محسن الندوي* الغريب في عالمنا العربي انه يتعارض تماما مع كل قوانين الطبيعة في البشر والأحداث والحياة، فكل المناطق والجهات تسعى الى التكتل والوحدة في العالم ، باستثناء العالم العربي الذي نجده مقسما بسبب مؤامرات الاستعمار منذ عام 1916 حيث شهد العالم العربي أكبر مؤامرات التقسيم في التاريخ الحديث في اتفاقية سايكس بيكو والتي قسمت ما بقي من الإمبراطورية العثمانية بين إنجلتراوفرنسا فكانت بداية مأساة الشعب الفلسطيني وقيام الدولة العبرية وتقسيم العالم العربي بكل كياناته الضخمة إلى دويلات صغيرة تناثرت هنا وهناك وحملت كل أمراض التشرذم السياسي والثقافي والعرقي... فقد كان التقسيم إذن، هدفا استعماريا في العالم العربي وبقي حتى الآن أخطر أسباب القلق وعدم الاستقرار في هذه المنطقة وكان السبب الرئيسي في ذلك كله أمران اثنان أولا ضرب الإسلام في عقر داره حتى لا تقوم قائمة لدولة إسلامية عظمى مرة أخرى تمتد من الأندلس إلى اندونيسيا ويكون العالم العربي هو نبضها ومركزها الحقيقي، ثانيا الطمع الاستعماري في ثروت الامة العربية الا وهو البترول ولهذا سعى الاستعمار دائما إلى تفتيت وتقسيم العالم العربي لأن ذلك هو الضمان الوحيد حتى لا يتحول العرب إلى قوة قادرة على مواجهة التحديات. ومازالت المؤامرة الغربية قائمة في تفتيت العالم العربي والاسلامي وابرز مثال على ذلك ، مؤامرة تقسيم السودان البلد العربي الإسلامي، فمنذ سنوات قليلة وضعت الحرب أوزارها في جنوب السودان وتم توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005 في كينيا بين الجيش الشعبي في الجنوب والحكومة السودانية كان من أهم وأخطر ما جاء في هذه الاتفاقية إجراء استفتاء شامل في جنوب السودان في 9 يناير 2011. ولكن هذه المرة لم تقف فرنسا وبريطانيا وراء التقسيم السوداني وانما امريكا هي من تقف وراء ذلك باتباع سياسة العصا والجزرة مع الرئيس عمر البشير ،فأمريكا تستخدم من جهة كل أساليب الإغراء مع الرئيس عمر البشير،بانها سوف ترفع العقوبات عن السودان وسوف تتجاهل حكم المحكمة الجنائية وسوف تقدم دعما ماليا للسودان.. وسوف تحذف اسم السودان من قائمة الدول المشجعة للإرهاب.. إغراءات كثيرة قدمتها واشنطن لحكومة الشمال حتى يتم الاستفتاء وتعلن أمريكا قيام دولة الجنوب المستقلة، ومن جهة أخرى إذا امتنع البشير عن الإذعان والاستسلام لأمريكا فان العقوبات تنتظره، فامريكا لا تود قيام دويلة في جنوب السودان حبا في اهلها ، وانما لاعتبارات متعددة ومختلفة منها : هناك منافس قوي لامريكا في جنوب السودان وهو الصين حيث تسيطر على جزء كبير من موارد البترول وتشارك في عدد كبير من مشروعات الطرق والمياه والمنشآت الإنتاجية. ثانيا امريكا تريد ان تضع يدها على البترول والخامات في الجنوب السوداني . ثالثا – خلق دويلة جديدة متموقعة في موقع استراتيجي في قلب القارة السوداء تدور حولها مجموعة من الدول بينها حسابات وخلافات كثيرة.. نحن أمام إثيوبيا وكينيا وأوغندا ووسط أفريقيا.. ولسنا بعيدين عن الصومال مما يجعل امريكا ان تضع قاعدتها العسكرية للتدخل في هذه الخلافات وكذا في منطقة اليمن .. . حلم إسرائيل بتفتيت العرب : مازالت أحلام "إسرائيل الكبرى" لم تتحقق حتى الآن وإن بقيت دستورا في أدبيات الكيان الصهيوني.. إن تقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة مازال حلما في أجندة الإدارة الأمريكية. منذ سنوات قليلة قدم باحث إسرائيلي يدعى عيديد يينون دراسة لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن مستقبل تقسيم العالم العربي مؤكدا ضرورة استغلال الانقسامات العربية لأنها تصب في مصلحة إسرائيل.. إن تفتيت العالم العربي يجب أن يكون هدفا إسرائيليا واضحا وصريحا وهناك عوامل كثيرة تساعد على ذلك. إن دول المغرب العربي تعاني انقسامات كثيرة بين العرب والبربر ولا توجد دولة عربية لا توجد فيها انقسامات دينية وعرقية وثقافية..هناك أغلبية عربية سنية إسلامية.. وأقليات أفريقية وأقليات مسيحية وهناك الأكراد في شمال العراق.. وفي دول الخليج أقليات شيعية نشطة في دول سنية.. وفي الأردن أغلبية فلسطينية وفي اليمن حرب أهلية وفي الصومال أيضا.. وفي لبنان أقليات شيعية وسنية ومسيحية ودروز.. وبجانب هذا فإن نمو تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي أدى إلى وجود تقسيمات أوسع وهناك تقسيمات متوقعة في دول مثل اليمن والعراق والسودان والمغرب والجزائر. ولم يكن غريبا أن بن غريون رئيس وزراء إسرائيل وضع خارطة تقسيم العراق في عام 1952 مستندا إلى نبوءات وأساطير يهودية قديمة على أساس قيام ثلاثة كيانات منفصلة ولعل هذا هو ما يجري الآن تحت راية الاحتلال الأمريكي ومؤامرات الكيان الصهوني.. *باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية