حالة العنف والفوضى التي تعيشها مصر منذ فترة طويلة، والتي تزداد يومًا بعد يوم، تطرح عدة أسئلة مهمة:من المسئول عن هذه الحالة من العنف والفوضى؟ولماذا فشلت الدولة في احتوائها والتغلب عليها؟وهل يمكن أن تنتهي هذه الحالة؟ ووَفقَ أية شروط تنتهي؟ولا يمكن التعرض لظاهرة حرق مصر هذه دون تحديد الجهات المنغمسة في هذه الجريمة والمسئولة عنها: أما الطرف الأول: فهم رموز نظام مبارك، وخاصة من رجال الأعمال الذين يمولون العنف بملايينهم الحرام التي سرقوها من الشعب المصري، وهم ينفقون بسخاء وبجنون؛ لعل وعسى ينهار نظام الرئيس محمد مرسي ويُقام على أنقاضه نظام علماني آخر يجد فيه هؤلاء فرصة للهرب بجرائمهم وبأموالهم الحرام. اطَّلعتُ عن قرب على جانب من أحداث العنف في مدينتِي "طنطا" ضد قسم شرطة ثانٍ طنطا؛ حيث تم القبض على العشرات من تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، واعترفوا أن الواحد منهم يتقاضى مائة وخمسين جنيهًا في الأسبوع من أجل الاشتراك في رشق قسم الشرطة بالحجارة ثم بالمولوتوف. والمؤشرات تدل على أن الدافعين هم رجال أعمال نظام مبارك الفاسدين الكارهين للثورة وللنظام الإسلامي. الغريب أن هؤلاء الصبية -لأنهم صغار ولا يجيدون الكذب وإخفاء المعلومات- كتبوا على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أيام الأحداث، الآتي: "التجمع أمام القسم من الساعة الثانية عشرة صباحًا إلى الساعة الثالثة عصرًا لترديد الشعارات والهتافات، ومن الثالثة للسابعة لقذف الحجارة، ومن السابعة لمنتصف الليل لإلقاء المولوتوف". أما الطرف الثاني المسئول عن هذه الجريمة: فهي دولة المبارك العميقة، فهناك مسئولون في أجهزة الدولة يعملون على نشر الفوضى ويدفعون في اتجاه العنف، وهم لا ينفذون قرارات الرئاسة أو الحكومة، بل ينفذون ما هو ضدها. وهنا يجب الإشارة إلى مؤسستي الإعلام والقضاء على سبيل المثال. أما القضاء: فاستكمالاً لما عرَفتُه من أحداث العنف في مدينة طنطا؛ فإن وكيل النيابة الذي عُرض عليه الصبية كان يلقنهم الإجابات، وفي النهاية أخلى سبيلهم، فهو لم يهتم بالوصول للحقيقة والقبض على من أعطى الصبية الأموال ليحرقوا قسم الشرطة، فذلك كله ضد أولوياته، التي هي التظاهر أمام مكتب النائب العام والمطالبة بإقالته، وكذلك مواجهة نظام الدكتور محمد مرسي والعمل على إسقاطه. أما الإعلام: فمازال يسيطر عليه التابعون لنظام مبارك، الذين يكرهون نظام الحكم الإسلامي، ومعظم أصحاب القنوات الفضائية الخاصة رجال أعمال تابعون لنظام مبارك البائد، وهم يخوضون هذه الحرب لأنهم يعلمون أن لهم ملفات فساد أمام النيابة، وهم يريدون التفاوض مع نظام د.مرسي والتوقف عن محاربته، مقابل تسوية هذه الملفات وعدم متابعتهم جنائيًّا. أما معارضو النظام الإسلامي (وخاصة جبهة الإنقاذ): فإنهم مسئولون بصفة أساسية عن تغطية العنف سياسيًّا وإعلاميًّا، فهم الذين دفعوا الأحداث دفعًا في هذا الاتجاه، فقد رفضوا الحوار، ورفضوا الاشتراك في الانتخابات البرلمانية (قبل تأجيلها)؛ لأنهم يخططون لإسقاط الرئيس مرسي. فالمخربون والبلطجية في نظرهم ثوريون، وليسوا هم المخطئين، بل المخطئ هو الحكومة التي تتصدى للبلطجة وتحاول فرض القانون!! لقد ظلت "جبهة الإنقاذ" تشحن الناس شحنًا من أجل التظاهر، وحينما يتم التظاهر كان ينتهي دائمًا بالعنف والحرق والقتل، ومعنى ذلك أنهم طرف أساسي في العنف وأحداثه. أما وزارة الداخلية: فهي نفسها تتحمل مسئولية جزء من هذا العنف؛ فهناك كثير من الضباط الذين يتواطئون مع المعارضة الفاسدة ويغطون جرائمها، بل ويقودون في اتجاه الخروج على القانون ونشر العنف والعمل على إسقاط المؤسسات. وينبغي أن نعترف هنا بأن رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان