره من المواد الأساسية . في جانب من السويقة يلفت انتباهك مجموعة من النساء اللواتي يعرضن بعض العجائن والفطائر فوق موائد خشبية ، حيث نجد الخبز والمسمن والبغرير والرزيزة والثريد ... ، تجدهن يتتبعن كل متسوق يمر من جانبهن حيث يعرضن عليه سلعتهن بطرق مختلفة ، فالسيدة رشيدة ترحب بالزبائن بالقول « آش خاصك أسيدي ، مرحبا بك خذ ... « أما السيدة فاطمة فتعلن للجميع كون سلعتها جد جيدة لا تضاهيها الأخرى فتجدها تقول « زيد ، هاك ، على تقليدي لصنعته بيدي وهو متقون الطهي ، هل تريد خبز الشعير أم البغرير أم الثريد ، خذ ما تريد ، أكيد أنك ستعود مرة أخرى عندي حين تتذوق سلعتي ... « تختلف الجمل والحركات في استمالة الزبون الذي يجد نفسه في بعض الأحيان محرجا ، فيشتري منهن بعض الأشياء خصوصا وأن أثمنتها في المتناول . بجانبهن يوجد بعض بائعي الحلويات التي يكثر الإقبال عليها خلال هذا الشهر الفضيل « الحلوة الشباكية « التي لا تخلو مائدة إفطار منها لأنها محببة لدى الجميع خصوصا الأطفال الذين يتلذذون بحلاوتها وروعة أشكالها المختلفة ، يضع البائع سلعته في صحون بيضاء كبيرة على شكل أهرامات وقد لفت بقطع من البلاستيك الأبيض الشفاف قصد وقايتها من الغبار والتلوث ، ولعل البذلة البيضاء التي يرتديها هؤلاء لدليل على حرصهم والتزامهم بالنظافة والنقاء حفاظا على صحة المستهلك ، تتراوح أثمنة الحلويات ما بين 20 دراهم و 80 درهما للكيلوغرام الواحد وذلك حسب الصنف والجودة . على سبيل الختم رغم تذمر المستهلكين وشكواهم من غلاء الأسعار ، فالملاحظ عند زيارة بعض المحلات التجارية أو « السويقة « فهناك ازدحام للزبناء يصعب معه في بعض الأحيان المرور إلى الوجهة الموالية أو حتى إلقاء نظرة على بعض لوائح الأثمنة المثبتة هناك . وتظل شربة الحريرة والشباكية والتمر حاضرة على جميع موائد الساكنة البنورية على اختلاف مستوياتها المعيشية ، ومهما ارتفعت الأسعار ، فالكل ينفق من أجل مائدة إفطاره قدر المستطاع .