الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياحية بعد كورونا: رب ضارة نافعة
نشر في تطوان بلوس يوم 25 - 05 - 2020

أجبر قرار الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة على المواطنين ببلادنا ، منذ منتصف شهر مارس ، البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلا لضرورة قصوى وبترخيص من السلطات المحلية (كما هو الشأن بالنسبة لجل الدول) ، كما تم إقفال الحدود البرية والبحرية والجوية وعدم السماح للوافدين من الخارج الدخول إلى البلاد وذلك رغبة في عدم انتشار هذا الوباء .
أثرت قرارات الحكومة هذه على جل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية وغيرها وكان التأثير على قطاع السياحة كبيرا سيما وأن سياسات الحكومات ببلادنا راهنت دائما على السياحة الدولية وجعلت منها قاطرة لجر عربة التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
تجدر إلى أن الدول الأوربية التي يأتي منها أغلب السياح إلى بلادنا أقفلت هي الأخرى حدودها البرية وقررت أنها لن تسمح لمواطنيها من مغادرتها إلى دول أخرى خارج الاتحاد الأوربي وذلك إلى غاية السنة المقبلة ، ويبدو أن رفع الحجر الصحي كليا بها لن ينتهي قريبا وسيكون مرحليا وألا تعود الأمور كما كانت من قبل إلا بعد أسابيع وشهور ، وقالت المفوضية الأوربية أن السياحة الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي ستكون هي السائدة على المدى القصير، وهذا معناه غياب نشاط السياحة الدولية ببلادنا واستقبال الأجانب واقتصار تقديم الخدمات السياحية على المواطنين المغاربة فقط إلى غاية السنة القادمة .
تداعياتها كورونا على نشاط السياحة
إن بقاء المواطنين المغاربة في دورهم وعدم فتح الحدود لاستقبال السياح الأجانب يعني تعطيل خدمات 4044 مؤسسة إيوائية سياحية أي أزيد من 25 ألف سرير لا يمكن تشغيلها وحرمانها بالتالي من حوالي نسبة 67 في المائة من مبيتات السياح الأجانب بها أغلبيتهم من فرنسا وإسبانيا وانجلترا وألمانيا وإيطاليا ومن باقي دول الاتحاد الأوربي [1]، وتقليص نشاط حولي 700 آلاف من العاملين في قطاع السياحة وتعريض الكثير منهم للبطالة .
إن تراجع أو تعطيل نشاط إحدى أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد يعني حرمانها من المصدر الثاني من مداخيل العملة الصعبة (بلغت سنة 2019 ما قدره 78.65 مليار درهم ) ومساهمته بحوالي 8 في المائة من الناتج الخام الداخلي ، وأيضا تعريض آلاف أصحاب المؤسسات والمقاولات السياحية لخطر الافلاس ، وتعطيل مئات الآلاف الآخرين من المستخدمين ومهنيين في قطاعات أخرى التي لها علاقة بالسياحة كالصناعة التقليدية والنقل والبناء والتوزيع الخ.
جاء في إحدى التقارير أن خسائر قطاع السياحة حاليا تشمل 113000 شركة أوقفت أنشطتها منذ 15 مارس 2020 ، و700 مليون دولار تكبدها النقل الجوي إضافة إلى خسائر النقل على الطرقات ، وخسارة 34 مليار درهم تكبدها القطاع السياحي ، إضافة إلى 34 مليار درهم أخرى تكبدتها مؤسسات الفنادق ، وأن 8500 شركة في القطاع السياحي أصبحت مهددة بالخطر[2].
اقتصرت إلى حد الآن التدابير المتخذة من طرف الحكومة على قرارات حول عقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين المبرمجة في الفترة من فاتح مارس 2020 وإلى غاية 30 شتنبر 2020، والتي تم إلغاؤها نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا ، واقتصر الأمر أيضا على بعض الاعلانات حول تشجيع السياحة الداخلية بعد كورونا [3] . بينما يذهب المهنيون السياحيون من جهتهم إلى أن إجراءات الحكومة يجب أن تنصب على إنقاذ الوحدات السياحية من خطر الإفلاس الحقيقي الذي يهددها في ظل توقعات متشائمة تشير إلى أن حركة السياح الدوليين لن تعود إلى الانتعاش إلا في النصف الثاني من العام المقبل.
