خلال فصل الصيف تكثر العطل وتقفل أبواب المدارس والكليات والمحاكم والعديد من الشركات والمقاولات كما يأخذ العديد من الموظفين والمستخدمين عطلهم السنوية وتكثر بذلك الأسفار السياحية لزيارة الأقارب والأصدقاء والذهاب في رحلات إلى مدن وقرى ووجهات سياحية. الانعكاسات الايجابية للسياحة حسب المنظمة العالمية للسياحة فإن هذه الأسفار ونفقات السياح خلالها لحاجات الإقامة في الفنادق والتغذية والشرب والنقل والترفيه والتبضع تمثل إحدى دعائم اقتصادات العديد من الوجهات السياحية وتسفر عن إحداث مناصب التشغيل ، فخلال سنة 2018 مثلا زاد عدد السياح ليصل إلى 1.4 مليار وعائدات السياحة إلى 1.7 تريليون دولار أمريكي، وأنه للسنة السابعة على التوالي ، نمت صادرات السياحة بشكل أسرع عن صادرات البضائع مما قلل من العجز التجاري في العديد من البلدان[1]. تجدر الإشارة إلى أن انعكاسات النشاط السياحي تستفيد منها أيضا قطاعات أخرى لها علاقة بالسياحة كالنقل والصناعة التقليدية والغذائية وتوزيع البضائع الخ. لذلك تحولت السياحة إلى أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ببلادنا تعتبر السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فحسب المصادر الرسمية فهذا القطاع هو المصدر الثاني لجلب العملة الصعبة (بلغت 78.65 مليار درهم سنة 2019 ) ويساهم بحوالي 8 في المائة من الناتج الخام الداخلي ويزود خزينة الدولة والجماعات المحلية بقدر مهم من الضرائب بفعل النشاط السياحي ، ويحدث مئات الالاف من مناصب التشغيل في المؤسسات والمقاولات السياحية وأخرى بالقطاعات المرتبطة به كالبناء والمواصلات والصناعة التقليدية الخ.[2] لا يقتصر الأمر على نشاط السياح الأجانب فالسياحة الداخلية لا يقل شأنها عن السياحة الدولية بسبب أهمية عدد المسافرين داخل بلادهم ورحلاتهم الترفيهية وأهمية ما ينفقونه خلال أسفارهم تستفيد منه خصوصا الساكنة المحلية للوجهات السياحية [3] ، وحسب هذه المنظمة العالمية للسياحة أيضا فإن الذين يسافرون داخل أوطانهم (السياحة الداخلية ) يقدر عدهم ما بين 5 و 6 مليار سائح[4] وأغلبهم يسافرون للترفيه عن أنفسهم ( كما هو الحال ببلادنا ) ويقصدون الشواطئ ثم الأماكن السياحية الأخرى الطبيعية والثقافية .[5] تداعيات النشاط السياحي إن هذا لا يعني أن النشاط السياحي ليس له أضرار وتداعيات تهم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وهذا يفرض العمل بسياسة سياحية مستدامة تكفل الاستفادة من الانعكاسات الايجابية للسياحة واستدامة نشاطها . ان زيادة عدد السياح وأنشطتهم وتمركزهم بالعديد من الوجهات السياحية خلال فصل الصيف وأيام العطل يسفر عن تداعيات مهمة على مستوى العديد من المجالات تعاني منها خصوصا ساكنة هذه الوجهات ، ونظرا لأهمية تداعيات النشاط السياحي انعقد خلال سنة 1995 المؤتمر العالمي للسياحة المستدامة وأكد الحاضرون خلاله على أهمية السياحة ورأوا أنها عامل من عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسهم في رفاهية وازدهار سكان الوجهات السياحية ، ولكنهم ذهبوا أيضا إلى أن السياحة ( خصوصا الجماهرية ) لها آثارًا سلبية يجب أخذها بعين الاعتبار في أي سياسة أو استراتيجية سياحية حتى يكون النشاط السياحي محتملا