خصصت القناة الثانية ندوتها الحوارية " مباشرة معكم" لهذا الأسبوع لموضوع التحرش الجنسي، واستضافت لتنشيط الندوة ثلة من الباحثين والأخصائيين الحقوقيين والنفسانيين، ودار النقاش وتشعب في اتجاهات متعددة ومسارات مختلفة، حول تشخيص الظاهرة، وأسبابها، والمقاربات الممكنة للحد منها. أول ملاحظة تظهر للمشاهد الحصيف، هي حول نوعية الضيوف وتخصصاتهم ( باحثة اجتماعية، طبيب نفساني، حقوقيتان، مدير ثانوية)، إذ ليس منهم عالم من علماء الشريعة أو متخصص في الدراسات الإسلامية، يقدم وجهة نظر الإسلام في هذا الموضوع، أو ليس المغاربة مسلمين يهمهم رأي الإسلام في هذا الموضوع قبل كل رأي؟ أو ليس لأحكام الحلال والحرام في موضوع التحرش الجنسي سلطة روحية وأثر نفسي وسلوكي أقوى من تأثير مقولات الحقوق والحريات والسلوك المدني؟ أو لا يفرض تعدد الرأي وترشيد النقاش العمومي على دوزيم أن يكون صوت علماء الشريعة حاضرا إلى جانب أصوات باقي النخب والتخصصات؟. لكن يبدو أن دوزيم مصرة على التغريد خارج سرب المغاربة، بتمثيل قلة قليلة منهم وتغييب صوت أغلبيتهم، وأنها ماضية في استراتيجية علمنة النقاش العمومي بتغييب رأي الشرع فيه، وكأنها تخاطب مجتمعا بدون مرجعية ولا هوية ولا ثقافة ولا تاريخ، ولعل ذلك ما انعكس على نظرة المشاهد المغربي إلى دوزيم ووسمها بطابع الشك والريبة وعدم الرضا، حتى أنها في نظره أشبه ما تكون بقناة أجنبية بقناع وتوابل مغربية. ولقد انعكس تغييب صوت علماء الشريعة في البرنامج على مستوى النقاش شكلا ومضمونا، وسمح بتمرير كثير من المغالطات والأفكار السامة، ونزل بالبرنامج أحيانا إلى دركات من الإسفاف اللغوي والمضموني، وإليكم بعضا من تلك المغالطات: أولا: ادعاء بعض ضيوف البرنامج أن لا علاقة للباس المرأة ومظهرها بظاهرة التحرش الجنسي، طالما أن المحجبات يتعرضن له أيضا، وبالتالي فلا فرق في الموضوع بين الحجاب والسفور، والحقيقة أن العري والسفور يأتي على رأس أسباب الفتنة الجنسية التي تفضي إلى التحرش بالمتبرجات، وأن للحجاب من الهيبة والوقار والاحترام في الشارع المغربي ما يجعل المحجبات أقل تعرضا لاستفزازات الفساق وتحرشات المنحرفين. إن المرأة التي تجعل من جسدها ومفاتنها أشبه بلوحة إشهارية معروضة في الشارع العام، هي امرأة تسترخص جسدها ولا تحترم نفسها، فكيف تريد من الشباب الجائع المفتون أن يحترمها ويغض بصره عنها. وبالمقابل فإن المرأة المحجبة تبعث إلى الآخر برسالة مفادها أنها امرأة محترمة تحترم نفسها وجسدها وأنوثتها، وتريد من الآخرين احترمها، ولا تريد أن تكون عرضة للابتذال والامتهان، مع التنبيه إلى أن الحجاب في الإسلام ليس مجرد لباس وحسب، بل هو أخلاق وسلوك أيضا، وهو طريقة في المشية والحركة والكلام، يطبعها الحياء والحشمة والوقار. ثانيا: ادعت إحدى ضيفات البرنامج، أن التحرش إذا قوبل برد فعل " إيجابي" من المرأة يدل على الرضى والقبول، فإنه لا يكون تحرشا، مما يعني أن التحرش في نظرها نوعان: محمود تعجب به المرأة وترضى به، ومذموم ترفضه المرأة ولا تقبله، أي أن مزاج المرأة وهواها ورد فعلها هو المرجع في تحديد مفهوم التحرش، مما يضعنا أمام معضلة تعريف التحرش. وإذا كان الأمر كما قالت فمتى نعتبر التحرش جريمة ومتى لا نعتبره كذلك؟ ومتى نعاقب عليه ومتى لا نعاقب؟. والصواب أن التحرش جريمة في كل حال بغض النظر عن رد فعل المرأة، والمرجع في تحديد مفهوم التحرش هو الشرع والقانون المستمد منه، وليس أهواء وأمزجة النساء، بحيث يرضينه إذا شئن ويجرمنه إذا شئن، فإن ذلك عبث ما بعده عبث، وفساد ما بعده فساد، وفوضى لا أول لها ولا آخر. ثالثا: ذكر ضيوف البرنامج جملة من أسباب التحرش، اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها، ولكنهم لم يعرجوا على دور المواقع الإباحية التي أفسدت أخلاق الشباب وغرائزهم، ولا على دور الإعلام الماجن في إفساد العقول والأذواق، ولا على ما تبثه قنوات الفسق والفجور ومنها دوزيم نفسها من أفلام المسخ الفكري والدمار الاجتماعي والفوضى الأخلاقية، ولم يذكروا دور المقررات والمناهج الدراسية في محاربة قيم العفة والحياء والسمو الأخلاقي، والترويج لقيم الميوعة والانحلال والانفلات الأخلاقي. رابعا: ركز جل الضيوف على المقاربة القانونية في معالجة المشكل، مع إشارات محتشمة إلى المعالجة التربوية، والحقيقة أن الموضوع يحتاج إلى مقاربة شمولية تجمع بين ما هو تشريعي قانوني وما هو تربوي ثقافي، مع إعطاء الجانب الأخير ما يستحق من عناية وأولوية، بالنظر إلى أن حجم الظاهرة أكبر بكثير من إمكانيات القضاء والأمن وغيرها من المؤسسات، وأن الحل إلى جانب العقاب والزجر، يكون ببعث الأخلاق، وتقوية الوازع الديني في النفوس، وتربية الشباب على تقوى الله ، ومراقبته في السر والعلن، والخوف من عقابه ونقمته، فإن هذه القيم والأخلاق هي التي صانت المرأة المغربية والمجتمع الغربي عبر التاريخ من مثل هذه الظواهر المرضية والانحرافات الجماعية. ولا يجب أن يفهم من الملاحظات السابقة أننا نقر الفساق والمنحرفين من الشباب والرجال، على التحرش بالنساء والفتيات ومعاكستهن في الشارع العام، حتى لو كن متبرجات كاسيات عاريات، فإن تلك جريمة تحتاج إلى تعزير وتأديب وزجر، خصوصا عندما تعم وتنتشر، كما يحصل هذه الأيام، وإنما المقصود إلا تكون المرأة بلباسها ومظهرها سببا لذلك، ولعل في ذلك ما يكشف عن حكمة التشريع الإسلامي، حين فرض على النساء الحجاب والوقار، وفرض على الرجال غض الأبصار.