إذا قدر لك زيارة مدينة طنجة، فإنك ستكتشف أن هذه المدينة تزخر بعدة مآثر تاريخية شاهدة على الدول التي مرت من هنا في فترات مختلفة من الزمن.مباني تاريخية بطنجة القديمة (خاص) مآثر تجعل المرء وهو يتجول في هذه المدينة الساحرة وكأنه في معرض للتحف، إلا أنه للأسف الشديد، جل هذه المآثر تعيش وضعا سيئا، وهو ما يجعل الكرة في مرمى مجلس المدينة ووزارة الثقافة من أجل إعادة هيكلة هذه المأثر باعتبرها ملك جماعي. تاريخ مدينة طنجة قديم قدم التاريخ، حيث عاشت حضارات ما قبل تدوين التاريخ وعاشت أيضا فترات تاريخية من التاريخ القديم والحديث باعتبارها تشكل حالة فريدة من نوعها في الجغرافي، كبوابة لحوض الأبيض المتوسط نحو المحيط الأطلسي وأيضا باعتبارها النافذة التي تطل منها إفريقيا نحو أوروبا عبر فتحة لا تتعدى (12 كيلومترا ). وتتيح طنجة لزائرها العديد من الأشياء، فهي المدينة الوحيدة في العالم التي يمكنك وأنت جالس في المقهى تشرب الشاي "المنعنع"، أن ترى بالعين المجردة دول ما وراء البحر الأبيض المتوسط، وكل هذه العوامل أغرت العديد من الدول على غزو هذه المدينة وإحتلالها نظرا لموقعها الاستراتيجي وما تشكله من حساسية في صراع الحضارات، وشكلت مجالا خصبا للعديد من الدول، وهذا يرجع إلى موقعها الجغرافي، وآخر مرحلة من الحقبة الاستعمارية كانت فترة الانتداب الدولي، الذي عاشته المدينة، حيث كان المغرب محتلا في الشمال والجنوب من طرف إسبانيا وفي الوسط الاستعمار الفرنسي، وطنجة كان لها وضع خاص باعتبارها منطقة دولية. الوجود الألماني بخروج الاستعمار الدولي من طنجة خلف وراءه عدة مآثر تؤرخ لوجود المعمرين الإسبان والفرنسيين والإنجليز والألمانيين، مرحلة الوجود الألماني تتجلى في مآثر المندوبية الموجودة في ساحة تاسع أبريل ( سوق دبرا ) وهو المكان التاريخي، الذي ألقى منه الملك الراحل محمد الخامس خطابه التاريخي أثناء زيارته لطنجة سنة (1947 ) وحدائق المندوبية بها مقبرة ألمانية ومآثر تدل على الوجود الألماني في شخص الجالية الألمانية. هنا نتذكر الزيارة التاريخية التي قام بها الإمبراطور الألماني ، غليوم الثاني سنة ( 1912 ) أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بسنتين، أما الوجود الإنجليزي فيتجلى في ما تزخر به المدينة القديمة من فيلات وقصور شيدت على الطريقة الإنجليزية مابين سنوات ( 1800 و 1930)، علما أن طنجة كانت تتوفر على وكالة بريدية خاصة بالإنجليز بدار البارود، ومع الأسف فقد طال هذا الفضاء التاريخي التهميش، كما أن بناية مندوبية الثقافة حاليا هي في الأصل فضاء إنجليزي محض وجوارها توجد حديقة تسمى حديقة الإنجليز، كما أن الإنجليز كان لهم مستشفى خاص بهم في حي مرشان هو الآن تستغله وزارة الصحة العمومية. ولم يمر الوجود الفرنسي في المدينة دون أن يخلف أي أثر، فالوجود الفرنسي يتجلى في معلمة "فيلا دي فرونس" ومتحف "دي لاكروا" بشارع الحرية وغيرها من المآثر العمرانية الموجودة في الفضاءات البحرية وفي البعثة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي. مسرح سيرفانتيس أما إسبانيا والتي تعد أقرب دولة لمدينة طنجة، فإن وجودها الإسباني في عروس الشمال يتجلى في المعلمة الكبرى مسرح "سيرفانتس"، الذي يعتبر الأول من نوعه في المغرب، باعتبار أن طنجة كانت السباقة لممارسة المسرح وفنونه، لكن للأسف فإن الوضعية الحالية، التي يوجد عليها هذا المسرح التاريخي محزنة ومؤلمة، وتدعو لطرح أكثر من علامة استفهام. إضافة إلى مسرح سيرفانتس، هناك عقارات إسبانية تصنف عمرانيا بمآثر هذه المدينة وهي الموجودة قبالة الميناء والمدينة القديمة وبمنطقة الرميلات، ناهيك عن الكنائس الإنجليزية والإيطالية والمعابد اليهودية ومقابر الكلاب وباقي المآثر الموجودة في أنحاء طنجة، التي تؤرخ لفترات جميلة من المدينة، لكن المؤسف أن هذه المآثر التاريخية كلها يطالها التهميش وتحولت إلى مزبلة ترمى فيها النفايات، كما هو حال مسرح "سيرفانتس" والمسؤولية في هذا الوضع تتحملها الجماعة الحضرية لطنجة بصفتها الوصية عن تسيير الشأن المحلي وأيضا وزارة الثقافة وباقي الوزارات المعنية وجمعيات المجتمع المدني، التي اهتمت بكل شيء إلا بصيانة تاريخ مدينة طنجة الضارب في عمق التاريخ والشاهد على عمق حضارة هذه المدينة.