. العالم في حِراك اجتماعي واقتصادي. . عدة أحياء تحترق في لندن. . جيش النظام السوري يقصف مآذن ومواطنين عزل. . كتائب القذافي تمطر بعض المدن الليبية بقذائف چراد وصواريخ سكود وهي تعرف أن هذا هو آخر بارود وأن القدافي إلى سدة الحكم لن يعود. . اليمن يعرف أخطر وأحلك فترات تاريخه مع بطء نجاح ثورته، لا يريد كثيرون نجاحها، مقترحين حلولا و"ترقيعات" تفاوضية لا يعلم سوى الله دوافعها وحيثياتها ومآلها. كل هذا يُساءل وُيخاطب شعور ولا شعور كل عربي الذي يريد أن يفهم ما يجري. . مصر ما بعد مبارك تداوي جروحها، تبحث من جديد على تلميع وترصيص هويتها، وتمتين وحدتها وتنظيف بيتها من الداخل ، والعمل على إيجاد الحلول لأزماتها والسعي إلى تصالح تناقضاتها. . تونس بعد رحيل زين العابدين تبحث عن نفسها في صبر وأناة، وكذلك مع انتقادات وتجادبات، تتذوق حلاوة ثورتها في جو من الحرية حيث التراضي يجب أن يحترس ويَحتِرز من مخاطر التناقضات والتحديات الناتجة عن العديد من الطلبات والتساؤلات، أجوبتها ليست سهلة الحلول ولا يمكن تطبيقها بسهولة في الزمان والمكان والآجال. . بديهي أن ردود الفعل ودبدبات هذا الربيع العربي تمكنت بدرجات مختلفة أن تصل إلى بلدنا المغرب. هذا الربيع الذي صار صيفًا حارًا في عديد من البلدان العربية حيث خرجت الملايين للتعبير عن مشاعرها، تطالب بحقوقها، تصرخ عاليا بما يتأجج ويشتعل في قلوبها وأفئدتها حيث الخطوط الحمراء كثيرا ما تجاوزت إن لم أقل أزيلت وطمست. . المغرب بدوره عرف خروج بعض فئات وطبقات المجتمع المغربي إلى الشارع عن قناعات متعددة أو عدوى ناتجة عن هذا الجو الخاص الذي تستنشق هواءَه شعوب العالم العربي حاليا. إذا كان مشروعا التعبير عن الرأي والكشف عن الأحاسيس والمناداة بأعلى صوت بالعدل والمساواة وحياة أفضل، وإذا كان طبيعيا أن تحصل في بعض الحالات بعض التجاوزات أثناء هذا النوع من المطالب من طرف من يطالبون ومن طرف من يسهرون على المحافظة على الأمن والأمان والنظام، يجب القول أن الحكمة المغربية هي الوحيدة التي انتصرت وتنتصر. صدى ورسائل عشرات الآلاف من المغاربة الذين نزلوا إلى الشارع إما شعوريا أولا شعوريا أو بالمحاكاة والعدوى أو اقتناع متجدر سُمع كمٌا ونوعًا. المجتمع المغربي يتطور ويتغير. المسئولون والذين عليهم واجب تأطير المواطنين (أحزاب، نقابات، جمعيات المجتمع المدني) وكل المغاربة هم أكثر فأكثر عند الاستماع. إنهم جميعا يلاحظون، يتأملون، يدركون، يحللون، يستنتجون ولِمَ لا يقترحون في تواصل ونقاش وإبداء آراء في أحسن الوسائل والسبل التي ترضي الجميع.
أليس الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة يوم 9 مارس 2011 يعد ثورة جديدة للملك والشعب؟ أليس الدستور التي أُقتِرح من طرف لجنة التي صاغت البنود آخذة بعين الاعتبار آراء ممثلي شرائح المجتمع المغربي، والذي نُوقش وحُلٌل ودُرس وصُفق له كثيرون وأنتقده آخرون خلال حملة إستفتائية وصُوت عليه بشبه الإجماع، يُمثل الوسيلة الأنسب لإنجاح هذه الثورة الجديدة الهادئة للملك والشعب في وضوح الرؤيا والكرامة والاحترام الذي يجمع الراعي والرعية؟
إن هذا النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا في جو نقي، صفي وشفاف. والحكمة المغربية تُمكِن ذلك. إنها سهلت وتسهل التواصل والحوار والتوصل إلى أمثن وأكبر توافق : المطالبة شيء مشروع، واستقرار الوطن واحترام المؤسسات هو كذلك. وعلى هذا النهج، المغرب هو في طريق سليم ومستقيم وقويم. . الحكمة بوجه عام هي إحدى أهم ركائز كل ديمقراطية، إذ تعطي لهذه الأخيرة إحدى أهم مميزاتها: الاختلاف الخلاق المؤدي إلى تقبل رأي الآخر وذلك من أجل التوافق البَناء، وهذه ضرورة سيكولوجية واجتماعية لإنجاح كل مشروع ديمقراطي سوي. . الحكمة هي إذًا "ترياق" وإحدى مضادات الفكرة الأُحادية الثابتة والغير القابلة للتحرك، والتفكير الوحيد الغير القابل للنقاش. إن هذا النوع من الفكر وما ينتج عنه من مزايدات يجمد الأفكار، يصلب السلوكيات والمواقف، قد ينتج عن كل هذا إنكار الآخر أو إبعاده أو تهميشه. . والحكمة هي كذلك خصلة حميدة لها قدرة كبيرة على حسن التبصر ووضوح البصيرة حاضرا ومستقبلا. لذلك، مكتسباتها الديمقراطية والاجتماعية يجب أن تحاط بمناعة وحصانة ضد مخاطر البطء في الانجاز والتنفيذ، والروتين واللامبالاة، وعدم الكفاءة وعدم الثقة وكذلك التصلب في السلوكيات والمواقف. . إن ايجابيات الثورة الجديدة للملك والشعب يجب أن يستفاد منها بأعلى درجة وأكثر قدر ممكن لمواجهة الخطر الحقيقي: الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها وسلبياتها على سيكولوجية الفرد وواقعه الاجتماعي المعاش وكذلك على وتيرة ودرجة مستوى النمو على المدى القصير والمتوسط والبعيد. لكي نربح هذه المعركة ضد هذا "الطاغوت" الحقيقي الذي يؤرق مضاجع العديد من البلدان، الإحساس بالمسؤولية، المصداقية، الجد، الكفاءة، الحكامة الجيدة، الالتزام والحزم، الصبر والمثابرة، كل هذا واجب على الجميع: حكام ومحكومين وممثلي المواطنين. مقال كتب يوم 20 غشت أستاذ الطب النفسي