مقدمة : ان تدخل الادارة الجماعية وموظفيها فضلا عن السلطة المحلية واعوانها بموجب ما يصدر عنها من قرارات تتعلق بالبناء والتعمير كثير ما يمس بحريات وحقوق الافراد المقدسة بالدستور ، وذلك لما تملكه الادارة من وسائل القهر لذا قيد المشرع هذه السلطة بقيود قانونية نابعة من المبادئ الدستورية والمبادئ العامة للقانون وحقوق العدالة والانصاف .. فجميع القرارات المتعلقة بالبناء والتعمير وسواء صدرت عن رئيس المجلس او القائد او الباشا او العامل هي خاضعة لمراقبة مدى مشروعيتها من طرف المحكمة الادارية ( قاضي الالغاء الاداري ) لذا من حق المواطن اللجوء الى العدالة كلما لاحظ تعسفا اوإنحرافا او شططا او تجاوزا للسلطة كما يتعين ايضا ان تصدر هذه القرارات المتعلقة بالبناء والتعمير عن الجهة المختصة وفي الشكل الذي يتطلبه القانون ، في اطار المشروعية وبناء على اسباب تبرر صدورها بعد روية وتأني ويجب على الادارة ان تستهدف من وراء اصدارها لقراراتها تحقيق الغاية التي من اجلها منحت الاختصاص بذلك الاصدار اولا : ضبط المخالفات وتحريك المتابعة بشأنها : حيث تبعا للمادة 60 من قانون التعمير الحالي او من المشروع الجديد للتعمير ذلك ان هذه المادة هي التي تحدد الضوابط العامة للبناء والتي يكون الباني ملزما بها او بالتقيد بها واما المواد 64 وما يليها فتتعلق بكيفيات ضبط المخالفات المتعلقة بالتعمير والجهة الموكول لها بذلك . وحيث باستقراء المادة 64 المذكورة يتضح انها قد عرفت تغييرا جذريا في ظل المشروع فبعد ما كان امر معاينة المخالفات بمقتضى هذه المادة في قانون التعمير الحالي يعود لضباط الشرطة القضائية فقط ( القواد والباشوات ) ولموظفي الجماعات المحلية وموظفي ادارة التعمير المكلفين بذلك وكذا الى موظفي ادارة التعمير المعتمدين من طرف الوزير وكل خبير او مهندس مكلف من طرف رئيس مجلس الجماعة او ادارة التعمير فان المادة المذكورة من المشروع اشارت بشكل واضح الى ان مراقبة التقيد باحكامه وضوابط البناء والتعمير تكون بمبادرة من العامل او بطلب من رئيس المجلس او مدير وكالة التعمير او عند الاقتضاء السلطة الحكومية المختصة ( ومن هي ياترى هذه السلطة الحكومية المختصة التي لم يحددها القاموس ؟ ) . كما ان المادة 64 حصرت مهمة معاينة المخالفات فقط في ظباط الشرطة القضائية( القواد والباشوات ) والمأمورون المكلفون بهذه المهمة من قبل العامل وهو ما يشكل تقويضا لدور الجماعات المحلية في هذا الاطار والذي يبقى منحصرا في تقديم طلب امام هاتين الجهتين لضبط المخالفات ( مهمة رئيس المجلس البلدي واعوانه تنحصر وتتحدد في الاخبار والتبليغ ) وقد يتساءل سائل لماذا ؟ كله هذا التقويض ! والجواب اعتقد انه هو تأثير الاغراض الانتخابية على الممارسة القانونية المسؤولة لرئيس مجلس الجماعة والذي يكون كريما اكثر من جميع سكان الكرة الارضية حين يفصله عن انتهاء ولايته ورغبته في اعادة ترشيحه شهرا او شهرين الشئ الذي يفسر الى حد ما تفاقم مخالفات قانون التعمير ومعها انتشار البناء العشوائي وسوء استعمال المجال . وتنص المادة 65 من المشروع الى ان ضباط الشرطة القضائية(القائد و الباشا) والمأمورون المكلفون من طرف العامل يقومون بتحرير محاضر المخالفات ويوجهونها في اقرب الآجال الى العامل ورئيس المجلس الجماعي والمخالف . غير ان السؤال المطروح هو ما معنى كلمة محضر ؟ والجواب هو التالي : المحضر في القانون هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية اثناء ممارسة مهامه ويضمن هذا الضابط ( القائد او الباشا وليس الخليفة ) ما عاينه وما تلقاه من تصريحات او ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه . اما المحاضر التي يحررها خليفة القائد او خليفة الباشا في مجال البناء والتعمير رفقة اعوان السلطة فهي باطلة ولا سند لها في القانون واي قرار بناه مسؤول ما على مثل هذه المحاضر سيكون مآله الابطال والالغاء ثم المطالبة القضائية كذلك بما يحق لان مهمة الخليفة والذي يعتبر في قانون المسطرة الجنائية عونا ليس الا هي جمع الاخبار ونقلها الى رئيسه واخباره بكل ما عاينه فقط اما وان يحرر محضرا في المخالفات فان هذا الاجراء يعتبر عديم الاساس وباطلا طبقا للقانون كما يعتبر كذلك جريمة عقوبتها الحبس والغرامة وفقا للفصلين 380 و 381 من الجنائي المغربي . وعودة لنفس المادة 65 اعلاه من المشروع فانها تشير كذلك الى انه اذا تعلق الامر باشغال لازالت في طور الانجاز فان العامل بعد تسلمه لمحضر المخالفة يوجه امرا بايقاف الاشغال الى المخالف . واما في ما يخص تحريك المتابعة بشأن مخالفات التعمير وبمقتضى المادة 66 من القانون الحالي فان امر تحريكها ضد المخالف من اختصاص رئيس المجلس الجماعي الذي يقوم باحاطة الوالي او العامل بذلك الاان نفس المادة من المشروع قلبت الآية اذ اصبح امر تحريك المتابعة حكرا على العامل وتتم احاطة رئيس المجلس علما بذلك عبر قيامه بايداع شكوى لدى وكيل الملك المختص ليتولى متابعة المخالفين . ثانيا : من اخطاء السلطة المحلية في ضبط ومراقبة العمران . كثيرا ما تعمد السلطة المحلية بواسطة أمخازنيتها وخليفتها ومقدميها بعد معاينة المخالفة دائما الى حجز مواد البناء وأدواته لأجل فرض توقيف الاشغال وهذا اجراء غير قانوني يرتب المسؤولية الادارية وكذا الجنائية على من قام به أو امر به إذا ما إقترن هذا الاجراء بالعنف والقوة لانه اجراء غير قانوني يرتب المسؤولية الادارية على من قام به لانه غير وارد اطلاقا في جميع القوانين المتناثرة والمتضاربة والمتناقضة ووو... المتعلقة بالتعمير لذا يحق لكل متضرر من هذا الاجراء الحق في استرجاع ما إنتزع منه بغير حق أمام القضاء والمطالبة بالتعويض عن ذلك لأن المبدأ في وطننا (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) والقانون المغربي يفتقر الى هكذا نص على خلاف القانون المصري في الموضوع والذي نص صراحة في الفقرة 2 من المادة 15 من القانون رقم 106 لسنة 1976 على ما يلي: (يكون للجهة الادارية اتخاذ ما تراه مناسبا ... كما يكون لها التحفظ على الادوات والمهمات المستخدمة في ارتكاب المخالفة ...) ثالثا: رقابة القاضي على مشروعية قرارات رجال السلطة في البناء والتعمير. أ)- التدخل المباشر للسلطة الادارية بوقف الاشغال: لقد أوكل المشرع الى كل من الادارة المحلية والسلطة المحلية صلاحيات واسعة في ميدان الزجر التعميري غير أنه قيد هذه الصلاحيات بمجموعة من القيود كما أنه منح للأفراد حق الرجوع الى القضاء للطعن في قرارات المجالس والقيادات والباشويات والعمالات اذا ما اتسمت بتجاوز السلطة فقرار ايقاف الاشغال قد يصدر تارة عن رئيس المجلس الجماعي وتارة أخرى عن عامل العمالة أو الاقليم أو الوالي فقرار المجلس الجماعي والحال ما ذكر يصدر بمناسبة الوقوف على بناء أقيم