على المدى الطويل خصوصا على المستوى الإيكولوجي ، وأن يكون النشاط السياحي أيضا قابلا للحياة على المستوى الاقتصادي وعادلا وأخلاقيا واجتماعيا للسكان المحليين ؛ هذه الآثار السلبية للنشاط السياحي تناولتها أيضا العديد من اللقاءات الدولية الأخرى وأبحاث ودراسات ، وجاء ذلك أيضا في بعض الكتب ببلادنا حول تداعيات القطاع السياحي قبل سنة 2000 وما بعدها [6]. السياحة المستدامة تجدر الإشارة إلى أنه خلال سنة 1980 ظهر مصطلح تنمية السياحة المستدامة ، وكان يجب انتظار سنة 1993 لتقوم المنظمة العالمية للسياحة بنشر دليل حول السياحة المستدامة [7]. وكان أول ميثاق بخصوص السياحة المستدامة خلال ملتقى عقدته المنظمة العالمية للسياحة ومنظمة اليونسكو واللجنة الأوربية خلال تلك السنة، ثم تحديثه خلال سنة 2004 ؛ ويعتبر هذا الميثاق القاعدة الأساسية لتعريف السياحة المستدامة [8]. وجاء في هذا التعريف أن عوامل تنمية السياحة المستدامة وممارسات التدبير السياحي تشمل كل أنواع الخدمات السياحية حتى الجماهيرية منها وفي كل الوجهات ، وتشمل مبادئ الاستدامة السياحية الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ. وحسب المنظمة العالمية للسياحة فإن التنمية السياحية المستدامة عليها أن تراعي: + احترام الأصالة السوسيو/ثقافية للوجهات ، والحفاظ على الموروثات الثقافية الحالية وقيمها ، الأصيلة ، والمساهمة في عمليات التفاهم والتسامح الثقافي الدولي، + استغلال، بطريقة رشيدة، الموارد البيئية التي تعتبر حجر الزاوية للتنمية السياحية، + الحفاظ على العمليات الإيكولوجية عن طريق تشجيع الحفاظ على الموارد الطبيعية، + ضمان نشاط اقتصادي قابل للحياة على المدى البعيد، ومنح الجهات المعنية المنافع الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع عادل في مجال الوظائف المستقرة، وجني الأرباح والخدمات الاجتماعية لساكنة الوجهات السياحية بهدف التغلب على الفقر [9]. يمكن القول أن تشجيع النشاط السياحي يشبه إلى حد ما مجال الصناعات ، ذلك أن السياحة تتطلب "استغلال " المواد الخام (الطبيعية والثقافية وما إلى ذلك) وتتطلب أيضًا مكونات وخدمات قطاعات أخرى مثل الأشغال العامة (الموانئ والمطارات والطرق) والبناء (الفنادق والمطاعم والمرافق الترفيهية والرياضية) ، ومرفق النقل (سيارات الأجرة ، والحافلات ، والطائرات ) وخدمات الاتصالات (الهواتف والإنترنت) ومهنيين تنفيذيين متخصصين (طهاة ، مرشدون ، إلخ). واستنادا إلى مبادئ السياحة المستدامة يجب الاستفادة المثلى من الموارد البيئية والحفاظ على العمليات البيئية والموارد الطبيعية ، واحترام الأصالة الاجتماعية والثقافية للساكنة المحلية و ضمان نشاطها الاقتصادي والاجتماعي . إن العمل بسياسة السياحة المستدامة يجب أن يحدد أنواع الأسفار وحاجات السياح الوافدين المستهلكين للخدمات السياحية ، وأن تقابلها برامج إنتاجية ( الخدمات السياحية والبنيات التحتية والبيئية والثقافية ) ، ومراعاة حاجات السكان الذين يعيشون أو يعملون أو يقيمون في الوجهات السياحية في برامج هذه التنمية السياحية المستدامة . وجهة تطوان كنموذج تجلب وجهة تطوان خلال فصل الصيف نسبة مهمة من السياح المغاربة بفصل مناخها الأقل حرارة عن باقي المدن