الوزير السّعدي يترأس بالمضيق إفطارا رمضانيا لشبيبة الأحرار    تشكيلة منتخب المغرب أمام تنزانيا    تطوان: توقيف شخصين تورطا في نشر أخبار زائفة ومحتويات رقمية تحرض على تنظيم الهجرة غير المشروعة    المغرب وإسبانيا يحققان تعاونا تاريخيا    أمام مجلس الأمن.. المغرب يفنّد ازدواجية الخطاب الجزائري حول الصحراء المغربية وحقوق الإنسان    وزارة الداخلية تعلن عن انتخابات جزئية في 151 جماعة    الأرصاد الجوية: استقرار أجواء الطقس بالمغرب سيتم تدريجيا خلال الأيام المقبلة    بعدما أثار الجدل.. قانون الإضراب يُنشر بالجريدة الرسمية ويدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر    تبرئة رئيس الفيفا السابق بلاتر وبلاتيني في قضية فساد    ميناء طنجة المتوسط يتقدم في الترتيب العالمي للموانئ    ألمانيا تسحب شحنة فلفل مغربي لاحتوائها على كميات مفرطة من مبيدات حشرية    طنجة.. توقيف مواطن فرنسي من أصول مالية متورط في محاولة للقتل والابتزاز واستعمال الأسلحة النارية    لقاء رمضاني بتطوان يجمع الوكالة الحضرية والمفتشية الجهوية والمهندسين المعماريين حول تحديات التعمير المستدام    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية اليونان بمناسبة العيد الوطني لبلاده    أداء سلبي ينهي تداولات البورصة    بنموسى: المندوبية السامية للتخطيط ستجري بحثين وطنيين حول استعمال الزمن والأسرة في 2025    تعادل ثمين لمنتخب الأردن في كوريا    الدورة الثلاثون للمعرض الدولي للنشر والكتاب فضاء لمواصلة السعي الواعي إلى النهوض بالكتاب والقراءة (بنسعيد)    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تضم مغربيين.. تفكيك شبكة تزور شهادات السكنى بألميريا لفائدة المهاجرين    ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة إلى 792 قتيلا، والاحتلال الإسرائيلي يخطط لهجوم بري كبير    اكتشاف سلالة مغربية من "بوحمرون" في مياه الصرف الصحي ببروكسل    خطير.. إصابة طفلة ب"السيدا" بعد عملية جراحية ومطالب بالتحقيق العاجل    الدورة العشرون للمهرجان الدولي للرحل.. محاميد الغزلان تتحول إلى ملتقى عالمي يجمع الفنانين    الأطر الصحية بمراكز طب الإدمان بجهة طنجة تتخوف من عودة انقطاع "الميثادون"    دي ماريا يسخر من تصريحات رافينيا قبل مباراة الأرجنتين والبرازيل    مشاهد جريئة تضع مسلسل "رحمة" في مرمى الانتقادات    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    بعد تداول تصريحات منسوبة إليه.. عمرو موسى يوضح موقفه من المغرب وينفي الإساءة    حوض سبو.. نسبة ملء السدود تفوق 50 في المائة إلى غاية 25 مارس    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    دراسة: الخلايا السرطانية تتعاون من أجل البقاء على قيد الحياة    تركيا.. القبض على 41 متهماً ب"شتم أردوغان وعائلته"    الاتحاد الأوروبي يعزز الدعم العسكري لموريتانيا في إطار مكافحة تهديدات الساحل    الصين وتايلاند يجريان تدريبات بحرية مشتركة    القضاء الهولندي يلغي قرار إسقاط الجنسية عن المغاربة المدانين بالإرهاب وينتصر لهم    الوزيرة السغروشني: التحول الرقمي في التعليم يحتاج إلى تعبئة جماعية وتنسيق فعال    أسعار الذهب تتراجع مع صعود الدولار لأعلى مستوى منذ أكثر من أسبوعين    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    رئيس الجامعة الملكية المغربية للدراجات يحضر الجمع العام لعصبة جهة الشرق بوجدة    زلزال عنيف بقوة 6,7 درجات قبالة سواحل الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    موعد مباراة أسود الأطلس ضد تنزانيا في تصفيات كأس العالم والقنوات الناقلة    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    ملياري شخص غير مشمولين في إحصاءات عدد سكان الأرض    الخلوي: "الدوري الإماراتي تنافسي"    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    قمة التناقضات: الجزائر وجنوب أفريقيا تدعمان حق تقرير المصير في الصحراء المغربية لكن ترفضان تطبيقه في أراضيهما    بعد 17 شهرا من الزلزال... النشاط السياحي في "الحوز" يتحسن ب48 في المائة بداية 2025    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    مراكش تحتضن كأس العالم لسلاح سيف المبارزة ما بين 27 و30 مارس    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البناء العشوائي يكتسح فحص أنجرة المستباحة من طرف المنعشين العقاريين
في ظل استمرار عمليات «السطو المُنظَّم» على الأراضي السلالية
نشر في المساء يوم 15 - 10 - 2010

في الطريق إلى قرية «النوينويش»، التابعة للنفوذ الترابي لجماعة فحص -أنجرة لا مؤشرات تدل على وجود هذه القرية، التي كانت، إلى وقت قريب، صغيرة وسكانها يُعَدّون على رؤوس
الأصابع، وبعض مساكنها مبنية بالطين وأخرى بالصفيح. اليوم، تتغير معالم هذه القرية، بسبب زحف مشاريع سكنية تنتصب على مدخلها. فهناك فيلات ومجمعات سكنية تطل مباشرة على البحر، وكل منطقة تطل على البحر تساوي ذهبا، وأيضا تواطؤات وبناء عشوائيا وهلم فسادا.
