أشرنا في مقال سابق " تطوان: مؤهلاتها وشواطئها السياحية " [1] إلى أهمية المؤهلات السياحية لتطوان وما حولها تجاهلته الحكومات في سياستها السياحية ، وتبين لنا كيف أنه لم يتم استغلال موقعها (على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط ) وقربها من الدول السياحية شمال ضفة البحر وذلك بسبب عدم ربطها مباشرة جوا وبحرا بهذه الدول أهم الدل السياحية العالمية . وأشرنا إلى تجاهل أهمية المناطق الخلفية للمدينة تحتضن مؤهلات كبيرة لإنعاش السياحة الخضراء بفضل مناخها المنعش وجبالها وتلالها مصادر عيون المياه وغابات واحتضانها لقرى ومناطق خضراء ، وتهميش هذه المعطيات بسبب عدم توفير البنيات التحتية للسياحة الإيكولوجية وباحات وأماكن استقبال وإيواء السياح . وذكرنا بأهمية الشواهد والمعالم الحضارية والثقافية للمدينة كتراث عالمي وأنها لم تستفد من هذا الموروث الثقافي والحضاري لعدم إدماجها ضمن الجولة السياحية للمدن العتيقة بالمغرب . وذكرنا بأن الاستعمار الإسباني رحل وتارك وراءه ما يخلفه المستعمرون عادة من سلوكيات التغريب والتجهيل والتفريق ، وذكرنا بفرحة الاستقلال وكيف استقبلت تطوان عن بكرة أبيها الملك الراحل محمد الخامس وكأن الفجر قد انبلج ولاحت في الأفق مظاهر الحرية وأمل التنمية والخروج من التخلف وأنه كان على المسؤولين أن يعملوا على استغلال الموارد الطبيعية والمادية والبشرية لإخراج البلاد من أزمات الفقر والجهل والمرض . كان التوافق بين أعضاء الحركة صعبا منذ البداية بسبب احتدم الصراع على السلطة ومناهج التنمية ، ونتج عن ذلك صدامات عنيفة بين أحزاب ومكونات الحركة الوطنية من جهة ، وبين هذه الأخيرة والقصر من جهة ثانية [2]، وكان لذلك تداعيات على الحياة السياسية والخيارات التنموية للبلاد ، وأسفرت ، حسب البعض ، عن تشتيت جهود السياسيين وعدم تركيزهم على المشاكل الآنية للمواطنين لمواجهة آفات التخلف وتخطي تحديات التنمية [3]. وحسم القصر هذا الصراع وأنزل الملك الراحل دستور 1962 يقضي بتجميع السلطات المدنية والعسكرية والدينية وغيرها بيد الملك وأسفر ذلك عن تنزيل مخططات وبرامج تنموية ومعارضة الأحزاب الوطنية الرئيسية لها. الرهان على السياحة لم تحقق البرامج التنمية بعد الاستقلال أهدافها ولا مخطط1960/1964 بعد ذلك وساءت أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية فجاء تنزيل مخطط 1965/1967 وأعطى الأولوية لقطاع السياحة للنهوض بالبلاد كما فعلت ذلك إسبانيا وإيطاليا ودول أخرى قريبة ، وأعلنت السلطة الوصية أنه منذ مخطط 1967/1965 لم يطرأ على السياسة السياحة أي تغيير مهم وإلى غاية المخطط التقويمي 1980/1978 حيث بدأ تقليص الدعم للقطاع السياحي والعمل بسياسة التقشف وهيكلة مالية الدولة ثم التوقف عن العمل بالمخططات التنموية وسياسة خصخصة مؤسسات الدولة وتفويتها إلى القطاع الخاص ابتداء من سنة 1990 حكاية السياحة بالشواطئ التطوانية . تضمن المخطط الثلاثي السياحي اختيار مناطق ذات الأسبقية لتجهيزها قبل غيرها Zones à Aménager en Priorité لتكون رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واختيرت أقاليم الحسيمةوتطوان وطنجة شمالا وأكدير غربا لاحتضان محطات شاطئية وتكون امتدادا ومنافسة لمحطات شواطئ أوربية قريبة . وهكذا وبموجب هذا المخطط السياحي تم تفويت مئات الهكتارات بشواطئ الرأس الأسود والمضيق وسمير ورستنكة لفائدة مؤسسات شبه عمومية بموجب قانون نزع ملكيات الأراضي من أصحابها بدعوى المصلحة العامة للبلاد ، وكان على هذه المؤسسات إعداد هذه الأراضي