إعادة النظر في الخيار التنموي
أمام هذه النتائج الكارثية يجب مراجعة سياستنا في مختلف مجالات حياة المواطنين المغاربة ، هذه السياسات تستدعي نقد ذاتيا لسياساتنا وتشخيص أخطاءها وإصلاحها علما بأن مراجعة النموذج التنموي كان من الملفات الكبرى المطروحة ببلادنا منذ سنوات، كما أن السلطة العليا دعت كذلك إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي ليواكب التطورات التي تعرفها البلاد ليستجيب لتطلعات المواطنين ، علما كذلك أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كمؤسسة دستورية ، انخرط هو أيضا في التفكير في بلورة نموذج تنموي جديد .
يجمل التذكير بأنه غداة استقلال البلاد صادف ازدهار السياحة الدولية وتحولها إلى عامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدول قريبة كإسبانيا وكفرنسا ، ونظرا لاستمرار تردي أوضاع بلادنا وحاجتها إلى العملة الصعبة لتمويل الواردات من البضائع والتجهيزات ، قررت الحكومات ببلادنا تحويل قطاع السياحة إلى قاطرة للتنمية اقتداء بهذه الدول ، وذلك أيضا نزولا عند نصيحة البنك الدولي واستعداد الدائنين لتقديم المزيد من القروض والمساعدات التقنية ، وتم بذلك تنزيل المخطط الثلاثي 1965/1967 ومخططات أخرى بعده وإعطاء الأسبقية لقطاع السياحة .

بعد فترة من العمل بهذه المخططات لم يتحول هذا القطاع إلى قاطرة للتنمية، بل أرهقت تكاليف النهوض به خزينة الدولة وزادت من مديونيتها الداخلية والخارجية ، وجاءت نصائح البنك الدولي هذه المرة (خلال نهاية عقد السبعينات ) بإعادة هيكلة مالية الدولة ومزيدا من التقشف .
خلال عشرية التسعينات عرف نشاط قطاع السياحة تراجعا كبيرا نتيجة تخلي القطاعين العمومي والشبه عمومي عن دعم قطاع السياحة ، ثم عادت الحكومة إلى الرهان على السياحة من خلال رؤية 2010 وجعلت من هذا القطاع مرة أخرى محورا للتنمية وتحويل المغرب إلى أهم وجهات السياحة العالمية .
جاءت نتائج رؤية 2010 ضعيفة ، فإذا استثنينا 9 ملايين من الوافدين ( نصفهم كان من المغاربة المقيمين بالخارج ) ، فإنه لم يتم إحداث إلا حوالي 4500 سرير مقابل 160 ألف سرير المتوقعة بست من المحطات الشاطئية الجديدة ( المخطط الأزرق ) دون احتساب أربع محطات شاطئية أخرى أضيفت إلى مشاريع هذا المخطط ، ولم يتعد عدد المبيتات السياحية بالمؤسسات الفندقية 18 مليون ليلة سنة 2010 بدل 50 مليون المتوقعة .
رغم هذه النتائج المتواضعة واصلت الحكومات الرهان على السياحة من خلال رؤية 2020 وتشير كل المؤشرات ( ونحن على بعد بضعة أشهر فقط على الانتهاء من العمل بها ) إلى أن النتائج ستكون دون مستوى التوقعات .
خلال سنة 2019 مثلا فإن عدد الوافدين لم يتجاوز 12.3 مليون سائح ( نصفهم تقريبا من المغاربة بالخارج ) بدل 20 مليون المتوقعة سنة ، والطاقة الإيوائية السياحية المصنفة حوالي 250 ألف ( بما فيها المؤسسات الإيوائية السياحية القديمة التي تم إدماجها ضمن المؤسسات المصنفة بينما ) بدل 373 ألف المتوقعة سنة 2020 ، وعدد المبيتات السياحية لم يتجاوز 25 مليون ليلة سياحية (منها نسبة 33 بالمائة للمواطنين المغاربة ) أي نصف ما توقعته قبل ذلك رؤية 2010 علما بأن توقعات 2020 كانت مضاعفة توقعات رؤية 2010 . أما متوسط ملء غرف الفنادق سنويا على المستوى الوطني فقد تراجع باستمرار وبلغ سنة 2000 نسبة حوالي 57 في المائية ثم تواصل هذا التراجع سنة 2019 إلى نسبة 46 في المائة ( أكثر من نصف القدرة الاستيعابية بالفنادق تظل غير مستعملة )، وخلال الأشهر القادمة فسوف تكون
نسبة ملء غرف الفنادق أقل بذلك بكثير [4] .
