زائر جماعة المنصورية لا بد وأن يحز في نفسه ذلك الضياع الذي تعيشه المنطقة بأكملها، جماعة %80 من ساكنتها تعيش في ظروف صعبة يقاومون الزمن، يعيشون في منازل قصديرية ضمن تجمعات صفيحية، و دور عشوائية معرضين لبرد الشتاء وحر الصيف، وسبب ذلك حسب ما استقيناه من تصريحات، هو بطش المسؤولين وغياب المراقبة…، “نبراس الشباب” انتقلت إلى الجماعة ونقلت لكم حقيقة الأمر. غياب وثائق التعمير وعدم تسخير الرصيد العقاري لفائدة المؤسسات العمومية يحولان دون تنمية الجماعة “هاد المسؤولين دياولنا كون كانوا باغيين لينا الخير كون راهم تحزمو ودافعوا علينا فهاداك شي ديال مدن بدون صفيح لي كايضلو يكولوه فالتلفزة” بهذه الكلمات خرج أحد ساكنة الجماعة لإستقبالنا قبل أن يضيف واصفا معاناة سكان الجماعة، “لكن المشكل هو أن هؤلاء المسؤولين يريدون منا أن نظل وسط الأزبال والروائح الكريهة، بين صفائح “القزدير”، الباردة شتاء ا والحارة جدا في فصل الصيف، والذي تكثر معه العقارب والأفاعي والباعوض…إننا منسيون” يضيف بحسرة. “مواطنون منسيون” هم حقا سكان جماعة المنصورية، والتي لا تبعد عن مدينة المحمدية سوى ب500 متر، و تقع على الشريط الساحلي بين العاصمتين الرباطوالبيضاء، ويعيش % 80 منهم بدواوير تتشكل أساسا من دور إما “صفيحية” أو “طينية”. هذه الدواوير، أو ما يطلق عليها ساكنة المنطقة “أحزمة البؤس و العار”، تنطلق من دوار شاطئ الصنوبر، مرورا بدواوير ابن شقشق، الحجر، الفلاحة، الكوبانيا، الكوري، مكزاز، الموجودة بين الطريق الجهوية، رقم 322 على الشريط الساحلي بين المحمدية و بوزنيقة، وصولا لدواوير الشطبة، راس البغل، عين الجبوجة، النوايل، لودشيس “بني عامر” بين الطريق الوطني رقم 1 الرابطة بين ابنسليمان والمحمدية، و الواقعة جلها على أراضي تابعة للأملاك المخزنية، والأخرى للخواص، مما أدى إلى توالدها بسرعة فائقة خاصة مع التساهل الذي كانت تبديه الجهات المسؤولة بالمنطقة مع المترامين على الأراضي التابعة للدولة، حيث أصبح هناك متخصصون في هذه العمليات غير القانونية، يقول مصدر مطلع من داخل الجماعة ل”نبراس الشباب”. كما أن هذه الدواوير ال11 تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، فيما سكانها يعيشون أوضاعا اجتماعية واقتصادية مزرية، إضافة إلى مجموعة من المخلفات التي يمكن أن تنتجها مثل هذه التجمعات السكنية من “بطالة، و فساد وجرائم عدة بفعل تكدس السكان بها وظروف العيش المزرية للسكان”، يقول مصدر مسؤول ل”نبراس الشباب” و يستطرد موضحا، ”رغم المشاريع الصغرى المتكررة المنجزة بالدواوير من طرقات و أودية لتصريف المياه الآسنة، و كهرباء، و إنارة عمومية، ومستوصفات صحية… فإنها تعتبر مشاريع استهلاكية، متكررة الإنجاز”، وهي المشاريع التي تنفق فيها سنويا أموالا ضخمة من ميزانية الجماعة بدون مردودية تذكر، حيث، وحسب تصريحات بعض المهتمين بالشأن المحلي بالجماعة، فإنه إذا قام المرء بعملية حسابية للأموال التي التهمتها هذه المشاريع الصغرى المنجزة بالمنطقة من “ممرات و طرق وقنوات تصريف المياه وتشجير بعض المناطق..”