لا شك أنه ثمة مجموعة من الظواهر التي فرضت نفسها بقوة على الرأي العام الوطني، ومنها ظاهرة تنامي البناء العشوائي، تحت ذريعة الحاجة إلى السكن، هذه الحاجة التي كانت ولا تزال ملحة بالنسبة لفئات عريضة من ذوي الدخل المحدود، لكن حل هذا المشكل لا يمكن أن يكون بالفوضى والاعتداء على المجال، فالظاهرة اتخذت أبعادا خطيرة تتجلى في اكتساح أراض غير المجهزة انتشر فيها البناء العشوائي انتشار النار في الهشيم وبسرعة غير متوقعة. غير أن الملفت للانتباه، هو أن الأطراف المتورطة في هذا الملف تتشابه من حيث وظائفها وتمثيليتها وأدوارها، ممن يرفضون الإصلاح، ويصرون على الاستمرار عنوة في ممارستهم العدائية اتجاه المدافعين عن الديمقراطية. فالتواطؤ في جرائم التعمير، يبتدئ من تسليم شواهد تجزئة الأراضي غير المجهزة لحيازة العقار، مرورا بالتغاضي عن البناء غير المرخص، وانتهاء بتسليم شواهد إدارية للربط بشبكة الكهرباء بدعوى أن البناء قديم، وبين أول مرحلة وآخرها تكون الحماية مضمونة طبعا لبناء مساكن في «رمشة عين» وتحت جنح الظلام، مفتقدة لأسس البناء الملائم والسكن اللائق، بل والأبعد من ذلك، فإن هذه الأبنية «تشغل» أثناء الحملة الانتخابية للظفر بمقاعد لن تكون بكل تأكيد وسيلة لتحسين ظروف هؤلاء الضحايا من الساكنة. إلى ذلك، فيمكن اعتبار جماعة «گزناية» الترابية، التي تبعد حوالي 15 كلم عن مدينة طنجة في اتجاه أصيلة، عمالة طنجة، عاصمة للبناء العشوائي بالمغرب بامتياز، حيث ينتشر هذا النوع من البناء غير المرخص بشكل مثير للاستغراب، خصوصا بدوار شواقرش، فريحيين، ضواحي گزناية المركز، بني سعيد، وحجريين، وذلك بعد ما كان محصورا سابقا في عدد محدود من دواوير وأحياء الجماعة، لتنتقل عدوى البناء العشوائي إلى المنطقة الصناعية، بعد الانتشار الكبير لهذا النوع من البناء غير المرخص بعموم تراب الجماعة. ويشتكي عدد من المستثمرين المحليين والأجانب، والمقاولين العاملين في مجال العقار، من نمو هذا البناء السري، الذي لم يعد سريا فيه إلا الإسم، بشكل مهول بمختلف مناطق الجماعة، التي أصبحت تعرف نشاطا تنمويا واقتصاديا كبيرا في شتى الميادين. وسبق وأن حذر العديد من المسؤولين بالمنطقة الصناعية من تنامي هذه الظاهرة، التي أضحت تشكل خطرا محدقا على الشركات ومستقبل المشاريع والأوراش التنموية المفتوحة بها، مشيرين إلى أن هذا الأمر الخطير، ويمكن أن يؤثر سلبا على فرص جذب الاستثمارات، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، دون تحرك عاجل من لدن السلطات المختصة، معتبرين أن عدم التدخل الفوري لوقف انتشار البناء العشوائي، قد يؤثر سلبا على السير العادي للمشاريع الاقتصادية الكبرى التي تزخر بها المنطقة الصناعية المذكورة. معاناة المواطنين مع العراقيل البيروقراطية يعاني مواطنون بجماعة «گزناية»، من شلل شبه تام يضرب خدمة الشباك الوحيد للتعمير في الصميم، وعراقيل بيروقراطية جمة تواجه المرتفقين أثناء تقدمهم بطلبات الحصول على تراخيص الإذن بالبناء، ما يهدد مصالح المواطنين وينعكس سلبا على المداخيل المالية لصندوق الجماعة، التي تعرف انفجارا عمرانيا، وديمغرافيا متزايدين. ووجه مواطنون أصابع الاتهام إلى جهات خفية نافذة تدور في فلك الجماعة، والتي تضغط وتتواطؤ مع بعض المسؤولين لكي لا تتم معالجة أي ملف لا يمر عبر أيديهم لحاجة في أنفسهم...!؟