تداعيات قطاع السياحة
كانت نتائج قطاع السياحة دائما دون توقعات البرامج الحكومية ومن ثم فإن الرهان على السياحة كمحرك تنموي كان خيارا خاطئا ، ليس فقط على المستوى الاقتصادي ( بسبب غياب دراسة للجدوى الاقتصادية للمشاريع السياحية) بل الأخطر من ذلك هي التداعيات الثقافية والاجتماعية والبيئية وغيرها لقطاع السياحة ومواصلة الرهان خصوصا على السياحة الشاطئية ، وغياب سياسة سياحية تأخذ بعين الاعتبار مبادئ السياحة المستدامة التي أوصت بها المنظمة العالمية للسياحة والتي وقعت عليها حكوماتنا .
حسب المنظمة العالمية للسياحة فإن التنمية السياحية المستدامة تراعي احترام الأصالة السوسيو/ثقافية للوجهات السياحية ، والحفاظ على الموروث الثقافي وقيمه الأصيلة ، والمساهمة في عمليات التفاهم والتسامح الثقافي الدولي، وتراعي استغلال المؤهلات السياحية بطريقة رشيدة وخصوصا فيما يهم الموارد البيئية والمائية التي تعتبر حجر الزاوية للتنمية السياحية، وتحافظ على العمليات الإيكولوجية وعلى نشاط اقتصادي قابل للحياة على المدى البعيد، وتمنح الوجهات السياحية المنافع الاقتصادية والاجتماعية وتساهم في توزيع عادل للوظائف المستقرة، وجني الأرباح والخدمات الاجتماعية لساكنة الوجهات السياحية بهدف التغلب على الفقر [5].
كان أول ميثاق بخصوص السياحة المستدامة خلال ملتقى المنظمة العالمية للسياحة ومنظمة اليونسكو واللجنة الأوربية خلال تلك السنة ، ثم تحديثه خلال سنة 2004 [6] ومن ثم كان على حكوماتنا أن تعمل بسياسة سياحية مستدامة وتحترم مبادئ الساكنة المحلية لمختلف الوجهات وتحترم دستور البلاد الذي ينص على أن الاسلام هو دين المغاربة[7].
أمثلة عن تداعيات السياحة ببلادنا
كانت لقطاع السياحة إيجابية اقتصادية واجتماعية ببلادنا ولكن السلبيات كانت أهم وأخطر، وتناولت بعض المؤلفات [8] العديد من الأمثلة عن هذه الجوانب الايجابية والسلبية لسياسة التنمية السياحية بالمغرب منذ استقلال ، وذلك استنادا إلى مضامين المخططات السياحية قبل سنة 2000 واستراتيجيتي 2010 و2020 وإلى النتائج التي أمكن تحقيقها ، واستنادا إلى العديد من الدراسات والكتب والأبحاث وإلى المراجع الرسمية ، وتجربة عمل مقاولات القطاع الخاص والوزارة الوصية والمكتب الوطني المغربي للسياحة ،وطالبت هذه المؤلفات بضرورة إعادة النظر في السياسة السياحية لبلادنا واقترحت جملة من التدابير من بينها العمل بالسياحية الداخلية أولا وبسياسة سياحية مستدامة لتلافي تداعيات السياحة تجنبنا الكثير من تداعيات هذا القطاع زمن أهمية هذه الأوضاع الكارثية التي يعرفها هذا القطاع حاليا [9] .
على المستوى الاقتصادي
إذا صرفنا النظر عن مداخيل البلاد من العملة الصعبة للقطاع السياحي ( رغم أنها كانت دائما بعيدة عن التوقعات ) فإن المستفيد الأكبر من النشاط السياحي هي وجهتي مراكش وأكدير (حوالي 60 في المائة من هذا النشاط ) والمؤسسات السياحية الكبرى ، ثم أيضا بعض الفنادق المتوسطة والصغرى التي تستقبل السياح المغاربة ، وتستفيد كذلك بعض المقاولات السياحية ومتاجر الصناعة التقليدية وبعض المهنيين والمطاعم ومقاولات السفر الخ.
