التي تعود لفترة ما قبل تدوين التاريخ أمست لا تساوي أي شيئ في ظل معاول الهدم وأشياء اخرى التي تتعرض لها ، وفي ظل هذا كله لا أحدا ممن ينعثون بهئيات المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية تحركت لتقول "اللهم هذا منكر" بإستثناء رابطة حماية المستهلك التي كانت لها الجرأة لوضع اليد على الجرح ، أما الباقي بما فيهم أحزاب توزيع الحريرة فهم لا يجتمعون ويدرفون دموع التماسيح إلا على مصالحهم ، وأمام هذا الوضع لا يجد المتتبع للشأن العام بمدينة طنجة أي مبرر للوضعية المزرية التي تتواجد عليها المأثر التارخية بالمدينة ، كما أن لا أحدا من الجهات المعنية و المسؤولة تحركت لإعادة الإعتبار لهذا التراث التاريخي و الثقافي ، وكأنها مؤامرة شارك فيها الجميع محليا وجهويا ومركزيا لطمس الهوية العريقة لهذه المدينة ، ومن ثمة إظهارها كمدينة "للقصارة" وملتقى أباطرة المخدرات و الممنوعات ،فجميع المأثر التاريخية تم الإجهاز عليها و تحويلها إلى كثل من إسمنت و الباقي منها يتعرض حاليا للتدمير الممنهج ، بينما المجالس المنتخبة وسلطة الوصاية ووزارة الثقافة انخرطت بدورها في مؤامرة الصمت وتركت وحوش العقار وسماسرتهم ينهشون في كل الفضاءات التاريخية و المناطق الخضراء . مدينة طنجة التي أطعمت العديد من الكائنات السياسية والعقارية من جوع ، بعدما وفدوا إليها حفاة عراة ، يسجل الغيورين عليها ، أنه حتى المأثر "الطنجاوية " التي لم تمتد إليها يد التدنيس يلفها التهميش ، و الدليل هو ضريح ابن بطوطة التي يتواجد بالمدينة القديمة ، هذا الرحالة الطنجاوي الشهير ، الذي يعرف المغرب بإسمه في مختلف بقاع العالم ، لم ينل في وطنه ومدينته خصوصا ما يستحقه من تكريم وعناية وكأنه عقابا له لكونه –طنجاويا- ، فالضريح مطوق بالأزبال و النفايات من كل جهة ، و السلطات الحكومية على مستوى مندوبيتي وزارتي الثقافة و السياحة بالمدينة لم تصدر منهما أي فعل ملموس من أجل جعل الضريح مزارا يساهم على الأقل في تحريك الواقع السياحي السيئ بالمدينة ، وهذا يتطلب على الأقل وضع ميزانية عمومية لصيانة الضريح وتطهير المحيط الذي يتواجد فيه القبر، وإلى غير ذلك من الإجراءات التي تليق برمزية الضريح . الفضاء التاريخي الثاني بالمدينة و الذي يوجد بدوره في حالة مزرية بشكل متعمد هو" قصر المندوبية بسوق دبرة " ، فهذا الفضاء الذي يرمز لحدث زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني لطنجة سنة 1912 ، أي قبل أندلاع الحرب العالمية الأولى بسنتين ، ويقول المؤرخون أن هذه الزيارة كانت من العوامل التي أدت إلى إندلاع الحرب الكونية الأولى ، نظرا لرفض الحلفاء هذه الزيارة لمدينة إستراتجية كطنجة تربط بين إفريقيا و أوروبا و بوابة الدخول و الخروج من وإلى البحر الأبيض المتوسط ، فالحلفاء وعلى رأسهم الإنكليز و الأمريكان كانوا متخوفين من تواجد الألمان بطنجة ، وبغض الطرف عن الحسابات السياسية المرتبطة بتلك الزيارة ، فإن قدوم الإمبراطور الألماني لطنجة تركت وراءها " قصر المندوبية " الذي أقام فيه غليوم الثاني ، كما كان بالقصر ايضا فضاء خصص كمقبرة لدفن موتى الرعايا الألمان المتواجدين بالمدينة ، وهذا الفضاء ايضا شهد حدثا إستثنائيا في الحركة السياسية الوطنية إبان الإحتلال الفرنسي و الإسباني للمغرب ، ففيه ألقى المغفور له جلالة الملك سيدي محمد الخامس طيب الله تراه خطابه التاريخي لتاسع أبريل من سنة 1947 ،والذي أكد فيه جلالته إنطلاقا من هذه المدينة التي كانت تحت الإنتداب الدولي، وحدة المغرب ببعده القاري و العربي وهويته العربية الإسلامية ، ورغم هذه الرمزية التاريخية "للمندوبية" ،فإنها حاليا عبارة عن مزبلة و مرحاض كبير يمارس فيه قطاع الطرق و بائعي المخدرات الصلبة نشاطهم الإنحرافي ، وأصبح السكان والعابرين يرتعدون خوفا من أن يطالهم مكروه عند مرورهم بعين المكان.
