إيديولوجية الانفصال.. الورم السرطاني الذي يهدد الجسد العربي منذ مخطط «سايكس-بيكو» وإلى حدود مخطط «الشرق الأوسط الكبير»، عاش العالم العربي، بمشرقه ومغربه، على إيقاع التقسيم والتمزيق إلى دويلات/قبائل، خدمة للمصالح الغربية التي تعمل بمقولة (فرق تسد). فبعد أن حكم العرب/المسلمون جغرافية تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأوربا، أصبحوا الآن يعيشون في جغرافية أصبحت تضيق كل يوم أكثر، نتيجة المؤامرات الغربية، وكذلك نتيجة الضعف والتراجع العربي المتزايد الذي يشجع هذه المؤامرات ويوفر لها الظروف المواتية لتحقيق النجاح. وفي هذا الإطار، تحضر إيديولوجية الانفصال التي أصبحت سرطانا ينخر الجسد العربي، حيث تحولت الإثنيات والمذاهب والأعراق المشكلة للعالم العربي إلى مشاريع دويلات أنابيب مشوهة الخلقة، تخدم الأجندة الغربية في العالم العربي. فكلما فكر الغرب في تمزيق دولة عربية إلا وزرع فيها بذور الانفصال، عبر استغلال التعدد الإثني والعرقي والمذهبي الذي يميز العالم العربي، وذلك عبر تحويل هذا التعدد إلى صراعات وحروب طائفية تأتي على الأخضر واليابس وتكون سببا في تمزيق الدولة الواحدة القوية إلى دويلات، لا يمكنها أن تحيا وتستمر إلا عبر الدعم الغربي الذي له مقابل باهظ الثمن طبعا، يكون على حساب السيادة الوطنية. وإذا قمنا بإطلالة خاطفة على جغرافية العالم العربي من المشرق إلى المغرب، فإننا نجد جميع الأقطار العربية تقريبا مهددة بالانفصال، إما لاعتبارات إثنية وعرقية أو لاعتبارات دينية ومذهبية... وكلها اعتبارات، بدل أن تكون ثراء، تتحول إلى قنابل موقوتة تهدد ببلقنة العالم العربي وتحويله إلى دويلات وقبائل متناحرة، تخدم المصالح الغربية، طلبا للحماية. إننا نعيش اليوم، بحسرة كبيرة، على إيقاع التقسيم الذي يتعرض له السودان الشقيق، بدعم أمريكي-أوربي-صهيوني. وفي نفس الآن، خرج علينا أكراد العراق أخيرا ملوحين بخيار الانفصال. أما جمهورية مصر العربية، التي كنا نتباهى كعرب بوحدتها، فإن فيروس الانفصال بدأ يخترق جسدها من خلال الضجة الإعلامية التي أصبح يثيرها المسيحيون الأقباط، مستغلين الدعم الغربي المتزايد لأطروحتهم، التي أخذت تعلن عن نفسها بشكل متزايد. أما لبنان فيشكل نموذجا للبلقنة والتقسيم، فهو يعيش لعقود على صفيح ساخن، وهو مستعد في كل يوم للتحول إلى دويلات تخدم المحاور الدولية والإقليمية المتصارعة. وفي المغرب العربي، أصبحنا نعيش على واقع جديد، من خلال التدخل الغربي لدعم الأطروحة الانفصالية الأمازيغية في الجزائر، والتي تبلورت أخيرا على شكل حكومة صورية، أعلن عنها في فرنسا. أما المملكة المغربية فتعاني من أطروحة الانفصال المدعومة دوليا وإقليميا منذ 1975، حيث جسدت جبهة البوليساريو الانفصالية، وبشكل جيد، الدعوات الاستعمارية الداعمة لتقسيم المغرب، لإحكام السيطرة عليه، وعرقلة تقدمه وازدهاره... ولعل القائمة تطول لتعم جميع أقطار العالم العربي التي أصبحت مهددة بالتقسيم إلى دويلات طوائف، تهدد العالم العربي بالانفجار والبلقنة على المدى القريب بله البعيد. إننا هنا لا نتباكى على ما يجري في عالمنا