، والذين يقومون بدور الوساطة بين المرتفقين وبين المصالح الإدارية، نظير مبالغ مالية تختلف حسب نوعية الرخصة، وطبيعة وموقع البناية، مؤكدين بأنهم أضحوا فريسة للسماسرة الذين يتربصون بهم في باب الجماعة والمقاهي المجاورة لها، عارضين خدماتهم ووساطتهم تحت لغة الابتزاز، ويخيرونهم بين أداء إتاوات مادية، أو تجميد ملفاتهم في رفوف القسم التقني للجماعة. وأضاف المتحدثون أنفسهم، أن الإجراءات القانونية للحصول على شهادات البناء والسكن، تخضع لمنطق مزاجي لدى مسؤولي جماعة «گزناية»، والمحسوبية والزبونية والولاءات السياسية، حيث إن الراغبين في الحصول على الإذن بالبناء، يشتكون من تدخلات تؤدي إلى التلاعب بملفاتهم وعرقلة حصولهم على الرخصة وفق المسطرة القانونية الجاري بها العمل في ميدان التعمير. وكمثال لذلك، على سبيل الذكر فقط لا الحصر، فقد سبق وأن أفاد أحد المواطنين من دوار بدريوين، موضحا بأنه تقدم بطلب الحصول على الإذن بالبناء لقطعة عقارية مساحتها، 125 مترا مربعا، لكن الجماعة رفضت منحه شهادة البناء بدعوى أن تصميم إعادة الهيكلة يشترط أن تتوفر البقع الأرضية على مساحة تتراوح بين 180 و300 متر، في حين - يؤكد المتحدث ذاته - وجود بقع أرضية مجاورة لمنزله سمح فيها لبناء منازل حديثة لا تتعدى مساحتها 90 مترا مربعا، داعيا وزارة الداخلية إلى إيفاد لجان مركزية للتفتيش للوقوف على مثل هذه الخروقات، وغيرها كثيرة، يضيف المصدر نفسه. ولا تقف الأعذار، والمسوغات التي تبررها الجماعة عند هذا الحد، فقد قال العديد من المواطنون يسكنون بمركز الجماعة، بأنهم كلما أحضروا وثيقة إدارية تبين سلامة وضعيتهم القانونية، يطلبون منهم وثيقة أخرى ويخلقون أعذارا مختلفة، مثل وجود مطلب التعمير بجوار «وادي»، أو «مجال غابوي»، أو منطقة تابعة لحوض اللكوس، بشكل يستحيل معه الحصول على شهادة البناء بالطرق القانونية، بينما لا يتعدى الحصول عليها عبر وساطة السماسرة وبالطرق الملتوية في»الأماكن المحظور فيها البناء»، في «رمشة عين». محاولة السطو على ضاية سيدي قاسم يبدو أن أطماع المسؤولين و»مافيا» العقار في الأراضي الفلاحية وأراضي الجموع وغيرها، بدأ يسيل لعاب أباطرة الإسمنت والمنتخبين الكبار، بجماعة گزناية القروية، بسبب قرب إدراجها في المجال الحضري «رسميا» في التقسيم الترابي المقبل تزامنا مع انتخابات 2021، حيث سارعت هذه الجهات إلى محاولة السطو على الوعاء العقاري الذي يضم ضاية شاطئ سيدي قاسم، وتجزيئه وتملكه بواسطة اللفيف العدلي، وإنجاز عمليات البيع الصوري لفائدة بعض أهالي المنطقة لإعادة تفويته لجهات خفية، وتقديم طلبات التحفيظ بشأنه، ثم القيام بطمره بالأتربة تمهيدا لاحتلاله الكلي، وفتحه للمشاريع العقارية العملاقة مستغلة موقع الضاية الاستراتيجي. معلوم، أنه وحسب اتفاق سابق وقع منذ حوالي 13 سنة، بين الجماعة السلالية لمنطقة سيدي قاسم الأملاك المخزنية للدولة «الدومين» والذي كان يقضي باحتفاظ الجماعة السلالية المذكورة بملكية أرض دوار سيدي قاسم، بينما تحتفظ الأملاك المخزنية بملكية البقعة الأرضية التي تحتضن الضاية، حيث تقدمت بطلب تحفيظها لدى الوكالة الوطنية للمحافظ العقارية والمسح الطبوغرافي، وذلك قبل أن تتوالى محاولة السطو عليها من طرف أهالي المناطق المجاورة «بني سعيد» بتحريض من مافيا العقار الذين يدعمون هذا النهب الممنهج من وراء الستار، تمهيدا لشرائها من حائزيها بعقود عرفية وشهادات إدارية وعدلية مشبوهة لإثبات ملكيتها لناهبيها ظلما وعدوانا. السلطة المحلية تتدخل لحماية أرضي «الضاية» إلى ذلك، ومن أجل التصدي لمحاولة «مافيا» العقار السطو على أراضي الضاية، فقد سبق للسلطة المحلية وقائد المنطقة وأن تدخل يوم الجمعة 14 نونبر 2013، ومنع أحد المقاولين بالتخلص من آلاف الأطنان من الأتربة المستخرجة بإفراغها وسط الضاية لطمرها، دون الحصول على إذن قانوني مسبق بذلك، حيث تم حجز الشاحنات والآليات المستعملة في عملية الطمر المشبوه للضاية. وقد كانت هذه البحيرة الطبيعية- التي تعد من المناطق الرطبة المعروفة وطنيا، وتشهد إقبالا مكثفا لأنواع الطيور المهاجرة النادرة - قد تعرضت في السنوات الأخيرة لاستنزاف قوي من طرف بعض الخواص الذين يسعون بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة إلى تملك عقارها والعمل على فتحه أمام التعمير، حيث أصبحت تستقبل مئات