صدر للمؤرخ المغربي الدكتور أحمد الطاهري كتاب جديد بعنوان: "فتح الأندلس والتحاق الغرب بدار الإسلام"، الذي تزامن وذكرى مرور ثلاثة عشر قرنا على هذا الحدث الجلل الذي غيَّر مجرى جزء كبير من تاريخ الإنسانية، في مُحاولة للارتقاء بفصل أساسي في تاريخ المغرب من غياهب النسيان ،ومتاهات الأسطورة والتأويل، ومزالق التدليس والتزوير إلى دائرة المعرفة التاريخية المُوَثقة. والكتاب الصادر باللغتين العربية والإسبانية في بلنسية ضمن منشورات مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري والمركز الثقافي الإسلامي ببلنسية، يرجع بنا إلى اللحظة التي تبلورت فيها فكرة فتح الأندلس لأول مرة في ذهن ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، الذي يعود إليه الفضل، حسبما تجلى من خلال استنطاق المصادر العربية والكتابات اللاتينية والمخلفات الأثرية، في تجهيز أقدم حملة بحرية إسلامية على شواطئ الأندلس الشرقية، انطلاقا من مراسي إفريقية (تونس الحالية) سنة 29 هجرية (649م). تم ذلك في سياق أكبر عملية فتح وُجّهت نحو الغرب في تاريخ الإسلام، وقد انطمست أخبارها واندرست آثارها بفعل أهوال الفتنة الكبرى. ويتابع الكتاب تفاصيل المحاولة الثانية لفتح الأندلس التي جرت بعدئذ بنحو 33 سنة في عهد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، بقيادة عقبة بن نافع الفهري الذي شارف بقواته من العرب والبربر أحواز مدينة سبتة. وهي المحاولة التي تمكن داهية المجاز يليان النصراني ملك غمارة من تحويرها عن هدفها. وبدلا عن العبور نحو الضفة الأخرى، تطورت الأحداث بسرعة نتيجة إصرار القيادة العربية على الاستفراد بحكم المغرب، فاشتعل سعير الحرب بين المشارقة والمغاربة، وقد ظلت على مدار 17 سنة تحصد الأرواح، وكادت تشل حركة الفتوحات التي انكفأت إلى ما وراء بلاد برقة من أرض مصر. وفصلا بفصل تم ترميم الحلقات المُمَزّقة وتركيب المفاصل المفككة وترتيب الأحداث المتشابكة في سياقاتها التاريخية بدءا بتأمير طارق بن زياد، البربري الأصل، النفزي الدار، اليزناسني العشيرة، على برقة نحو سنة 68 هجرية (687م) ثم على سجلماسة سنة 83 هجرية (702م) إلى أن تسلم مقاليد حكم المغرب سنة 85 هجرية (704م) باعتباره أول أمير للبلاد في الإسلام. وقد شرع على إثر ذلك في تكوين الجيش الذي فتح به الأندلس من 12 ألف مقاتل من خيرة الشباب قد اختارهم من كافة قبائل المغرب. وبعدما بسط نفوذه على امتدادات المغرب من وادي شلف إلى سواحل المحيط الأطلسي وتخوم بلاد السودان، شرع طارق بن زياد في حرب مملكة غمارة وصاحبها يليان المتحصن في مدينة سبتة المدعوم بالقوة والعتاد من طرف مملكة القوط بطليطلة. وأثناء ذلك فتح مدينة طنجة وأحوازها سنة 89 هجرية (709) فاتخذها عاصمة لحكمه وأنشأ أقدم قاعدة بحرية في تاريخ المغرب بمرسى قصر المجاز (القصر الصغير). ومن هناك جهز في شهر رمضان 90 هجرية (709م) أول حملة عسكرية بالأسطول نحو الضفة الأندلسية، يقودها أمير البحر طريف بن شمعون المصمودي الحديث العهد بالإسلام، بهدف قطع الإمدادات القوطية عن سبتة وإحكام الحصار برا وبحرا على صاحبها يليان. وأثناء ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ انقلب الجيش ورجال الدين الكاثوليك بقيادة لذريق وبدعم من النظام الكنسي بروما على الشرعية الملكية القوطية بطليطلة التي كانت بصدد إدخال إصلاحات جذرية في الاقتصاد والمجتمع والفكر، بترسيخ قواعد المذهب الأرياني المقر بوحدانية الله، فانفجرت الحرب الأهلية بين الطرفين في كافة أراضي شبة الجزيرة الإيبيرية. فما كان عندئذ إلا أن وفد الملك القوطي المخلوع وحليفه يليان صاحب سبتة على طارق بن زياد بطنجة طالبين منه العون لاستراجاع عرشهم، فكانت بداية فتح الأندلس. ويتعلق الأمر بإحدى كبريات عمليات العبور والإنزال البحري في التاريخ، وقد ظلت عن قصد باهتة الصورة مختلة الفصول، في تصورات عامة الناس وخاصة الباحثين. استغرقت العمليات التي شارك فيها 12 ألف مقاتل من أبناء كافة قبائل المغرب يرافقهم 27 رجلا من العرب نحو شهر ونصف. ولأول مرة، يتم الكشف مع خرائط عن تفاصيل المعركتين الفاصلتين في تاريخ الإسلام بالغرب بين جيش طارق بن زياد وجيوش القوط بموقعة البَحيرة بوادي برباط يوم الأحد 28 رمضان 92 هجرية (19 يوليوز 711م) ثم بموقعة وادي لكة بكورة شذونة يوم الأحد 5 شوال (26 يوليوز). وفصلا بفصل، يتتبع الكتاب حرب الحصون مع خرائط توضيحية التي خاضها جيش المغرب بموسطة وشرق وغرب الأندلس وشمال شبه الجزيرة الإيببيرية، إلى أن تمكن من إحكام قبضته على كافة بلاد الأندلس، فأعيد تنصيب الملك القوطي على عرشه بطليطلة وفق نظام الحماية بالعهود والمواثيق التي تجعل من طارق بن زياد أول أمير على الأندلس. وأثناء البحث في متون المصادر العربية واللاتينية والإسبانية، عمد المؤلف إلى ضبط مواطن التدليس والتزوير الذي تعرض له هذا الفصل من تاريخ المغرب بأيدي أبناء وحفدة موسى بن نصير، وقد نُسب إليه افتراء فتح الأندلس، الذي لم يشارك فيه ولا كان حتى على علم بحدوثه. كما يُفصح عن قيام الكنيسة الكاثوليكية بإتلاف أهم الوثائق المتعلقة بهذا الحدث، وعن دور الخلافة الأموية بالأندلس ومؤرخها أحمد بن موسى الرازي في طمس دور طريف بن شمعون المصمودي أب ملوك برغواطة باعتباره أول الداخلين إلى الأندلس. ألف بوست