بالنسبة لوجهتي الرباط والدار البيضاء فالنشاط السياحي بهما هو سياحة الأعمال لإنجاز مهام تجارية أو إدارية ، وتستفيد بعض فنادقهما المتوسطة والصغرى وبعض المطاعم والمقاولات . وبالنسبة لوجهة فاس ( تحولت إلى مرحلة عبور في ضمن جولة المدن العتيقة) فلا تتعدى نسبة متوسط ملء غرف الفنادق بها 40 في المائة سنويا في أحسن الحالات ، وهي مثلها كمثل مراكش وأكدير تستفيد بعض مؤسساتها السياحية والمهنيين بها ولكن بنسبة أقل بكثير ، بالنسبة لوارزازات فقد تراجع النشاط السياحي بها كثيرا خلال السنوات الماضية ويعرف أصحاب الفنادق بها صعوبات كبيرة لجلب الزبناء وتدبير مؤسساتهم.
بالنسبة لوجهة طنجة فهي تعرف بعض الاقبال خصوصا خلال فصل الصيف بفضل السياحة الداخلية ، أما بالنسبة لوجهة تطوان فهي تعرف إقبالا فقط خلال موسم الصيف من طرف المواطنين ، أما باقي المدن فلا تستفيد كثيرا من نشاط السياحة الدولية اللهم إن كان من زيارات المواطنين المغاربة ، ولذلك فالسياحة ببلادنا تساهم في تعميق البون التنموي بين جهات المغرب علما بأن الدول المتقدمة تعمل على تشجيع النشاط السياحي في المناطق الأقل تقدما صناعيا وفلاحيا لتوزيع المنافع على سائر مناطق البلاد حتى لا تكون هناك مناطق نافعة وأخرى غير نافعة كما يحدث عندنا .
بالنسبة لمناصب الشغل فالكثير منها تكون بمرافق ترفيهية كالمسابح ، وبقاعات التدليك والتنشيط ، وفي الملاهي الليلية الخ. ، كما يتم توظيف النساء في مهام كالاستقبال وطوابق الفنادق والملاهي وتمتد وظيفتهن أحيانا إلى آخر النهار أو ليلا دون مراعاة لقيم ومبادئ الساكنة المحلية والالتزام بميثاق السياحة المستدامة ، وبمدن الشمال والشرق فالكثير منها موسمي وغير قارة .
على المستوى الثقافي
تنصب الجهود عادة على جانب المردودية الاقتصادية للسياحة وانعكاس ذلك على ميزان الاداءات ومساهمتها في الناتج الوطني ثم على إحداث مناصب الشغل وانعكاساتها على بعض القطاعات الصناعية والخدماتية . ترى المنظمة العالمية للسياحة وغيرها في هذا الشأن إلى أن الأسفار السياحية تستجيب لحب الاستطلاع والبحث عن تجارب جديدة عند الأشخاص ، وأنها مفيدة لاستمرار العلاقات التجارية بين الدول وتجمع العائلات وتسمح للسياح بالتعرف على ثقافات وعادات مختلفة ، الشيء الذي يزيد من فرص التفاهم بين الشعوب ، ويساعد على تعزيز العلاقات والتعاون والتبادل التجاري بين مختلف الدول . وترى هذه المنظمة أيضا أن التثاقف السياحي له جوانب إيجابية فهو يحد من الجهوية الضيقة ، ويكسر المحافظة الإقليمية ويشجع على تدويل اللغات وكشف عن العالم الآخر، ويساهم في إحياء بعض التظاهرات الفلكلورية التي تنظم لفائدة السياح والحفاظ على بعض المآثر والمعالم التاريخية )[10](.
مقابل ذلك يرى مختصون وباحثون أن السياحة الدولية لها تداعيات مهمة على الساكنة المحلية بسبب اختلاف سلوكيات وعادات وثقافات السياح الوافدين الأجانب، كما أن النشاط السياحي المكثف في مكان ما يسفر عن تقليد سلوكيات السياح الأجانب وتعويض بعض القيم وكرم الضيافة المحلية واستبدالها بأخرى تجارية ، وتسريع البون بين الشباب ومن يكبرونهم سنا ويسفر عما يسمى بصراع الأجيال.