العربي، بل لا بد من محاولة فهم هذا الذي يجري لتفادي الآثار المدمرة التي يمكن أن تهدد وجودنا في أية لحظة، وذلك من خلال إثارة الانتباه إلى خطورة الموقف العربي الراهن، خصوصا في ظل المحاور العربية المتصارعة، والتي تلعب بالنار، حينما تستثمر في دعم التقسيم والانفصال خدمة لأجندة سياسوية ضيقة، هي في صالح القوى الاستعمارية بالدرجة الأولى. ولعل أهم ما يجب أن نثير إليه انتباه الشعوب والحكومات العربية هو أن إيديولوجية الانفصال الخطيرة، التي أصبح يسوقها الغرب في بلداننا باعتبارها موضة العصر، تعتبر البوابة الجديدة التي تعتمدها النيوكولونيالية، لفرض السيطرة على العالم العربي، وذلك بهدف استنزاف ثرواته الطبيعية التي يعتبرها الغرب المحرك الأساسي لثورته الصناعية. لذلك، فإن الواجب يفرض علينا أن نظل على تمام الوعي بالمخططات الاستعمارية التي تسعى إلى تحويلنا إلى طوائف وإثنيات ومذاهب متصارعة، يغتنم كل مكون منها الفرصة لإعلان انفصال عبثي، لا يخدمه كما لا يخدم وطنه الأم، بل على العكس من ذلك يكرس الهيمنة الغربية، ويفتح المجال لسياسة الابتزاز التي يتقنها الغرب في التعامل معنا. مخطط الشرق الأوسط الكبير.. المشاريع الانفصالية القادمة راج الحديث بإسهاب منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 عن منطقة الشرق الأوسط التي تم التخطيط لها باعتبارها امتدادا مستقبليا للمحور الأمريكي-الإسرائيلي. وتحقيقا لهذا الرهان، تم شن حرب مدمرة على العراق، باعتباره الدولة المارقة في المنطقة. وتؤكد الأحداث المتوالية على المنطقة أن العراق كان ضحية لهذه السياسة الاستعمارية الجديدة. ومن خلال احتلال العراق، تم تدشين المرحلة الأولى من الأجندة الأمريكية-الإسرائيلية، في منطقة الشرق الأوسط. لقد تم الترويج منذ البداية، من طرف صناع القرار الأمريكي-الصهيوني، لمفهوم يحمل أبعادا استراتيجية خطيرة على المنطقة، إنه مفهوم الشرق الأوسط الكبير، وهو مفهوم أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) على منطقة واسعة تضم جميع دول العالم العربي، بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل وإيران وأفغانستان وباكستان. وقد تم الإعلان عن هذا المشروع خلال قمة الدول الثماني في مارس 2004. ومن خلال هذا المشروع، تم التأكيد من طرف صناع القرار الأمريكي، من المحافظين الجدد، على ضرورة إحداث التغيير في المنطقة، وذلك عبر تغيير استراتيجية الحفاظ على الوضع القائم التي كانت معتمدة سابقا، بعد أن بات هذا التغيير، وفق الرؤى الأمريكية، ضرورة ملحة لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية. وبدعوى الحرب على الإرهاب، تحاول الإدارة الأمريكية بسط السيطرة على النظام الدولي وقراراته. لقد كان واضحا منذ البداية أن المحافظين الجدد، بتحالفهم مع الصهيونية، يسعون إلى تحقيق مصالحهم المشتركة والمتمثلة في السيطرة على ثروات المنطقة، ولن يتم ذلك إلا عبر رسم خطط جديدة تقوم على مواجهة كل أنواع المقاومة -سواء تجسدت في جماعات أو دول- وفي المقابل محاولة تدجين أنظمة وشعوب المنطقة كي تستجيب للنزوات الأمريكية-الصهيونية. يتبع...