بدون رخصة أو عند عدم احترام مقتضيات الرخصة عملا بمقتضيات المادة 67 من القانون رقم 25/90 والتي تنص على : (توقف بأمر صادر من عامل العمالة أو الاقليم المعني إما تلقائيا و إما بطلب من رئيس الجماعة الحضرية أو القروية وفي كلتا الحالتين فإن القرار القاضي بوقف الاشغال هو قرار إداري يخضع للطعن فيه بالالغاء أمام القضاء متى ما كان مشوبا بأحد عيوب المشروعية . وحيث لئن كان الامر بإيقاف أشغال البناء قبل تمامه عملا ردعيا ووقائيا في آن واحد فإنه في بعض الاحيان يكون هذا الامر غير مشروع خاصة عندما يكون المعني بالامر قد حصل على رخصة البناء ومن الامثلة على ذلك حكم المحكمة الادارية بوجدة ضد عامل إقليمالناظور والذي قضى في الدعوى التي رفعها المدعو( أحمد لقويري من بلدية العروي) بإلغاء قرار عامل الناظور القاضي بإيقاف الاشغال لكونه مشوبا بتجاوز السلطة كون عامل الناظور اعتمد في قراره لايقاف الاشغال على نزاع ادري حول الارض التي كان ينجز عليه البناء. ب)- الطعن في قرارات الهدم امام المحكمة الادارية : اذا كان قرار الهدم يعد بمثابة اجراء يصدر في اطار الضبط الاداري فإن هذا القرار يجب ان يكون مطابقا للقانون وخاصة لشكليات المادة 68 من قانون التعمير: 1)- حالة عدم امتثال المخالف لامر رئيس المجلس الجماعي القاضي بإنهاء المخالفة. 2)- وحالة ما اذا كانت الافعال المرتكبة تشكل اخلالا خطيرا بضوابط البناء والتعمير وتتمثل في البناء دون ترخيص أو البناء في منطقة ممنوعة البناء ولو حصل المخالف على رخصة مسبقة أو القيام ببناء غير مطابق للرخصة المسلمة بشأنه وتنطلق اجراءات المادة 68 بناء على طلب من رئيس المجلس الجماعي الى العامل أو الوالي أو تلقائيا من طرف هذا الاخير بعد توصله بمحضر معاينة المخالفة الذي توجه نسخة منه اليه وجوبا. وفي جميع الحالات فإن العامل هو الذي أو هو المختص بإصدار قرار الهدم وحده الذي يتم تنفيذه من طرف المخالف داخل الاجل المضروب أو من طرف السلطة المحلية بمساعدة القوة العمومية عند الاقتضاء وذلك على نفقة المخالف وفي هذا الشأن عرضت نازلة على المحكمة الادارية بالرباط فقضت بإلغاء قرار والي الرباط وسلا بهدم البناء المخالف للقانون وذلك لعدة اسباب أو لها أن العامل المذكور إعتمد محضرا محررا من قبل عون وليس من قبل ضابط شرطة وثانيهما لم يتم توجيه هذا المحضر حيث يجب وثالثهما لكون تدخل العامل أو الوالي المباشر لا يكون إلا في حالات مخالفات خطيرة للبناء عكس ما كان عليه الحال في تلك النازلة حيث تعلق الأمر فقط ببناء غرفة دون ترخيص بفناء العمارة وهو عمل لا يرقى للمخالفات الخطيرة المنصوص عليها في القانون مما جعل قرار العامل مشوبا بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون وكان مآله التصريح بإلغائه من طرف المحكمة الادارية . أخيرا تجدر الاشارة الى أن المنازعات المشار إليها أعلاه جد ضئيلة بإقليمنا السعيد (الناظور) بالنظر الى المشاكل القائمة في ميدان التعمير من الناحية الواقعية وهذا راجع بكل تأكيد وبالاساس الى عدم وعي المواطنين بأهمية اللجوء الى القضاء لتثبيت قواعد المشروعية وإشمئزازهم بسبب التخلف والجهل من مواجهة الادارة مما يجعلهم يسلكون ويميلون إلى طريق الذل والدنائة والتوجه الى الاعيان للتوسط لهم عند رجال المخزن أو اللجوء الى طرقهم الخاصة والمفضلة لقضاء مصالحهم ولو على حساب خرق القانون (الرشوة).