يحثنا الله سبحانه وتعالى على الصبر في الشدائد، والتجلد للمصائب لِما للصبر من فضائل جمة، ونعمة وحكمة، فكانت آياته عز وجل في الأمر به كثيرة، وأحاديث رسول الله فيه وفيرة، وفي ذلك إشارة دامغة إلى منزلة الصبر ورفعته، وعظمة أجر الصابر ومثوبته، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200] فالصبر سبيل الفلاح، وتقويم النفس والصلاح، وما هو بالهين ولا بالسهل، وإنما يبتلي الله المؤمنين، ليعلم المجاهدين والصابرين. الصبر أقوى سلاح بيد المؤمن، به يستعين في البلايا والمصائب، والكرب والنوائب، وقد بشر الله الصابرين بالأجر الكريم، وجنات النعيم، وثنى عليهم في ذكره الحكيم، فقال عز من قائل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:155/156/157]. لقد أعد الله للصابرين على الشدائد والمحن أجرا عظيما، بغير حساب ولا حصر، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿إنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تعالى إِذاَ أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضاَ، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ﴾ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن1. فخير للمؤمن أن يرضى ويستقبل البلاء صابرا محتسبا، مؤمنا أن لا يصيبه إلا ما كتب الله له، وفي الحديث: ﴿عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ﴾ رواه مسلم2 . إن البلاء ليكشف سرائر الناس وما يكتمون، ويفضح قولهم وما يدَّعون، هو اختبار للنفوس وامتحان لها، لتظهر حقيقتها وخباياها، كما قال جل وعلا: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31]. إن حديثنا عن الصبر يجعلنا نطرح سؤالا حول السند الذي يستند إليه، والأساس الذي يقوم عليه، فما الباعث وراء الصبر؟ وما دعامته وركيزته؟ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:173/174] وقوله سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58]. الحق أنه لا يمكننا الحديث عن الصبر دون أن نتحدث عن اليقين في الله، والتوكل على الله، فذاك منبع الثبات والرسوخ في الصبر. إن المؤمن الموقن بحفظ الله وكفايته، وتأييده ونصره، عزيمته لا تثبط، وهمته لا تحبط، لا يخاف إلا الله، ولا يبغي غير رضاه، وفي الحديث: ﴿لَوْ أَنَّكم تتوكَّلُونَ على اللَّهِ حقَّ تَوَكُّلِهِ لرزقَكُم كَما يرزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِماصًا وترُوحُ بِطَانًا﴾ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن3. لا إله إلا الله، عليه توكلنا وإليه ننيب، لا ناصر من دونه ولا مجيب، إليه نفوض أمرنا فيما أصابنا ونابنا، فهو حسبنا وكافينا. ونعم بالله 1 [حسن صحيح] أخرجه الترمذي (2396) في الزهد/باب: ما جاء في الصبر على البلاء، وقال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي (1953): حسن صحيح. 2 [صحيح] أخرجه مسلم (2999) في الزهد/ باب: المؤمن أمره كله خير. 3 [صحيح] أخرجه الترمذي (2344) في الزهد/ باب: في التوكل على الله، وابن ماجة (4164) في الزهد/ باب: التوكل واليقين، وقال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي (1911): صحيح.