خلال السنوات الأخيرة، تحولت قرية «النوينويش» إلى ما يشبه مدينة صغيرة فيها جميع مقومات الحياة الضرورية. فهناك الفيلا الفخمة إلى جانب الكوخ المبني بالطين، وهناك البناية المرخَّص لها إلى جانب البناية العشوائية التي «بُنيت بليل»، أو التي بنيت بالنهار، لكن عيون السلطة كانت «مغمضة»...
لا تبعد قرية «النوينويش» كثيرا عن المدار الحضري، ومع ذلك، فإن المساكن العشوائية بدأت تنتشر وسطها، بشكل ملفت، كما أنه لم يعد هناك أثر كبير للمنازل البدوية التقليدية التي كانت تؤثث فضاء هذه القرية، حيث هُدّمت جميعُها، تقريبا، وشُيِّدت مكانها بنايات عصرية، أحيانا وفق القانون، وأحيانا أخرى، بطريقة «ملتبسة».
ورغم أن هناك قرارا بعدم منح أي رخصة بناء في الجماعات التابعة لمنطقة فحص -أنجرة، منذ سنة 2004، لأن تصميم التهيئة لم يَتمَّ الحسم فيه بعدُ من قِبل المصالح التي تنجزه، فإن عمليات البناء مستمرة ومتواصلة في هذه القرية وغيرها من القرى المجاورة. وعلى الرغم من أن مديرة الوكالة الحضرية في طنجة تؤكد أنه لا تعطى أي رخصة على الإطلاق من أجل إضافة طوابق إضافية في هذه المنطقة وفي غيرها من المناطق المجاورة، فإن الطوابق الإضافية تكاد «تنبت» في كل مكان, أمام مرأى الوكالة الحضرية والسلطات والجماعات المنتخَبة، ولا من يحرك ساكنا...
قرى عشوائية
لا يتركز البناء العشوائي في فحص -أنجرة في منطقة دون غيرها. ففي منطقتي «عين مشلاوة» و»الهرارش»، اللتين كانتا، إلى عهد قريب، تابعتين للمدار القروي، وبالضبط لجماعة البحراويين، قبل أن تلتحقا بالمدار الحضري في التقسيم الترابي الأخير، هناك فوضى كبيرة في مجال البناء العشوائي، وبمجرد انضمام الجماعتين إلى الوسط الحضري، باشرت السلطات المحلية عمليات هدم المنازل العشوائية، لأن الجماعتين شهدتا اكتساحا كبيرا للبناء العشوائي، رغم أن معايير منح الترخيص في هاتين المنطقتين كانت متشدَّدة ويصعب استصدار رخصة منها. لكن مصادر من المنطقة أكدت ل«المساء» أن قائدا سابقا في المنطقة كان له دور كبير في انتشار المباني العشوائية، إلا أنه لم يتعرض لأي إجراء تأديبي من قِبَل السلطات المحلية.
أمام هذا الوضع، تقول مصادر في الوكالة الحضرية، إنه سيتم إجراء تحقيق في جماعتي «البحراويين» و«العوامة»، لتحديد الدور السكنية العشوائية، التي لا تتوفر على ترخيص قانوني، وكذا دراسة الوضع وتقييمه في هذه المنطقة، من أجل اتخاذ القرارات المناسبة في حق المخالفين. لكن هذه المصادر لا تحدد بالضبط متى سيبدأ البحث والتقصي في حالات البناء العشوائي، وربما سيتم الاعتماد على مقولة «كم حاجة قضيناها بتركها»، وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث.