وقفة مؤامرة استهداف الهوية التاريخية لطنجة لم تقف عند هذا الحد ، بل إمتدت لتطال مأثر من التاريخ القديم و المعاصر ، وكأن الذي ينفذ هذه الجرائم له حقد دفين للمدينة و ساكنتها ، والغريب أن هذه الجرائم تتم تحت ذريعة الإستثمار و التنمية وغيرها من الكلام "المخدر" ، فتحت ذريعة الإستثمار تم القضاء على معلمة تاريخية تعود للقرن التاسع عشرة "19" ، الأمر هنا يتعلق "بفيلا هارس" المتواجدة بخليج طنجة "الغندوري" ، و"هارس " لمن يجهله هو الصحافي والكاتب البريطاني الشهير "والتر هاريس"، الذي استقر في طنجة سنة 1886، وعاش فيها سنوات طويلة، ومن شدة حبه لطنجة أنه قدم هذه البناية هدية ثمينة لسكانها، وأمر أن يدفن بها بعد موته، الذي صادف يوم 4 أبريل 1933، إذ وافته المنية بمالطا، قبل أن ينقل إلى مدينة طنجة، حيث دفن في مقبرة كنيسة القديس "أندرو" بسيدي بوعابيد ، وشكلت هذه البناية التاريخية قبلة لكبار الشخصيات العالمية في عهد "والتر هاريس"، وحتى بعد موته، حينما انتقلت ملكيته إلى أحد المقاولين الكبار في عالم الاستثمار السياحي. ومع نهاية التسعينيات اتخذت السلطات المحلية قرارا بإغلاقه، بعدما تحول هذا المبنى التاريخي الذي يطل على البحر إلى بناية خالية يملؤها المنحرفون واللصوص ، غير أن الجهات المعنية بالمدينة عوض الحفاظ على وصية الراحل"هارس" بجعل البناية للمدينة وساكنتها ، فإنها رخصت لوحوش العقار بهدمها وإقامة وحدة فندقية فوقها ، وهكذا تم القضاء على هذه المعلمة التاريخية بمباركة المسؤولين المحليين ، وفي منطقة خليج طنجة تم أيضا القضاء على معلمة تاريخية أخرى تعود للقرنيين السادس عشر و السابع عشر ، إنها" قصبة غيلان" التي ترمز إلى مقاومة المدينة للإحتلال البرتغالي ، حيث إتخذها المجاهد غيلان نقطة مواجهة لمقاومة الإحتلال البرتغالي للمدينة و الذي امتد لقرنيين من الزمان ، هذه المعلمة تم القضاء عليها بترخيض من لجنة الاستثناءات بتاريخ 07/ 2008 تحت رقم108.PCV من أجل إنشاء مسبح خصوصي لمؤسسة "بنك المغرب" في ذات الموقع الأثري على عمق 3 أمتار، وعلو 7 أمتار، دون مراعاة خصوصيات الموقع، ولا المقتضيات القانونية التي تجرم الاعتداء على المواقع التراثية ، تم أيضا الوضعية المزرية لمقبرة الرومانيين الأثرية "بغرصة غنام" بمرشان ، والتي هي حاليا عبارة عن مرحاض ،بالرغم من كونها تعود للتاريخ القديم "قبل الميلاد" ، نفس الشيئ يقال عن ساحة الثيران التي تحول إلى بناية لجمع "الحراكة" وملحقة إدارية ،وهي التي ترمز لحقبة مهمة للتواجد الإسباني بطنجة. تذكير وبموازاة مع سياسة الهدم المتبعة في حق الماثر التاريخية بالمدينة ، هناك أيضا منطق التحقير و تهميش كل شيئ يعود لطنجة و لا "علاقة "للوافدين به ، كما هو الشأن بالنسبة للمعلمة الخالدة مسرح "سرفانطيس " أول مسرح في المغرب ، والذي يوجد في حالة مزرية ، ورغم أنه يدخل "ظلما "ضمن ممتلكات الحكومة الإسبانية ، إلا أن الإسبان عبروا أكثر من مرة عن إستعدادهم للتعاون مع "المغاربة" من أجل إعادة ترميم المسرح وجعله يعود للحالة التي كان عليها أيام "عز طنجة" ، لكن المغاربة تجاهلوا المطلب الإسباني ، ففهم الإسبان هذه الإشارة السلبية ، وتركوا مسرح سرفانطيس لحاله ، ثم حكاية "مغارة هرقل" برمزيتها التارخية ، هذا الفضاء لا يوجد به مرحاض عمومي ، حتى أن المرشدين السياحيين يستنجدون بالمطاعم الشعبية المتواجدة هناك للسماح للسياح بقضاء راحتهم البيلوجية ، كل هذه الجرائم تقع والمسؤولين عندنا غير معنيين ، وكأنهم يباركون هذه الجرائم ، ترى لو حدث هذا في مدن المغرب النافع ..ماذا كان سيكون رد من في يدهم سلطة القرار؟.