وإحداث المنشآت السياحية بها وجلب المستثمرين الخواص والسياح الأجانب ، أما شواطئ مرتيل وأزلا وواد لو والسطيحات فلن تستقبل أية مشاريع . يرى أحد المكاتب الدراسية أن تقسيم الشواطئ بتطوان بهذا الشكل أسفر عن تكوين منطقتين : + إحداهما راقية ( لفائدة شريحة ميسورة وأجانب) تضم مؤسسات (لا تخضع للحق العام ) السياحة الفاخرة Tourisme de haute de gamme حيث المياه الزرقاء الصافية والأمواج الهادئة والأشجار المورقة والحدائق الزاهية ومسالك الكولف الخضراء وملاعب التنس والمسابح والأندية الليلية ... غير أن كل شيء فيها خاص لفائدة الشريحة الراقية ؛ هذه المحطات لا يدخلها إلا زبناؤها عليها حراس شداد غلاظ يفعلون ما يؤمرون . + والأخرى شعبية ذات تجهيزات ومرافق صحية ووقائية ضعيفة مما أسفر عن مسخ لأحسن الشواطئ والأماكن السياحية بالبلاد ، ويضيف قائلاً : بأن ذلك شيء مؤسف ، وأن المحطات الشعبية وإن توفر بعضها على بعض المؤسسات السياحية ، فإنه لا مجال لمقارنتها مع تلك التي تم إحداثها بالمحطات الراقية لا من حيث الكم والنوع والجودة [4] . ويرى المكتب الدراسي أن احتلال الشواطئ بهذه الطريقة أسفر عن اقتطاع الشواطئ من المؤهلات السياحية للمنطقة لسببين اثنين: أولهما التعمير والاستغلال غير المراقب من طرف السياحة الداخلية الشعبية ، وثانيهما إحداث مجموعات من المنشآت السياحية والترفيهية الفاخرة للملك الخاص ولا يسمح لغير الزبناء بدخولها[5] . وجاء في أحد الأبحاث أن السياحة بالشواطئ التطوانية استهلكت فضاءات شاسعة ، وأن هذا النوع من المنشآت الإيوائية ، يقع بمعزل عن المدارات الحضارية قرب الشواطئ حيث العزلة والأمان ويسهل مراقبة الغرباء والمحليين ، وأن هذه المركبات السياحية احتلت فضاءات مهمة لحاجتها إلي تجهيزات رياضية وترفيهية الخ . على حساب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى[6] . ورأى آخرون أن بناءات مؤسسات محطات الشواطئ الراقية كان فيه هدر للمؤهلات الطبيعية ومحيطها البيئي وأنها جاءت على الطريقة الأوربية ، ويمكن القول أن هذه المؤسسات هي كمستوطنات colonisation بأحسن شواطئ البلاد وأجملها[7] . إن هذا يعني أن تقسيم الشواطئ ( بهذه الكيفية ) إلى محطات شعبية ( السياحة الداخلية ) ومحطات راقية (سياحة الشريحة الميسورة والأجانب ) أدى إلى استغلال عشوائي لهذه الشواطئ وحال دون تطور السياحة الشاطئية الدولية بها ؛ وأدى أيضاً إلى مسخ طبيعة وأهمية هذه الشواطئ نتيجة شكل البناءات التي تم إحداثها وعدم مراعاة خصوصيات الطبيعية ومحيطها البيئي والثقافي في غياب استغلال منظم وهادف طبقاً لتصاميم معمارية تراعي مختلف حاجيات ومعطيات مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية لكل قطاع ، إلا أن السبق كان عند المضاربين العقاريين ومبيضي الأموال للاستحواذ على أراضي هذه الشواطئ [8]. عمليات إنشاء المؤسسات السياحية بمقتضى المخطط الثلاثي السياحي 65/67 وبموجب قانون نزع الأراضي بداعي المنفعة العامة بدأت المؤسسات الشبه عمومية المستفيدة من مئات الهكتارات بشواطئ الرأس الأسود والمضيق وواد سمير ورستنكة بإحداث مركبات سياحية بلغت بعد بضع سنوات حوالي 3000 سرير بالإضافة إلي حوالي 600 سرير بمحطة سمير تابعة لأحد الخواص الأجانب ، ثم وصلت إلى 4413 سرير سنة 1980 (8.13 في المائة ) ثم بدأت مرحلة التراجع فانخفضت إلى 4293 سرير فقط سنة 2000 أي نسبة 4.51 في المائة [9]. وإذا قارنا تطور الطاقة الإيوائية بتطوان ومثيلتها بمحطة أكدير نجد أن هذه الأخيرة انتقل عدد أسرتها من حوالي4660 سريرعام 