بالنسبة لبلادنا فإن النشاط السياحي ببلادنا كانت له أيضا سلبيات مهمة نتيجة الانفتاح السريع على مختلف ثقافة السياح الوافدين على مختلف الوجهات السياحية والتأثر بسلوكياتهم وعاداتهم والتشبه بها وخصوصا من طرف فئة الشباب . هذا التقليد شمل مجالات الأكل والشرب واللباس وشجع على استيراد الكثير من المنتجات الغذائية والكمالية والكحولية من الخارج على حساب المنتجات الوطنية كما يشير إلى ذلك كل سنة حساب ميزان المدفوعات ، كما قام بإدخال تغييرات على أصالة لبعض المنتجات التقليدية والفنون الشعبية لمواكبة أذواق اذواق السياح ، وكان التأثير الأهم هو على الجانب الأخلاقي بسبب تشجيع السياحة الشاطئية وإقامة الأندية الليلية ومهرجانات الأغاني والرقص حتى أن بعض المدن السياحية يروج لها من طرف بائعي الأسفار بالخارج كوجهات للسياحة الجنسية واشتكت من ذلك مرارا جمعيات أهلية.
على مستوى المحيط البيئي
بخصوص الإيكولوجي فيمكن القول أن المشاريع السياحية وأنشطتها ببلادنا لا تحترم المحيط البيئي ، ذلك أن مشاريع إحداث المحطات السياحية لم تستند إلى دراسات بيئية مسبقة ، وجل المحطات السياحية أو جميعها تم إحداثها دون العمل بدراسة في هذا المجال وأسفر ذلك عن تداعيات بيئية كان بعضها موضوع استطلاعات وربورتاجات صحفية مغربية وأجنبية .
تجدر الاشارة ( على سبيل المثال ) إلى أن أشغال تهيئة مشاريع بعض المحطات الشاطئية في إطار المخطط الأزرق تضمنته رؤية 2010 أثارت انتقادات مهمة على المستوى البيئي ، فقد أشار مهنيون سياحيون إلى أن بناء الفيلات والإقامات السكنية بكثافة على شاطئ السعيدية البكر يحدث مشكلا كبيرا نص عليه قانون 12 مايو 2003 المتعلق بالانعكاسات السلبية على المحيط البيئي والإنساني والتي يمكن أن تحدثها مثل هذه المشاريع ، ولاحظ هؤلاء المهنيون أن شركة سياحية أجنبية عهد إليها بتهيئة هذه المحطة لم تقم بنشر الدراسة التي ربما قد تكون قد أجرتها للرد على مثل هذه الانتقادات[11]. وجاء في تقارير دراسية أن التلوث تعاني منه بعض المحطات السياحية وأنه عقبة في وجه نمو النشاط السياحي ، ويطال هذا التلوث أيضا بعض المدن ووجهات سياحية كطنجة وأكادير والدار البيضاء والرباط الخ. لأسباب منها كثرة حركة النقل وإفرازات المصانع ؛ هذا التلوث
طال حتى الأنهار والبحار بفعل نفايات المصانع وقنوات الواد الحار[12] .
البدائل: رب ضارة نافعة
استنادا إلى هذه الأمثلة ، وفي إطار العمل مراجعة سياسة التنمية للبلاد التي دعا إليها ملك البلاد ، فإنه يجب مراجعة السياسة السياحية للبلاد أيضا وأن يتم التركيز أولا على السياحة الداخلية والعمل بسياسة سياحة دولية مستدامة تراعي المواثيق الدولية تحرص على احترام الأصالة السوسيو/ثقافية لساكنة الوجهات السياحية ، وبالتالي الحفاظ على الموروثات الثقافية وقيمها الأصيلة ، واستغلال المؤهلات السياحية بطريقة رشيدة وخصوصا فيما يهم الموارد البيئية والمائية والحرص على احترام مبادئ عقيدة المجتمع المغربي المسلم .
لقد تم إهدار جهود كبيرة من أجل النهوض بالسياحة ( وخصوصا الشاطئية منها ) كما هو الحال بدول كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا لها تجهيزات سياحية مهمة ولشعوبها تفافة مغايرة ، ولذلك وكنتيجة لتقليد هذه الدول فإن بعض الوجهات السياحية بها أقيمت بها مرافق ترفيهية كأندية ليلية وكازينوهات وأنشطة فنية مغايرة جعلت الكثير من شرائح الشعب المغربي لا يحبذها ولا يشجعها .
