التضخم: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0،5 % خلال يوليوز 2025    ترامب يؤكد أن واشنطن ستساهم في توفير ضمانات لأمن أوكرانيا    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة        للمرة الرابعة على التوالي‮ ‬وبعد أقل من شهر على سابقتها ‮، ‬بعد الاختراق البري‮ ‬وتسجيل أول عملية بعد اندلاع الحرب،‮ ‬المغرب‮ ‬يختار‮. ‬النقل الجوي‮ ‬السريع للمساعدات‮ ‬    الجديدة.. إيداع شخص رهن الحراسة النظرية للاشتباه في هتك عرض طفل والتحقيقات متواصلة                مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    48 قتيلا و 3004 جرحى حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم "تصفية نزيل" وتعلن اللجوء إلى القضاء    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    كالياري الإيطالي يحسم صفقة حمدوة    مساعدات المغرب لغزة تعزز التضامن    أخبار الساحة    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    اجتماع طارئ ل "برلمان المغرب التطواني".. هل يعلن المكتب المسير عن استقالته؟    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"        تراجع أسعار النفط    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    "البريمرليغ" يقترب من رقم قياسي جديد في سوق الانتقالات الصيفية    عودة ظاهرة سرقة الدراجات المائية واستعمالها في الهجرة السرية    الأمن يضع يوقف أما وابنتها قامتا بالنصب والاستيلاء على أزيد من 180 مليون    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    الغلوسي: إعادة الثقة للمؤسسات تتطلب مواجهة حازمة للفساد والرشوة ونهب المال العام    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    رسميا.. الرجاء الرياضي يرفع عقوبة المنع ويطوي صفحة النزاعات    الغلوسي: "تواطؤ داخل البرلمان يهدد استقلال القضاء ويؤسس لدولة داخل دولة"    "البيجيدي" يرفض تهميش السياسيين والمنتخبين في إعداد الجيل الجديد من برامج التنمية ويدعو لاحترام الدستور    الأمم المتحدة.. 383 قتيلا من عمال الإغاثة في 2024 نصفهم تقريبا في غزة    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلا هاريس.. كنز سياحي وتحفة تاريخية تعْوي حولها الذئاب
كانت بمثابة مقر حكومة عالمية مصغرة وفيها جرت الكثير من الأحداث
نشر في المساء يوم 11 - 07 - 2011

في نهاية القرن التاسع عشر، كانت طنجة واحدة من أهم مدن العالم، وبما أن الأهمية لا تكتمل إلا بأضواء الإعلام، فإن المدينة كانت أيضا رائدة في مجال الصحافة، حيث ظهرت بها
صحف كثيرة بكل اللغات الحية، واستقر بها صحافيون مشاهير، ليس بسبب جاذبية المدينة فقط، بل لأن طنجة كانت تفور دائما بآخر الأخبار، أخبار السياسة والمال والأعمال والجاسوسية.. أخبار من كل نوع.
والتر هاريس، أحد أشهر الصحافيين ومراسل صحيفة التايمز البريطانية، استقر في طنجة وقتها ولم يرحل عنها إلى اليوم. لقد جاب العالم وهو لم يكمل العشرين من عمره، وعندما جاء إلى طنجة وهو في الحادية والعشرين، فإن أول ما فعله كتب وصيته وطلب أن يدفن فيها، يا له من غرام.
والحقيقة أن والتر هاريس لم يوص أن يدفن في طنجة، بل أن يدفن بالضبط في حديقة فيلا رائعة بناها مباشرة على شاطئ البحر، وهو الشاطئ المعروف اليوم بشاطئ «فيلا هاريس».
هذه الفيلا، إذن، ليست مجرد سكن مبهر لصحافي شهير، بل هي التاريخ بعينه، تاريخ يجمع كل شيء، السياسة والصحافة والإثارة والجاسوسية والاختطاف والحب والكراهية. إنه تاريخ طنجة العجائبي.
عاش والتر هاريس 77 عاما، (1866 _ 1933) وهي فترة تبدو أكثر من كافية لكي يجرب فيها كل أشكال الإثارة في كل المجالات. لقد جاء إلى طنجة مفتونا بسحرها في ذلك الزمان، واستقر، كما يستقر الكثيرون، في المدينة العتيقة التي لم يكن يوجد غيرها.
عايش والتر هاريس كل الأحداث الكبرى التي عرفها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان وقتها المراسل الأبرز لأشهر صحيفة بريطانية، خصوصا وأن جزءا كبيرا من مستقبل المغرب، وأيضا مستقبل أوروبا والعالم، كان يصنع في طنجة، التي كانت تحتضن السفارات والبعثات الدبلوماسية والشركات العالمية وأوكار الجاسوسية والكنائس المختلفة المذاهب.
سطع نجم والتر هاريس أكثر يوم تعرض للاختطاف من قبل ثعلب جْبالة، مولاي أحمد الريسوني، المتمرد الأسطوري الذي دوخ الجميع، وهذا الاختطاف، حسبما يبدو، كان بدافع الحصول على فدية من بريطانيا، تماما كما فعل الريسوني مع الولايات المتحدة الأمريكية، عندما اختطف زوجة الملياردير والدبلوماسي الأمريكي إيون بيرديكاريس، من أجل الحصول على فدية أمريكية لتمويل جيش الريسوني المحتمي بالغابات والجبال، كما لو أنه جيش روبين هود، على الطريقة المغربية. غير أن عملية اختطاف هاريس، لا تزال إلى اليوم تثير الكثير من التساؤلات، حول ما إذا كان الصحافي البريطاني قد دفع بنفسه عمدا إلى الاختطاف، حتى يكرس وضعيته كأقوى وأبرز صحافي في طنجة، وحتى يكسب المزيد من النجومية، خصوصا وأن المدينة كانت في ذلك الوقت عاصمة إعلامية، بالإضافة إلى كونها عاصمة دبلوماسية عالمية.
