لم يكن مفاجئا أن يصادق البرلمان الكاتالاني اليوم 23 يناير بأغلبية مطلقة 85 صوتا مقابل41 على إعلان رسمي يؤكد حق الكتالونيين باتخاذ قرار يحددون بموجيه و بشأنه مستقبلهم، السبب والغاية الأساسي في حل البرلمان السابق والدعوة إلى انتخابات سابقة لآوانها. وقد بدت مؤشرات نتيجة اليوم واضحة وجلية في الخريطة السياسية التي أسفرت عنها نتائج انتخابات 25 نوفمبر من السنة الماضية، والتي أظهرت فوز الأحزاب التي حملت شعار الانفصال والاستقلال، ونادت بإعطاء الفرصة لصوت الشعب الكاتالاني ووعدته بتنظيم استفتاء شعبي على الاستقلال. وبلغة الأرقام فإن تركيبة البرلمان السياسية الحالية التي تدعم الاستقلال تربو على ثلثي البرلمان تقريبا. وبالرغم من وضوح أرتور ماس رئيس جنيرالتات فيما جنح إليه من الرغبة في تنظيم استشارة شعبية خلال الفترة البرلمانية الحالية، ونجاحه في تشكيل ائتلافي حاكم من دعاة ومناصري الاستقلال والانفصال اليسار الجمهوري الكتالاني وقطب مضاف إليه حزبي cupو icv وعقوق خمسة برلمانيين من الحزب الاشتراكي الكاتالاني باختيارهم الغياب عن التصويت لدعمهم لاتجاه الاستقلال الذي اختار حزبهم التصويت ضده، فإن كل ذلك يعتبر فرصة سانحة للتقدم صوب عمليات سياسية قد تنتهي إلى الانفصال عن إسبانيا. وفي مقابل ذلك الاتجاه، فإن الحكومة المركزية بمدريد بقيادة الحزب الشعبي عبرت عن وضوح بالرفض وعدم القبول يؤيدها في ذلك أغلبية الرأي العام والجماعات السياسية، الذين ينكرون ذلك الحق للكاتالونيين مالم يحصل بشأنه وبخوصه ترخيص من قبل الحكومة المركزية استناداعلى مقتضيات قانونية لدستور1978 لاتقاء خطر ما سيشكله ذلك من فرصة حقيقية للانفصال، وفي أفضل التنازلات يستفتى الشعب الإسباني كاملا. وهو الموقف الذي لقي انتقادا كبيرا في كاتالونيا واصفين إياه بغير المنطقي وغير الجدير بالارتكاز والاعتماد عليه للنيل من إرادة الكاتالونيين في وقت يؤمن ويدرك فيه الجميع في أوروبا والعالم بأسره أنه لا يمكن قمع الإرادة والتعبير الديمقراطي بإثارة حجج وذرائع قانونية، أو بالوعيد باستخدام العنف والقوة. وهي المواقف الصادرة من ذي قبل عن نائبة رئيس الحكومة السيدة صوريا صانييز سانتا ماريا ومن وزير العدل الاسباني ألبرتو رويز كاياردون . واليوم وقد مر إعلان الاستفتاء بسهولة وبأغلبية مطلقة إسوة بسابق النصوص من نفس الطبيعة والنوع منذ1989 بالمصادقة على حق تقرير المصيرو1998 بالمصادقة على حق حرية تحديد المستقبل كشعب و2010و2011 بمصادقة البرلمان الكاتالاني في مناسبتين على حق الشعب الكاتالاني في تقرير المصير وآخرها 27 شتنبر بمصادقة البرلمان السابق الذي تم حله على الدعوة خلال الولاية الحالية على أولوية الاستشارة الشعبية، فإن الهم العسير والعويص يبقى من نصيب الحكومة الكاتالونية في إيجاد حل متفاوض عليه مع الحكومة المركزية لاستصدار ترخيص لإجراء استفتاء شعبي على الاستقلال أو بدونه وما سينتج عنه من تبعات، ستبدأ حتما بمراجعة الحكومة المركزية للمحكمة الدستورية من أجل تجميد الاستشارة خمسة أشهر وفي حالة عدم الاكتراث لقرار المحكمة والاستمرار في الاستفتاء لا محالة من المتابعات القضائية أو حتى استعمال القوة أو عزل كاتالونيا أوروبيا. وإذا كان قادة الانفصال بقيادة أرتور ماس ما فتؤوا يؤكدون بوضوح أن هدفهم خلق كيان أوروبي جديد، فإن السؤال يكمن في هل ستسمح اسبانيا وتقبل دول الاتحاد الأوروبي بازدياد المولود الجديد المنتظر ويجد مكانته في الإطار الاقتصادي والسياسي الأوروبي كرقم مضاف ما دام تحصيل حاصل، أم سيتم إجهاضه أو يولد لقيطا منبودا..!؟ تلكم بعض الأسئلة عن واقع يبدو طوباويا لكنه قريب و غير مستحيل، فبالأمس كان الجميع يتحدث عن اندماج مثالي لكاتالونيا وما لبث أن تحول إلى حديث عن فشل فيه وعدم القدرة على الاستيعاب، فتلكم هي السياسة لا شيء مستقر ولا شيء مستحيل. وبقاء الحال من المحال.. *محامي بمكناس وباحث في الشأن الإسباني