حددت الرسالة السامية التي وجهت لسفراء المغرب بالعالم الذين اجتمعوا بمناسبة انعقاد ندوة بالرباط الجمعة 30/8/2013 حيث ذكرت محددات الدبلوماسية المغربية والسياقات الدولية والداخلية و الافريقية والعربية والتحديات المنتظرة . السياق الدولي: إن الجيو-سياسة العالمية تعيش اليوم بين تداعيات النظام الدولي المنبثق عن الحرب العالمية الثانية، وبين انبثاق نظام دولي جديد لم يستطع بعد فرض نفسه. فبينما برزت، خلال السنوات الأخيرة، قضايا شاملة تهم كل الدول والشعوب، وظهرت قوى دولية جديدة وناشئة، وفاعلون جدد، كالمنظمات غير الحكومية الدولية، والشركات متعددة الجنسيات، وتنوعت بشكل غير مسبوق، المراكز العالمية لصنع القرار والتأثير وكذا المجموعات الدولية المختصة في التقنين والتنسيق؛ تكاثرت التحديات بسبب توالي الأزمات الحادة والشاملة، وتكرارها والتزامن في اندلاعها، مؤثرة بذلك على مجالات الأمن والسياسة، والاقتصاد والمال، والبيئة والأمن الغذائي، مما كان له أثر عميق وسلبي على الوضع العالمي. وفي سياق هذه التغيرات العميقة ، والتحولات الكبيرة، والأزمات الشديدة، على المستوى الدولي والجهوي، عملت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، وفق التوجيهات الملكية السامية، على التعريف بالمغرب وإنجازاته، في فضاءات الانتماء والجوار والشراكة، سواء على المستوى الثنائي أو الجهوي أو متعدد الأطراف، وكذا بالإمكانيات الموضوعية والفرص الحقيقية للتعاون مع المغرب، باعتباره، بلدا آمنا ومستقرا وقويا بمؤسساته المتطورة ؛مغربا متميزا بالتناسق والتكامل بين ما يتم إنجازه وطنيا وما يقوم به دوليا ؛ مغربا منفتحا على الآخرين، وعلى التعاون مع كل الشركاء، على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة ؛مغربا عقد العزم مبكرا على الالتزام باختياراته الكبرى، المبنية على تعزيز دولة القانون، والتشبث الذي لا رجعة فيه بمبادئ التعددية السياسية والتشاركية البناءة، في انسجام مع تقاليده وقيمه المتجذرة ؛مغربا يدعو للسلم والسلام ، واحترام الشرعية الدولية، في انفتاح على العصر، والتزام بالمبادئ والمثل الكونية، ومتمسكا بقيم التحاور والتشاور والإقناع ؛وأخيرا، مغربا متضامنا، بكيفية ملموسة، مع الشعوب الشقيقة والدول الصديقة، في نطاق تعاون جنوب-جنوب ملموس، وعبر انتهاج دبلوماسية التنمية البشرية، والمشاركة الفاعلة في عمليات حفظ السلام تحت لواء الأممالمتحدة. السياق الداخلي: يستند عمل الدبلوماسية الوطنية إلى المحددات السابقة الذكر، التي يكرسها الدستور، وإلى التوجيهات السامية، التي ما فتئت تقدم إلى الحكومات المتعاقبة لتأطير عملها.من خلال دعم الدبلوماسية السياسية والاقتصادية والثقافية.. دعم الدبلوماسية السياسية: ويتعلق الأمر في المقام الأول، بالتعبئة المستمرة من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية شمالا وجنوبا، والاستثمار الأمثل للتطورات الايجابية التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، خاصة بعد أخذ المغرب لزمام المبادرة، والتعاطي بشكل أكثر فعالية مع هذه القضية المصيرية، بفضل مبادرة لمنح حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية، وهي المبادرة التي حظيت بدعم دولي متواصل ومتنام. وإذ شددت الرسالة الملكية على أهمية الاستمرار في نفس النهج، والتصدي بكل حزم، للمناورات والمحاولات اليائسة، القائمة على الافتراء والتضليل، والتي ما فتئ يشنها خصوم وحدتنا الوطنية والترابية، حيث يجب على سفراء المغرب بالخصوص، خوض هاته المعركة، في كل وقت وحين، بيقظة خاصة، وعمل مستمر، على جميع الأصعدة، لدى المسؤولين في بلدان اعتمادهم. كما يتعين على الدبلوماسية المغربية –تضيف الرسالة الملكية-، العمل بنفس الروح من أجل إبراز المقومات الوطنية الأساسية، واستثمارها بمهارة، من خلال تموقع منسجم وفعال يتماشى مع قيم المغرب ومصالحه العليا، ومع التوجهات الجوهرية للعلاقات الدولية. وعليه، جاءت دعوة الملك في رسالته السامية الدبلوماسية المغربية إلى تقوية العمل من أجل الترويج للنموذج المغربي باعتباره هدف استراتيجي سيمكن بلوغه من تحقيق كل فرص التعاون الممكنة في جميع الميادين. ، وكذا الأوراش التنموية الكبرى التي انطلقت بالمغرب، سواء للنهوض بالتنمية البشرية، أو في مجال السياحة والتنمية المستدامة والطاقات المتجددة وغيرها، فضلا عن الرصيد التاريخي للمغرب كبلد للانفتاح والتسامح، وفضاء لتعايش وتفاعل الحضارات والثقافات. دعم الدبلوماسية الاقتصادية: ولبلوغ ذلك الهدف الاستراتيجي حسب الرسالة الملكية، يجب على الحكومة الحالية إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة، قادرة على تعبئة الطاقات، بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات، وتعزيز جاذبية البلاد، وكسب مواقع جديدة، وتنمية المبادلات الخارجية. بالاضافة للتنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين، في القطاعين العام والخاص، للتعريف بالمؤهلات الاقتصادية التي يزخر بها المغرب، وخاصة في القطاعات الإنتاجية الواعدة، بهدف المساهمة في تنميتها، ولإرساء تعاون مؤسسي بين القطاعات الوزارية التي لها نشاط دولي في المجال الاقتصادي. حيث اعتبرت في هذا الصدد الرسالة الملكية ان سفراء المغرب في العالم هم بمثابة جنود يجب أن يسخروا كل جهودهم لخدمة القضايا الاقتصادية لبلادهم. دعم الدبلوماسية الثقافية: أما بخصوص الدبلوماسية الثقافية، فينبغي إعطاؤها ما تستحقه من دعم وتشجيع، وخاصة من خلال إقامة دور المغرب، والمراكز والمصالح الثقافية بالخارج، وتكثيف الأنشطة الفنية، وتنظيم المعارض، للتعريف بالرصيد الحضاري والثقافي العريق للمغرب، وتعزيز إشعاعه دوليا، والتعريف بهويته الموحدة الأصيلة، والغنية بتعدد روافدها. وإدراكا منا لمحدودية الإمكانات المتاحة، فإننا ندعو إلى اعتماد مختلف أنواع التعاون والشراكة مع جميع الفاعلين المعنيين، لتحقيق ما نتوخاه من نتائج في هذا الشأن. السياق المغاربي: إذا كان العالم اليوم يشهد نموا متزايدا للتجمعات والتكتلات السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن بناء المغرب الكبير يعرف جمودا مؤسفا، على الرغم من توافر شروطه ؛ وذلك في تعارض مع دينامية العصر، ومع التطلعات المشروعة للشعوب المغاربية الشقيقة. ومن منطلق حتمية المصير المشترك للدول المغاربية الخمس، فإن الرسالة الملكية دعت الدلوماسية المغربية لمضاعفة الجهود لتجسيد التزام المغرب ببناء الاتحاد المغاربي، باعتباره خيارا استراتيجيا، منصوصا عليه دستوريا. من أجل انبثاق نظام مغاربي جديد، يسمو على كل مصادر الخلاف وذلك بالعمل على تعزيز علاقات المغرب مع باقي البلدان المغاربية الشقيقة. السياق الافريقي: وحسب الرسالة الملكية ، أنه من منطلق الوفاء لانتماء المغرب الإفريقي، وبالنظر لروابطه الروحية، ومصالحه الاستراتيجية، عمل المغرب على تقوية علاقاته مع دول جنوب الصحراء، ووضعها في صلب أجندة الدبلوماسية المغربية، وذلك من خلال الزيارات الملكية منذ سنة 2000، لعدد من الدول الإفريقية الشقيقة، بهدف تكريس قيم التضامن والإخاء، والاعتماد على القدرات الذاتية الهائلة لقارتنا وذلك بالعمل الحثيث للدبلوماسية المغربية عبر تطوير علاقاتنا الثنائية مع دول جنوب الصحراء، أو عبر المساهمة الفعالة، ضمن تجمع دول الساحل والصحراء "سين صاد"، ولا سيما في تحديد مهامه الجديدة، أو عبر تقوية العلاقات المغربية مع المنظمات الإقليمية الإفريقية، وخاصة منظمات إفريقيا الغربية والوسطى.وجاءت الدعوة السامية في الرسالة الملكية الحكومة المغربية إلى تفعيل أنشطة مؤتمر الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، كمنظمة جهوية التي تعد الرباط مقرها، وتمكينها من القيام بدورها كاملا، باعتبارها أداة لخدمة العلاقات المغربية الإفريقية. وكذا الاستثمار الأفضل لكل الآليات المتاحة في هذا الشأن، وخاصة الوكالة المغربية للتعاون الدولي، السياق العربي : ركزت الرسالة السامية على القلق الكبير من الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض الدول العربية ، بدرجات متفاوتة وحسب خصوصيات ورهانات مختلفة، حيث تشهد تغيرات سياسية ومؤسساتية. مع الأمل في أن تتمكن هاته الدول من تجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخها، من خلال الحوار البناء، والمصالحة الوطنية، في إطار الوحدة الترابية والتطلعات المشروعة للشعوب المعنية. مع عمل المغرب حسب الرسالة الملكية على إرساء مقومات نظام عربي متضامن ومندمج، ملتزما بدعم القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، ونضاله الوطني من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. وكذا العمل على تطوير علاقات متميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يحرص المغرب على تعزيز الشراكة الاستراتيجية النموذجية التي تم إرساؤها في 2011. الدبلوماسية الموازية: حثت الرسالة السامية على تطوير الدبلوماسية الموازية وخاصة الدبلوماسية البرلمانية والمدنية والمحلية الفاعلة، ولاسيما في ظل المكانة الدستورية التي أصبح يتبوأها البرلمان والمجتمع المدني والجماعات الترابية. وفي عالم تشكل فيه البرلمانات، والأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، والفاعلون الأكاديميون والثقافيون، مراكز نفوذ وتأثير ذات وزن هام ؛ فإن الجهود الرسمية لم تعد كافية وحدها. مع حث سفراء المغرب في العالم على الانفتاح على هؤلاء الفاعلين الجدد في الساحة الخارجية، وتشجيع الاتصالات بينهم وبين نظرائهم في المغرب فضلا عن الاستفادة من خبرات وكفاءات المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية بما يخدم المصالح الوطنية. محسن الندوي باحث في العلاقات الدولية