اليوم لا تزال هناك صور للصحافي هاريس وهو يرتدي جلبابا جبليا ويقف أمام آلة التصوير لكي يخلد لحظات الاختطاف، الذي خرج منه سليما معافى، مما جعل الكثيرين يشككون في كون تلك العملية كانت سيناريوها محبوكا من أجل خدمة أهداف الخاطف والمخطوف، الخاطف يريد المال، والمخطوف يريد مزيدا من الشهرة. لكن نظرية المؤامرة هاته لا تجد من يؤكدها بالمطلق. إنها مجرد افتراض.
لم يكن حادث الاختطاف هو العلامة الأبرز في سيرة هاريس، بل إن أبرز شيء قام به هو عندما قرر بناء فيلا أنيقة، وهي شبيهة بقصر، في منطقة قريبة من الساحل الشرقي لطنجة، وهي الفيلا التي كانت تعتبر وقتها تحفة فنية في كل شيء، قبل أن يدور بها الزمان دورته بعد الاستقلال، وتتحول إلى خربة جديدة يحوم حولها اليوم وحوش العقار، الذين دمروا طنجة تدميرا.
بنى هاريس تلك الفيلا في مكان غير معتاد في ذلك الوقت. وكانت الفيلا مجرد نقطة في بحر، أي أن أهم شيء في تلك الفيلا هي الحديقة الواسعة المحيطة بها والممتدة على مساحة 9 هكتارات، والتي كان يوجد بها أيضا مسبح، وأكثر من هذا، مسرح صغير على شاكلة المسارح الرومانية، وفوق هذا وذاك الكثير من النباتات والأغراس النادرة، التي جلبها هاريس من مختلف أصقاع العالم خلال جولاته الكثيرة، وهذه الأشياء كلها ذهبت إلى الجحيم بعد الاستقلال، بل توجد فيلا هاريس اليوم في فم الثعبان، لأن وحوش العقار يحومون حولها مثل الذئاب.
في حديقة هذه الفيلا توجد، أو كانت توجد، أشجار لا يوجد مثيلا لها في المغرب، لقد كانت متحفا طبيعيا حقيقيا، أما معمار الفيلا فإنه كنز حقيقي، سواء من خلال المواد الثمينة التي تم استعمالها في عملية البناء، أو من خلال المعمار الأصيل في الزخرفة، وهو ما جعل هذه الفيلا تدخل في إطار المحميات الثقافية، لكن نظريا فقط، لأنه لا يمكن أن يكون مكان ما محمي ثقافيا بينما يشحذ الآخرون سيوفهم لكي يذبحوه في أي وقت.
فيلا هاريس لم تكن في ذلك الوقت مجرد تحفة طبيعية ومعمارية، بل كانت أكثر من ذلك بكثير، لقد كانت بمثابة مقر حكومة عالمية مصغرة، حيث تجري الاجتماعات والمفاوضات، وحتى المؤامرات. ويبدو أن هاريس لم يكن داهية فقط، بل كان ذئبا صحافيا، لأنه جعل من تلك الفيلا قبلة لنخب طنجة والعالم، وحول جزءا منها إلى كازينو، وجعل منها معلمة ثقافية وفنية، خصوصا من خلال المسرح الروماني الصغير، وهكذا كان يستطيع أن يجمع كل مساء كل نخب المدينة، وكانت الأخبار تصب في أذنيه مثل الشلال، وكأنه هو الذي أنشد يوما: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا.. ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
هكذا تحول والتر هاريس، من مجرد صحافي يبحث عن الأخبار ويحللها، إلى صانع حقيقي للخبر، بل صار يصنع الأحداث من خلال المشاركة فيها والتأثير عليها، وأيضا من خلال علاقاته النافذة بالشخصيات الكبيرة في طنجة وقتها، بل وفي العالم.
فيلا هاريس ارتبطت بوجدان طنجة منذ أزيد من قرن، وقبل ذلك فإنها ارتبطت بوجدان والتر هاريس، الذي أوصى بدفنه في حديقتها، وعندما باغته الموت وهو في زيارة إلى مالطة، فإنه عاد في تابوت إلى طنجة، غير أن الوصية لم يتم تنفيذها لأسباب غامضة، وتم دفنه في المقبرة البريطانية في طنجة، حيث لا يزال قبره اليوم بارزا يحمل اسمه، وكأنه دفن بالأمس. بل إن قبره هو الوحيد الذي يحمل عبارات قرآنية مكتوبة بالعربية، مما يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان الرجل أوصى أيضا أن يدفن كمسلم، لكن في مقبرة مسيحية.
كان بإمكان فيلا هاريس، وحديقتها، أن تكون اليوم واحدة من أبرز معالم الاستثمار السياحي في المدينة، وكان ممكنا أن يزورها آلاف السياح يوميا وتتحول إلى كنز سياحي واقتصادي لطنجة، وكان من الممكن أن تكون متحفا تاريخيا يؤرخ لتلك الفترة العجيبة من تاريخ المدينة، وكان يمكن أن تكون متحفا طبيعيا وبيئيا نظرا لأعشابها وأشجارها النادرة، وكان يمكن أن تكون مثل حدائق «ماجوريل» أو «عرصة مولاي عبد السلام» في مراكش. كان يمكن لهذه الفيلا وحدائقها أن تكون فخرا لطنجة وفخرا لسكانها..
كان يمكن.. وكان يمكن..
لكن لا شيء يمكن في هذه المدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.