1972(أقل مما تتوفر عليه محطات تطوان ) إلى 21494 سرير سنة 2000 (نسبة 22,58 في المائة ) ، في الوقت الذي انخفضت فيه هذه الطاقة بتطوان خلال هذه الفترة إلى 4293 سرير (نسبة 4,51 في المائة !) وحسب بعض المعطيات ة ، نجد أن إحدى المحطات الشاطئية القريبة بإسبانيا ( شاطئ الشمس Costa del Sol ) كانت تتوفر سنة 2000 على حوالي 100 ألف سرير وتستقبل حوالي 10 ملايين من السياح تراجع الاستثمارات والنشاط السياحي بشواطئ تطوان بدأت مرحلة انكماش ثم تراجع النشاط السياحي بالشواطئ التطوانية مع نهاية مخطط 1968/1972 فقد قامت الشركات الشبه عمومية بتفويت أربعة مركبات إلي نوادي أوربية قصد استغلالها مقابل كراء سنوي ، وهذا يعني التخلي عن عمليات جلب السياح والاكتفاء بمردود زهيد بدل جلب السياح والعملة الصعبة للبلاد كما كان الهدف من بناء هذه المؤسسات السياحية ، بعد ذلك سيتم تفويت مركب المضيق (650 سرير) لفائدة خواص أغلبهم من المغاربة في إطار ما سمي بالمغربة لاستعماله كشقق (أحياء سكنية) ، بعد ذلك وإلي منتصف الثمانينات ، سوف لن تعرف مدينة تطوان ومحطاتها الشاطئية استثمارات سياحية تذكر، اللهم إذا استثنينا أربع وحدات فندقية صغيرة تابعة للقطاع الخاص لا تتعدى طاقتها الاجمالية عن 420 سرير. يرى البعض أن سبب توقف الاستثمارات السياحية بالأقاليم الشمالية وتهميشها تزامن مع محاولة انقلابي سنتي 1971 و1972 الفاشلتين شارك فيهما بعض أعضاء الجيش الملكي ذات أصول أقاليم شمالية وما أعقب ذلك من خطب ملكية في الثمانينات ذكرت بأحداث واضطرابات بداية الاستقلال في منطقة الريف وشمال البلاد عموما ، وما نتج عنها بعد ذلك في الثمانينات من أحداث مؤسفة . كان لتوقف الاستثمارات السياحية بالأقاليم الشمالية عموما أن تراجع النشاط السياحي بها ففي سنة 1980 لم تتعد نسبة المبيتات بالفنادق السياحية نسبة 5,30 في المائة مقابل نسبة 32 في المائة بأكدر وسنة 2000 لم تتعد نسبة هذه المبيتات بتطوان 2,62 مقابل نسبة 29 بأكدير ، هذا التراجع تأثرت به كثيرا فنادق تطوان وشواطئها فلم تتعد نسبة ملء الغرف بها نسبة 38,6 في المائة سنة 1988 ونسبة 32 في المائة سنة 2000 مقابل نسبة 77,3 في المائة ثم 66 في المائة بالنسبة لأكدير خلال نفس الفترة ، علما بأن الابقاء على تدبير مؤسسة إيواية يحتاج على الأقل إلى ملء نصف غرفها . كان من أسباب تراجع النشاط السياحي بتطوان والأقاليم الشمالية عموما : + عدم احترام طبيعة أراضي ومناخ وخصوصية الساكنة المحلية وموروثها الثقافي ، + عدم إشراك الفعاليات السياحية وغيرها في إعداد البرامج السياحية ، + عدم إجراء دراسة جدوى اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار تكاليف التجهيزات السياحية وموسمية القطاع السياحي بالأقاليم الشمالية وهشاشته ، + إهدار الكثير من المؤهلات الطبيعية ومن الوقت وأموال خزينة الدولة لفائدة قطاع ترفيهي ولشريحة من السياح على حساب مجالات حيوية للساكنة كالقطاع الفلاحي والصيد البحري والصناعة التقليدية مصدر عيش أغلب سكان الوجهات السياحية . + الاقتصار على اقتطاع الأراضي وبناء بعض الوحدات الإيوائية وعزلها عن الساكنة المحلية رغم توفرها على عادات وتقاليد وموروث ثقافي وحضاري مهم، +عدم توفير البنيات التحتية لاستقبال السياح وربط النشاط السياحي بتطوان بالأسواق السياحية القريبة ، + الاقتصار على السياحة الشاطئية وتهميش المؤهلات السياحية الأخرى الثقافية والطبيعة ، + سوء تدبير المؤسسات وافتقارها إلى روح المبادرة والبيروقراطية نتيجة انتظار التعليمات من مدراء