الشاحنات محملة بالأتربة والردم بشكل متعمد لتحويلها إلى أراض صالحة للبناء. غياب تصميم التهيئة شجع على البناء العشوائي يرى المتتبعون للشأن العام المحلي بعاصمة البوغاز، أن غياب وثيقة تصميم التهيئة لحد الآن بالجماعة الحضرية گزناية، ساهم وبدور كبير في انتشار فوضى التعمير بالمنطقة بسبب هذا الفراغ القانوني، وشجع على إقبال الساكنة على البناء العشوائي وغير المرخص ببعض الدواوير خاصة شواقرش، بني سعيد وغيرهما، الشيء الذي نتج عنه ظهور تجمعات سكنية عشوائية جديدة غير متوازنة ديموغرافيا وتنمويا، ودون توفرها على البنية التحتية الضرورية المناسبة من طرق وإنارة عمومية...، وغيرها، حيث إن غياب الوثيقة النهائية لتصميم التهيئة، جعل الجماعة تعيش نوعا من الفوضى وغياب المراقبة التي استغلت لصالح بعض الفاسدين، إذ لا يسمح غياب الوثيقة للمواطنين الذين لا يتوفرون على بقع أرضية تقل مساحتها عن 200 متر بالبناء. احتجاجات ساكنة «شواقرش» بسبب الكهرباء بسبب وجود أراضي شاسعة تعود ملكيتها لمسؤولين نافذين، بمدخل بعض الدواوير النائية خاصة «شواقرش، «بني سعيد» تم ربط هذه الدواوير الصغيرة بالطرق المعبدة بعد تخصيص ميزانية هامة لها، حيث انتقد المتتبعون هذه الأشغال، خصوصا وأن هذه المقاطع الطرقية، يقول السكان، لا تخترق تجمعات سكانية كبيرة على امتداد طولها، عكس منطقة الفريحيين وگزناية الكبيرتين والمهمشتين، حيث استغربت الساكنة التي تعتبر نفسها في مقدمة المتضررين من إنزال مشروع تهيئة هذه المسالك التي لا تشكل أي أهمية أو قيمة مضافة بالنسبة لتحسين عيشهم اليومي مقارنة مع مناطق آهلة أخرى، ليبقى الهدف المفترض منها - حسب نفس المصادر - هو تسهيل الوصول إلى تلك العقارات بكل يسر، والرفع من قيمتها المالية في سوق العقار، استعدادا لتجزيئها وبيعها لاحتضان البنايات والمشاريع الإسمنتية. هذا، وخرجت أواخر يوليوز المنصرم، ساكنة أحد الدواوير النائية الواقع وراء الجبل عن بكرة أبيهم، في احتجاجات عارمة وغير مسبوقة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن الساكنة، حيث يعتقد العارفون ببواطن الأمور بأن قوة الكهرباء التي اعتمدتها الشركة للدوار لم تعد كافية لتلبية حاجيات الساكنة، بسبب تضاعف عددها والمنازل التي تم ربطها بالكهرباء خلال السنتين الأخيرتين بشكل كبير غير متوقع، هذه البنايات التي شيدت في ظروف غير محددة وخاطفة، تدعو إلى التساؤل والاستغراب..!؟. المجتمع المدني يطالب بالمحاسبة ومحاربة الفساد في خضم الحديث عما تشهده منطقة گزنابة من تجاوزات وخروقات خطيرة من شأنها تهديد استقرار الساكنة، ارتفعت أصوات المجتمع المدني المحلي في أكثر من مناسبة لتدق ناقوس الخطر في آذان المسؤولين وسلطات الوصاية من أجل التدخل العاجل للتحقيق في مجمل هذه الخروقات، وترتيب الجزاءات المناسبة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة التي نص عليها الدستور. فبالإضافة إلى ظاهرة زحف البناء العشوائي، الذي ارتفعت وتيرته مؤخرا، ولم تسلم منه حتى أراضي الجموع وأراضي الدولة، في الوقت الذي يتساءل فيه السكان عن جدوى تقارير وعمل لجان المراقبة الإقليمية والمركزية التي حلت بالمنطقة في أكثر من مرة، وعن مصير محاضرها، في حين مازالت الجماعة تعاني من مشاكل عديدة، وعلى رأسها افتقارها للمرافق الأساسية والتعمير، غياب المستشفى، دار الفتاة، الطرق، دار الشباب، ملاعب القرب، النظافة، الإنارة العمومية، الكهرباء، الصرف الصحي، والنقل العمومي، إذ يكفي لولاية الجهة ومصالح النبات والغابات والوكالة الحضرية، أن تعود إلى الخرائط الطبوغرافية للأقمار الاصطناعية للمنطقة لتقارن بين وضعية البناء بالجماعة سنة 2015، وبين واقع حال البناء سنة 2019 لتتأكد من مدى التغير الكبير الذي طرأ على خريطة البناء على الأرض، وكيف تضاعف بشكل مهول يقتضي المحاسبة والمساءلة، والتحقيق.