كانت فضائح البناء العشوائي قد «تفجّرت» في هذه المناطق مباشرة بعد إلحاقها بعمالة طنجة -أصيلة، حيث اكتشف المسؤولون عددا من المساكن العشوائية في دواوير (الخرب، عين مشلاوة، العوامة، الهرارش والشجيرات)، قبل أن يصدر قرار بهدم هذه المباني المخالفة للقانون، لكن في الوقت الذي تم تدمير المنازل، فإنه لا أحد سمع أن عقوبات صدرت في حق رجال سلطة يمكن أن يكونوا قد تورطوا في ذلك.
في جماعة البحراويين، هناك قرية أخرى تسمى «بني واسين»، ويؤكد سكان هذه الجماعة أن البناء العشوائي غيَّر مَعالم قريتهم ويتحدثون عن لجان دورية تأتي إلى جماعتهم, من أجل مراقبة البناء العشوائي، لكنهم لا يعرفون نتائج ذلك، وكل ما يعرفونه أن ذلك يبقى بلا أثر. ويوجه هؤلاء السكان رسالة واضحة إلى السلطات تقول: «تعالوا إلى هنا، لتحصوا المخالفات، وستكتشفون أشياء مريبة وخطيرة»... يقول أحد سكان المنطقة: «إن مسؤولين في السلطة والجماعات المنتخَبة ظلوا يشجعون البناء العشوائي في المنطقة، رغم أن هناك قرارا بعدم البناء فيها، باستثناء أماكن محدودة جدا». وأضاف: «هناك مخطط لتحويل قرية «بني واسين» إلى فضاء إسمنتي، بعدما كانت قرية تنعم بالهدوء والسكينة».
حلول ترقيعية
في سنة 2004، أصدر عامل إقليم فحص -أنجرة تعليماته لجميع رؤساء الجماعات برفض جميع رخص البناء والإصلاح والزيادة في الطوابق، وخاصة على مستوى الجماعات القروية المطلة على البحر. لكنْ اليوم، وبعد مرور ست سنوات على ذلك القرار، يبدو أن جميع «الطّراكساتْ» الموجودة في طنجة ونواحيها لن تكفي لهدم كل البنايات التي خالفت القانون أمام أعين الجميع، في تحدٍّ واضح للسلطات، بل إن السلطة لو تحركت لمعاقبة المتورطين، فإنها ستجد نفسها أمام شبكة متكاملة من المنتخَبين ورجال السلطة وتجار العقار ومافيات نهب الأراضي.
كان قرار منع البناء أو إضافة طوابق إضافية في المناطق القريبة من البحر بمبرر أن العمالة تدرس إعداد تصميم تهيئة يشمل جميع المناطق المحاذية أو القريبة من البحر، يضاف إلى تصميم التهيئة الذي تعده الوكالة الخاصة طنجة -المتوسط، التي تدير الميناء الجديد، حيث تتخوف السلطات من تنامي البنايات السكنية على البحر أو القريبة منه، مما يدفع السلطة إلى نزع ملكيتها عندما تتقرر إقامة مشروع صناعي أو سياحي في المنطقة.
وقد خلق هذا الوضع، لعدة سنوات، ارتباكا واضحا لدى الجماعات القروية، خاصة أن السكان المحليين يحتاجون إلى توسعة منازلهم أو بناء بيوت جديدة، نتيجة التكاثر السكاني الطبيعي، الذي تعرفه المنطقة. وأمام هذا المنع، تفشّتْ ظاهرة البناء العشوائي بالطرق المتعارف عليها. وقد حاولت السلطات هدم بعض البنايات القريبة من الشواطئ، لكنها لم تتمكن لا من معالجة المشكل وتوقيف البناء العشوائي، ولا هي قدمت للسكان المحليين بديلا ملائما، بل إنها لم تعد مخططها للتهيئة العمرانية إلى حد الآن، مما خلف جمودا سلبيا على هذا المستوى. وأكثر من هذا، فإنه في مقابل هدم بعض المباني العشوائية، فإنه لا تتم بالمرة معاقبة المتورطين من أفراد السلطة والجماعات المنتخَبة. أمام هذا الوضع السريالي، لم يعد الناس يستطيعون البناء وفق القانون، ولا رؤساء الجماعات يملكون حق الترخيص بالبناء، ولا العمالة قامت بما يَلزَم وأعدت تصميم التهيئة، لتحدد به المناطق الممكن البناء فيها، ولا الفساد الإداري والسلطوي توقف...