، ما يقارب المليار سنتيم و هي المبالغ المالية التي لا يمكن أن يصدقها أي كان بفعل الوضعية المزرية التي يوجد عليها الدوار، نفس الأمر وقفت عليه “نبراس الشباب” بجميع الدواوير. كما أن مجموعة من هذه المشاريع ثم إنجازها بدواوير محكوم عليها بالزوال، بحكم تموقعها بمناطق سياحية بالشريط الساحلي كدوار ابن شقشق والكوري اللذان يجري الحديث حاليا عن إمكانية ترحيلهما لمشروع تعتزم العمران إنجازه بالقرب من مقر الجماعة علما “بأن الجهات المسؤولة تعي هذا جيدا، و هذه المبالغ المالية التي أنفقتها الجماعة في هذه المشاريع الصغرى والمتكررة الإنجاز، تقول مصادرنا، و بماركة سلطات الوصاية بالإقليم، والتي سيتم التخلي عن بعضها مستقبلا عاجلا أم آجلا”، كانت (مبالغ المشاريع) كافية لخلق تجزئات سكنية اقتصادية لفائدة سكان دور الصفيح، والبناء العشوائي مع خلق تصاميم نموذجية للبناء بالنسبة لملاكي الأراضي الفلاحية الصغيرة، تفسير ذلك حسب ذات المصادر، يتجلى في توفير سكن لائق لمواطني الجماعة من جهة، ومن جهة أخرى للحد من ظاهرة البناء العشوائي، و تفريخ دور الصفيح التي تساهم في الهجرة المعاكسة من المدينة إلى القرية والهجرة القروية من قرية بعيدة إلى قرية قريبة من المراكز الحضرية، خصوصا و أن الجماعة تتوفر على رصيد عقاري مهم من الأراضي التابعة للدولة. لكن رغبة بعض المسؤولين في إبقاء الحال على ما هو عليه للاحتفاظ بالمواقع من وراء ظاهرة انتشار البناء العشوائي، تضيف ذات التصريحات، التي أفادت بأن الجهات المسئولة ساهمت بشكل كبير في استفحال الظاهرة، “تارة عبر الترخيصات الغير قانونية، و تارة بتسليم تراخيص إصلاح رغم أن عمليات البناء تكون جديدة، و تارة بغض الطرف و تسليم رخص إيصال الكهرباء حتى قبل انطلاق عمليات البناء، أو إصدار أوامر شفوية بتوقيف بناء بعض المساكن دون سابق إنذار”. ومع التواطؤ الحاصل بالمنطقة وغياب مركز محدد، وعمليات تأخير إخراج تصميم التهيئة حيز الوجود تفيد مصادر مطلعة ل”نبراس الشباب”، أن الظاهرة لم تعد تقتصر على المواطنين البسطاء الذين يبحثون عن سكن لائق يقيهم قساوة برد الشتاء، وحرارة الصيف، بل امتدت إلى مشاريع السكنية الكبرى بالمنطقة التي تم الترخيص لها دون اعتماد المعايير القانونية والمساطر الإدارية المتبعة في هذا المجال، و التي منها ضرورة الحصول على موافقة الوكالة الحضرية المعنية بسبب عدم وجود تصميم تهيئة ينظم المجال، حيث أن من بين هذه المشاريع التي تحولت من مشاريع سياحية إلي مشاريع سكنية شبيهة ببرنامج “200 ألف سكن” و بعضها يقام حاليا على أراض تعتبر حسب تصميم التهيئة السابق مناطق خطرة و يمنع البناء بها لوجودها فوق مجاري تحت أرضية للمياه، و إحداها أقيم جزء منه فوق أرض تابعة للأملاك المخزنية، فيما تم الترخيص للبعض الآخر وسط أراضي فلاحية في الوقت الذي لا زال فيه تصميم التهيئة الجديد للجماعة برفوف الوكالة الحضرية للدار البيضاء ينتظر المصادقة رغم أن هذه المصادقة، تفيد بعض المصادر من داخل الوكالة، لم تعد قانونية، لتجاوزها الوقت القانوني و انتقال الجماعة من جماعة قروية إلى جماعة حضرية”، و هو الأمر الذي علق عليه أحد الساكنة ساخرا “أريد أن أعرف ما هي المقومات التي تجعل من المنصورية مدينة؟”