الداخلية للبلاد وبفضل موقعها الطبيعية وتحتضن شرقا وغربا وجهات شاطئية مهمة كمرتيل والرأس الأسود والمضيق وسمير ورستنكة والنيكرو والفنيدق غربا وأزلا وأمسا وواد لو والجبهة الخ. وخلال شهري يوليوز وغشت خصوصا تعرف المدينة وأماكنها الشاطئية إقبالا من هؤلاء السياح والزائرين تكتظ بهم مختلف الأماكن وساحاتها وفضاءاتها وحتى أن الكثير منهم لا يعثر الكثير منهم على أماكن للإقامة بالفنادق والدور المفروشة ؛ هذا الواقع تستفيد منه ، كما هي العادة ، أصحاب الدور المفروشة والمقاهي والمطاعم والأسواق والتجار وكثير من المهنيين ، ويمثل ذلك بالنسبة للكثير فرصة مهمة لجني الأرباح والاستعانة بها عند انتهاء الموسم السياحي . مقابل ذلك فإن أغلبية الساكنة المحلية لهذه الأماكن تعاني خلال فصل الصيف بسبب الازدحام الذي تعرفه طرق ووسائل المواصلات فإذا أراد أحدهم الذهاب من المضيق إلى تطوان قبل مغرب الشمس أو بعدها فعليه أن يتنظر وقتا طويلا ليقطع مسافة 20 دقيقة في الأيام العادية إلى ساعة أو أكثر خلال فصل الصيف لأنه لا يوجد إلا منفذ شارع الجيش الملكي ليصل إلى تطوان ، وكذلك الحال عند الرجوع إلى المضيق . هذا المثل ينطق تماما على ساكنة مرتيل أو الفنيدق وغيرهما والسبب هو عبور آلاف السيارات طريقا واحدا يمر العديد من الأحياء السكنية ، أما إذا أراد سائق سيارة أن ينزل منها فإنه يقضي نصف ساعة أو أكثر ليجد مكانا يترك سيارته بها . من جملة معاناة الساكنة المحلية لهذه الأماكن هو الاكتظاظ في الأسواق وغلاء أثمان البضائع بصفة عامة وصعوبة العثور على مقعد في مطعم أو مقهى قرب الشاطئ وكذلك من تنظيم السهرات والحفلات تظل إلى الساعات المتأخرة من الليل ، وتكون المعاناة أيضا حتى بعد انتهاء موسم الصيف حيث يتم قطع تيارات الماء عن السكان خلال فترات اليوم وانتظار ملء موسم الأمطار لملء مجمعات المياه .
نقرأ في رؤية 2020 السياحية أن من أهداف السياسة السياحية ببلادنا أن يتحول المغرب سنة 2020 إلى إحدى الوجهات السياحية العالمية العشرين ويفرض نفسه كوجهة سياحية مرجعية على مستوى التنمية المستدامة في حوض المتوسط وذلك بفضل نموذج سياحي فريد يوفق بين نمو تصاعدي مدعوم وتدبير مسئول للمحيط البيئي، ومراعاة لأصالتنا الاجتماعية والثقافية ….فهل أمكن حقا العمل بسياسة سياحية مستدامة ؟ . يتبع [email protected]
[1] OMT Faits saillants 2019 OMT [2] السياحة وجائحة كورونا https://tetouanplus.com/70035.htm l [3] السياحة الداخلية بالمغرب ومعوقاتها التنموية الثقافةhttps://tetouanplus.com/72365.html السياحة الداخلية : سوق ظرفية ومحرك تنموي معطلhttps://tetouanplus.com/72139.html [4] OMT Faits Saillants du Tourisme . Edition 2015 [5] السياحة قبل أيام كورنا وخلالها وبعدها tetouanplus.com/71554.html [6] كتاب : " التنمية السياحية بالمغرب: واقع وأبعاد ورهانات" إسماعيل عمران 2004 * التنمية السياحية بالمغرب تطلعات وتحديات ومفارقات . إسماعيل عمران 2009 * السياسة السياحية بالمغرب إشكاليات وتداعيات وبدائل. إسماعيل عمران 2018 [7]Le tourisme et développement inéluctable évolution www.tourisme-solidaire.org/ressource/ [8]http://elalaoui.free.fr/annexeII.html