مسئولان عن عدم تطهير وزارة الداخلية من البداية بالشكل الكافي، فقد اكتفَوْا بإبعاد 90 لواءً، ونسُوا أن الوزارة كلها كانت بحاجة إلى هدم وبناء وَفقَ آليات مختلفة. لقد كان اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية واضحًا ومحددًا حينما أكد أن جهاز الشرطة لا علاقة له بالصراع السياسي الدائر بين النظام والمعارضة، وحينما دعا إلى إخراج الشرطة من أية خلافات بين الفرقاء السياسيين، وتركها تعمل من أجل الأمن. وكان دقيقًا حينما قال لأحد الصحفيين: أبعِد المتظاهرين عن نطاق المنشآت الأمنية، وقم بتهدئة الشارع، وسنعيد الأمن في كل شوارع مصر خلال شهر واحد. وهو نفسه يفسر ذلك بقوله: ما نشهده حاليًّا هو أعمال شغب تبدأ بمظاهرة تتجه إلي المنشآت المهمة، وتحاول الاحتكاك بالقوات المكلفة بتأمين تلك المنشآت، مع اندساس العديد من العناصر المسلحة المثيرة للشغب وسط المتظاهرين. وهذا كله من تخطيط المعارضة الفاسدة التي ترى أنها لن تستطيع التحرك إلا وَفق إطار معين يسوده العنف والارتباك والحرق والتدمير والقتل، كي تجد مبررات على الأرض تبرر بها أسباب مهاجمتها للدولة ومؤسساتها ومسئوليها. وفي الكلام السابق يكمن الحل، فرغم خطورة المشكلة إلا أن الحل وارد وسهل، وهو أن يكف المشبوهون وأصحاب الأهواء والأحقاد والمصالح الخاصة عن التظاهر، وأن يقدم الجميع المصلحة العليا للبلاد. لقد كان الشعب المصري لا يحب الحروب والمشاحنات، ولكننا أصبحنا نرى في كل تظاهرة أحداث عنف سياسي وحرب شوارع، لا تكاد تنتهي إلا ويسقط قتلى ومصابون؛ لأن هذه الأطراف مجتمعة تعمل وَفق مخطط مريض هو إسقاط حكم د.مرسي مهما كان الثمن، حتى لو كان حرق مصر وتدميرها. إن المتفق عليه أكاديميًّا هو أن العنف يتم توظيفه بشكل مخطط لتحقيق بعض الأهداف السياسية التي قد يكون منها: الوصول إلى السلطة السياسية، أو التأثير على مَن هم في السلطة على الأقل، وهذا يكون من جانب المعارضة غالبًا. إن اللجوء إلى العنف ما هو إلا جرس إنذار، ينذر بوجود أزمة في المجتمع، ترتبط حدتها بمستوى ممارسة العنف، والسلوك المنحرف للسياسيين هو أحد أسباب العنف السياسي. إن ساسة المعارضة المصرية الفاشلين يهاجمون نظام د.محمد مرسي، ويصفونه بأنه نظام دموي قتل أبناء بورسعيد، وفي هذا تزوير ما بعده تزوير، فمذبحة بورسعيد الأولى تمت في عهد المجلس العسكري، واشتعلت بورسعيد بعد الأحكام؛ لأن المدينة لا تريد أن يتم القصاص من أبنائها الذين قتلوا جمهور "الألتراس الأهلاوي"، وخرج أبناء بورسعيد محاولين هدم السجن وإخراج المسجونين، ومنهم مَن قتل بعض رجال الأمن غير المسلحين، وهذا كله ثابت. لكن أن يتم تحويل الأمر إلى تحميل الرئيس مرسي وحكومته المسئولية فهذا منتهى التشويه والتزوير. ولأن الإسلاميين من أكثر المصريين وطنية، فقد دعت الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية إلى تشكيل لجان شعبية لمواجهة البلطجية والممارسين للعنف وكشفهم، لكن المشبوهين أصابهم الجنون من هذه الخطوة، وإذا بهم يخادعون بالقول بأن هؤلاء الإسلاميين إرهابيون مارسوا العنف قبل ذلك وأنه من غير المقبول أن يتصدَّوْا هم للعنف الآن، في الوقت الذي كان ينبغي تثمين أي جهد إيجابي يأتي من أي طرف، طالما كان يسعى إلى التهدئة وإلى إنهاء العنف. إن القوم متشنجون لأنهم يعلمون أن خطوة اللجان الشعبية ستكشف الكثيرين من جهة، وستحدد مَن يقفون وراء العنف من جهة ثانية، وستمنع العنف وتوفر الأجواء الهادئة من ناحية ثالثة، والمعارضة الفاسدة المشبوهة تخاف من هذا كله؛ لأنه سيكشفها هي ورموزها المتورطين تمامًا في الدعوة للعنف والتغطية عليه، بل وممارسته، ولأنه سيعزز حكم الرئيس مرسي ويدافع عن شرعيته.