، إضافة إلى مجموعة من المخلفات الخطيرة التي يعرفها مجال التعمير بالمنطقة التي ساهمت فيها هذه الظروف بشكل كبيير و دفعت بالمسئولين، حسب جواب الجماعة عن تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية حول التعمير، والذي رصد جملة من الخروقات، و كذا تورط عدد من أعضاء الجماعة في هذه الخروقات، باستعمال الفصل 48 من أجل الدفع بعجلة التنمية بالجماعة. وحول هذه الخروقات رفض أعضاء الجماعة الإدلاء بأي توضيح حول الموضوع، وظلوا يتهربون رغم اتصالاتنا المتكررة بهم إلى حدود كتابة هذه الأسطر. كما أن بعض الهواجس و علاقات المصالح المتبادلة جعلت بعض المسؤولين، حسب عدد من التصريحات، لا يفكرون في عواقب مخلفات هذه الخروقات والتجاوزات التي يقومون بها بتراب الجماعة في مجال التعمير و يشجعون على تنامي ظاهرة البناء العشوائي، التي استفحلت وأصبحت تشكل خطرا على السكان و بنية المنطقة و جماليتها، و تشويه مجال عمرنها، خصوصا ببعض شواطئ الشريط الساحلي الذي يعتبر المتنفس الطبيعي الوحيد لمدينة المحمدية، كشاطئ التلال و دافيد و سابليت وغيرهم. ورغم الخطابات الرسمية السامية للحد من الظاهرة، والمجهودات المبذولة من طرف الدولة للقضاء علي مساكن الصفيح و البناء العشوائي بالمغرب، فالحال على ما هو عليه و تظل كل هذه الخطابات خطابات “جوفاء” كما وصفها أحد الساكنة بجماعة المنصورية، كما أن الكوارث التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة ببعض المدن المغربية، بسبب خروقات وتجاوزات مماثلة في مجال التعمير، شجع المسئولين في التمادي في تشجيع الظاهرة حيث أصبحت المنصورية ورشا مفتوحا لكافة الخروقات وأضحت الدواوير تتفرع عنها دواوير أخرى جديدة، وأصبح بعض المنعشين العقاريين بالمنطقة “يقومون بما يحلوا لهم تحت ذريعة تشجيع الإستثمار” و المركب السكني “بالم بيتش” أكبر نموذج على ذلك. الصور بعدسة: حميد فوزي غياب المجتمع المدني: أجمعت أغلب المصادر التي استقت “نبراس الشباب” آراءها بخصوص تعدد البناء العشوائي، وخروقات الجماعة، على غياب المعادلة المدنية في هذا الملف، إذ لا يسجل في استثناءات معدودة تدخل المجتمع المدني للتصدي للظاهرة. ويرى أكثر من مصدر أن أغلب مكونات المجتمع المدني بجماعة المنصورية، “خارج التغطية” و هذا لا يعني أنها متواطئة دائما وفي جميع الحالات، و إنما اعتبر السياسة وغير السياسة تدفعها إلى التزام الصمت، و إيثار “الحياد السلبي”، تجاه ما يحدث من تجاوزات وخروقات في تدبير الشأن المحلي بالمنصورية. وترجع أغلب المصادر سبب هذا الحياد إلى حقيقة واحدة مفادها أن أغلب الناشطين في تنظيمات ومكونات المجتمع المدني يعتبرون أعضاء أو “مناضلين” في شبيبات مجموعة من الأحزاب المشكلة للأغلبية الجماعية، الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم، في إطار “التضامن الجماعي”، على وزن “التضامن الحكومي”، التدخل في مثل هذه الملفات أو حشر أنوفهم فيها خوفا من “غضب” القيادة، و انتهاجها في إطار الإنتقام من سياسة الإقصاء والتهميش في حقهم.