العاصمة . إقبار مشروع المحطات الشاطئية بدأ حلم الرهان على السياحة الشاطئية كمحرك اقتصادي واجتماعي يتبخر بتطوان والأقاليم الشمالية عموما منذ منتصف السبعينات فقد أسدل الستار عنه مع نهاية مخطط 1978/1980 وأسفر عن تداعيات بالشواطئ التطوانية موضوعها التهافت على أراضي هذه الشواطئ (حطام المشروع السياحي ) وتزامن ذلك مع أزمات أزمة مؤسسات صناعية بتطوان والمناطق المجاورة يرجع عهدها إلى حقبة الاستعمار فقد تم إقفال العديد من المصانع أو تحويلها إلى مدن أخرى داخل البلاد ؛ هذه المصانع كانت توفر العديد من مناصب الشغل للتطوانيين وغيرهم وتدعم المجال الاقتصاد والاجتماعي بالمنطقة لا زال يتحسر عليها التطوانيون . التوجه إلى محطة السياحة التجارية جاء في مقالة [10] " كاد الفقر أن يكون كفرا فلم يستسلم التطوانيون لهذه الآفات وخصوصا الطبقة الفيرة والعاطلين عن العمل إذن لم يبق لهم ب "الحمامة البيضاء " إلا التلال والجبال ، فليست لهم سهول تادلة ولا حزم و" كلمة" ابن الشاوية ! ولا المصانع البيضاوية ، ومن ثم فسيذهبون فرادى وجماعات ، لا بالمرور على رمال الشواطئ ، فهناك حراس شداد غلاظ ، بل عبر الطرقات والمسالك الوعرة والجبال في مسيرات أعمال تجارية !باتجاه مدينة سبتة المنسية ، لجلب البضائع الأسيوية وحتى الأوربية : الكل يحمل حقائب و "صرات" ، في يده أو على كتفه : الرجال والنساء والأطفال ... كاد الفقر أن يكون كفراً … وما هي إلا سنوات حتى أصبحت لتطوان محطات أخرى سياحية ! : السياحة الداخلية تجلب السياح من جميع أطراف البلاد ليس فيها فنادق ولا مسابح ولا تغلق أبوابها بعد فصل الصيف ...إنها محطات الفنيدق و"الكرنة" وباب النوادر، تزخر بالبضائع المستوردة ( المهربة ) ... ولكن كتب على الحمامة البيضاء أن تكون مسالمة معطاء ( ) ، فقد جاءت الوفود والحافلات والشاحنات من أماكن قريبة وبعيدة ، لتشارك أبناء الحمامة البيضاء أعمالها التجارية باتجاه المناطق "الداخلية" ...فلا مجال إلا للمشاركة ولا مجال إلا للمنافسة نحن في عصر الشراكة : لغة العصر، فضاقت الأحوال وكثرت المنافسة ... ولم يبق إلا الجبال وتجارة "النعناع الأخضر" : كاد الفقر أن يكون كفراً …وإلا فالخيار هو الهجرة السرية إلى دار الغربة والحراك و تخطي البحار… على قوارب الموت. تلك كانت مرحلة حقبة الجمر والرصاص التي كادت تفضي بالبلاد إلى " السكتة القلبية " جاءت رؤيتي 2010 و 2020 السياحيتين وكانت شواطئ تطوان وأراضيها موضوع برامج وسياحية جديدة مهمة قيل مرة أخرى أنها ستكون محركا رئيسيا لتحقيق التنمية المنشودة فما هي أهمية هذه المشاريع وما هو مآلها ؟ . يتبع . إسماعييل عمران . [email protected] [1] تطوان: مؤهلاتها وشواطئها السياحية ( الحلقة الأولى ) tetouanplus.com/73965.html [2]: خلال سنتي 1971 و1972 عرف المغرب محاولتين انقلابيتين ضد الملك الراحل الحسن الثاني. [3] Haut-commissariat au Plan 50 ans de développement humain. .P 43 [4] :Ministère du Tourisme Urbain plan Dec95 [5] المصدر السابق [6] م . بريان : م " السياحة الوطنية والهجرات الترفيهية بالمغرب " ص 369 . – Mohamed BERRIANE TOURISME NATIONAL ET MIGRATIONS DE LOISIRSت Université Mohammed V , Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 1991 [7] 5المناظرة الوطنية حول السياحة ، مايو 8519 [8] سنتناول هذا في مقال قادم . [9] المصدر السابق ص 162 وملحق الكتاب جدول 4. [10] فقرة من مقالة إسماعيل عمران تحت عنوان " الشواطئ التطوانية" جريدة العلم 12 و26 يوليوز 1998 .