أصبحت شخصية رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران مثار جدل لدى القاسي و الداني بعد أدائه السياسي المفعم بالإثارة و اللاتوازن . فهذه الشخصية الفريدة في تاريخ المغرب السياسي اكتسبت شهرة واسعة لدى كل الأوساط الوطنية سواء الشعبية منها أو النخبوية . كما أن صيتها تخطّى الحدود الجغرافية للمغرب ليصل على الأقل إلى كل البلدان العربية المجاورة من خلال وسائل الإعلام و المواقع الالكترونية . و يرجع الفضل كله في ذلك إلى الأسلوب " الشعبوي " نوعا ما الذي يتعامل به السيد رئيس الحكومة سواء مع الإعلام أو مع المواطنين أو مع " االكائنات السياسية " بمختلف أطيافها و انتماءاتها الفكرية ، فأحيانا تحس أنه لا ينصت لا للمؤيدين ولا للمعارضين بل يقول و يقوم بما يمليه عليه لسانه و عقله. لذا تراه في كثير من الأحيان ينطق بكلام ثم يعتذر عنه أو يأوله تأويلا إيجابيا لإرضاء من لم يرقه الأمر . لدرجة أن شريحة كبيرة من المواطنين أصبحت تنتظر بشغف الجلسة الشهرية لمساءلة الحكومة ، ليس من أجل متابعة ما يقع في الحقل السياسي المغربي بالدرجة الأولى بل من أجل اكتشاف الجديد الذي سيأتي به السيد بن كيران في تصريحاته و خرجاته الإعلامية و مشاكساته مع المعارضة . و هذه نقطة ربما تكون إيجابية تحسب للسيد الرئيس حيث نجح في " إحياء " المشهد السياسي المغربي بعدما كان راكدا ، وعرف في عهده البرلمان " نشاطا " غير مسبوق ، كما أن كل مقاعد القبة البرلمانية تكون شبه ممتلئة عندما يكون الموعد متعلقا بحضور السيد بن كيران ، كما ضمن لأشغال البرلمان بمجلسيه نسبة مشاهدة مرتفعة بعدما كانت هزيلة جدا في عهود الحكومات السابقة . و تمة من القنوات الفضائية و الصفحات الالكترونية من انجذبت لشخصية السيد الرئيس بل أصبحت تعتمد على خرجاته و فلتات لسانه و انفعالاته المتكررة في وجه كل المعارضين لسياساته العمومية و كذا " تقشابه السياسي " ، مادة أولية و دسمة لنقدها الصحفي من جهة ، و للترفيه نوعا ما على المشاهدين و القراء من جهة ثانية . و إليكم مثلا نموذج البرنامج الهزلي الذي تبثه القناة المغاربية نسمة الذي يصور السيد رئيس الحكومة المغربية كأنه ذلك الشخص الذي يقول و يفهم و يعلم كل شيء ، لكنه غير قادر على فعل أي شيء . بمعنى أنه يتظاهر بمعرفة كل ما يحيط بالساحة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لكن الحقيقة عكس ذلك فهو " مجرد " رئيس للحكومة " كما قال عن نفسه في إحدى التصريحات و ليس له دخل بأي شيء ( فلا تحمّلوه ما لا طاقة له به جزاكم الله خيرا .... ). في اعتقادي المتواضع هذه الصورة التي أخذت للسيد رئيس الحكومة في الإعلام المغربي -غير الرسمي - و العربي و حتى الدولي تسيء بنا كمواطنين مغاربة ، و هي ناتجة ربما عن ضعف في الرؤية السياسية للسيد رئيس الحكومة الذي يحاول أن يتظاهر بأنه رجل دولة و رجل سياسة و محيط بكل جيوب الفساد في الوطن ، و قادر على اجتثات و غلق كل الأبواب أمام الفاسدين و المفسدين . لكنّ واقع الأمر يثبت أن السيد بن كيران قادر فقط على الزيادة في الأسعار و الاقتطاع من أجور الموظفين الضعفاء و مصادرة حقهم الدستوري في الإضراب و فرض إجراءات زجرية في حقهم ، و حرمان المعطلين من التوظيف و إخلاله بالتزامات الحكومات السابقة و تهديده للنقابات و المتظاهرين و توعده المستمر للمعارضة و إغراق الاقتصاد المغربي بفعل الديون الخارجية المتكررة .... فما شاهدت إلى حد الآن رمزا واحد من رموز الفساد في المغرب يُحاكم أو يُحقق معه أو يُنتزع من منصبه أو يحال على التقاعد .... بطبيعة الحال لم نسمع و لن نسمع عن هذا أبدا ، لأن السيد الرئيس عفا عنهم بمقولته الشهيرة " عفا الله عما سلف .." أرجو من السيد رئيس الحكومة إن قرأ هذا المقال أن يحترم حقي في التعبير و أن يُعطي صورة مشرفة لحزبه الكبير و للمغاربة أجمعين و أن يَظهر بوجه مغاير يتسم بكثير من الإتزان و المسؤولية و أن يصمد على مواقفه وأن يلتفت إلى الطبقات الشعبية و الفقيرة فيما تبقّى من عمر ولايته . طالب باحث بجامعة الحسن الثاني المحمدية