منذ الاستقلال فإن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تكن ناجحة بسبب خيارات سياسية وتنموية خاطئة ، وإلغاء مشاركة الفاعلين الغير حكوميين مشاركة حقيقية في تنفيذها ، وسوء تدبير الشأن العام ( كانت موضوع غضبات ملك البلاد في العديد من المناسبات ) ، ومن ثم فقد تزايد معدل الفقر والبطالة والديون الداخلية والخارجية ببلادنا واستشرى الفساد في العديد من دواليب الدولة وليس من السهل تدارك هذه الأوضاع بعد عقود من تراكم النتائج السلبية إلا بالقضاء أولا على الفساد واستعمال أمناء لهم كفاءات وربط المسؤولية بالمحاسبة .
يمكن للحكومة مثلا ونظرا لتداعيات فيروس كورونا وإقفال المؤسسات السياحية الإيوائية ( إلى وقت غير مسمى) تحويل بعض المؤسسات الإيوائية الكبرى والمركبات إلى كليات أو ملحقات كليات أو لمراكز للتكوين وبعضها إلى مستشفيات تجنب جزءا من الخسارة في الاستثمار في هذه المؤسسات وتعود بالنفع على مجالات الصحة والتعليم ولن يمنع من ذلك إلى قلة روح المبادرة والعزيمة الصادقة على تحقيق كرامة المواطنين المغاربة الذين هم في حاجة إلى المزيد من المدارس والجامعات ومراكز التكوين والمستشفيات وتحقيق الأمن الغذائي .
آن الأوان للخروج من الحلقة المفرغة التي ندور فيها ، وأن نعمل ببدائل تنموية وبمرجعيات ومفاهيم مغايرة تستند إلى أوضاعنا ومبادئنا وأصالتنا للخروج من نفق التخلف الذي ألفناه، معتمدين على سواعدنا ، واستعمال الأمناء الأقوياء منا، لاستغلال ثرواتنا الطبيعية والثقافية، بدل استجداء "الخبرات" والمساعدات المالية الخارجية لتوفير التجهيزات السياحية لفئات أجنبية لممارسة أنشطة ترفيهية على حساب ضروريات ومطالب شعبية.
[1] حسب إحصاءات الوزارة المكلفة بالسياحة بلغ عدد مبيتات السياح الأجانب الوافدين من أوروبا بهذه المؤسسات الايوائية سنة 2019 حوالي 12,5 مليون ليلة سياحية
[2] إصلاحات المستعجلة لمغرب ما بعد "كورون . https://www.hespress.com/writers/471934.html
[3] www.hespress.com/economie/469760.html
[4] تضمن كتاب " السياسة السياحية : إشكاليات وتداعيات وبدائل الإحصاءات الرسمية لقطاع السياحة خلال فترة 1956/2015
[6]Le tourisme et développement inéluctable évolution www.tourisme-solidaire.org/ressource/Définition tourisme durable. www.ecotourisme-magazinel
إسماعيل عمران "السياسة السياحية : إشكاليات وتداعيات وبدائل .ص 38.سنة 2018
[7] Idm.
[8] إسماعيل عمران " التنمية السياحية بالمغرب واقع وأبعاد ورهانات " سنة 2004
– إسماعيل عمران " التنمية السياحية بالمغرب " سنة 2009 ،
-إسماعيل " السياسة السياحية بالمغرب إشكاليات وتداعيات وبدائل " سنة 2018
[9] إسماعيل عمران " التنمية السياحية بالمغرب واقع وأبعاد ورهانات " سنة 2004
– إسماعيل عمران " التنمية السياحية بالمغرب " سنة 2009 ،
-إسماعيل " السياسة السياحية بالمغرب إشكاليات وتداعيات وبدائل " سنة 2018
[10] ) Conférence des Nations Unies sur : Le Tourisme et Voyages Internationaux. Rome 1963
[11] ) FMDT. Publié le 23/02/2007
[12]– M. Tourisme Etude de la Stratégie d'Aménagement Touristique URBAPLAN 1996


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.