غموض وتلاعبات
في عدد من جماعات فحص -أنجرة، هناك، إذن، وضع غريب يستمر منذ سنوات، لأن من يتحكم في المجال الترابي لهذه الجماعات هو الوكالة الخاصة لطنجة المتوسط، والجماعات المنتخبة لا تستطيع إعداد مخططاتها التنموية ولا تهيئة مجالها الترابي، بل إنها لا تستطيع برمجة أي شيء على ترابها إلا بموافقة أو بمبادرة من الوكالة، مما يجعل المنتخَبين مجرد أعضاء في مجلس لا يستشار فيه أي أحد ولا يقوم بأي شيء يهم المجال التنموي والترابي في الإقليم.
يشكو سكان هذه الجماعات، من جهتهم، من تأخر خروج تصميم التهيئة الخاص بالمنطقة إلى الوجود، بسبب التغييرات التي تطرأ عليه في كل مرة، وهو ما يؤخر في نظرهم، عملية التنمية داخل جل هذه الجماعات، بالإضافة إلى أن عدم وجود وثائق التعمير في المنطقة يخلق عددا من المشاكل، منها وجود بنايات ومشاريع بدون رخص، مما يقوي عمليات الفساد، وهو فساد يظل، في غالبيته، بدون أي عقاب.
في ظل افتقاد فحص -أنجرة لمخطط واضح للتعمير، فإن أراضي المنطقة صارت مستباحة لعدد من المنعشين العقاريين الذين يفكرون في إقامة مشاريعهم السكنية فيها، ذلك أنها ستشهد خلال السنوات القليلة المقبلة طفرة صناعية وتجارية كبرى، بسبب وجود الميناء المتوسطي، وهو ما جعل عمليات نزع الملكية تتسع مثل بقعة زيت. والغريب، أن مناطق شاسعة صارت تروج حولها إشاعات كثيرة حول نزع الملكية، مما جعل شكوك الناس تكبر، حيث أضحت هذه الإشاعات بمثابة إرهاب نفسي، لجعل الناس ينزحون عن أراضيهم أو يتخلون عنها لأول مُشتَرٍ...
وقد قالت مديرة الوكالة الحضرية في طنجة، حفيظة أعراب، ل«المساء» إن هناك أشخاصا في هذه المنطقة يريدون تجاوز القانون في مجال التعمير، مؤكدة على ضرورة احترام المساطر المعمول بها في الحصول على الرُّخَص وحذرت، في المقابل، أي شخص يحاول الحصول على الرخص بطريقة ملتوية، متجاوزا الطرق القانونية في الحصول عليها. لكن يبدو أن هذه السيدة «حالمة» أكثر من اللازم وتمارس «الرومانسية الإدارية» على طريقتها، لأنها لو قررت، مرة، أن تتجول في مناطق فحص -أنجرة فستعرف أن تحذيرها لا يساوي شيئا، لأن التحذير شيء، والواقع شيء آخر تماما...
نهب مستمر للأراضي السلالية
ليس البناء العشوائي وحده الذي يكتسح جماعات منطقة فحص -أنجرة، بل إن المنطقة تتعرض لما هو أخطر من ذلك، ويتعلق الأمر بالنهب والترامي على أراضي الجموع، كما حصل مع جماعة «النوينويش»، عندما سيطرت شركة شهيرة على جزء كبير من أراضي الجموع في المنطقة، مقابل أن تعوض أصحابها بمبالغ مالية، غير أن السكان يقولون إنهم لم يتسلموا أي مبلغ من هذه المؤسسة العقارية.
ويتحدث سكان هذه القرية الصغيرة عن عمليات نهب كبيرة ومستمرة تستهدف أراضيهم في المنطقة، بإيعاز من بعض المنتخَبين ورجال السلطة، الذين يشاركون، حسب السكان، في عمليات السطو على أراضي الجموع وتفويتها للخواص، مقابل مبالغ خرافية...
ينضاف الفساد الإداري وتورُّط المنتخَبين، اليوم، إلى المعاناة المستمرة لسكان فحص -أنجرة. ففي الماضي، كان سكان هذه المناطق يعانون فقط من مشاكل معيَّنة، مثل وضعهم الاجتماعي وتردّي الخدمات الصحية والتعليمية، بالإضافة إلى غياب شبه تام للبنيات التحتية، كالطرقات والمؤسسات العامة التي تساهم في عزلتهم عن العالم الخارجي، خصوصا في فصل الشتاء. لكن، اليوم، صارت المعاناة أكبر وأشدّ، لأن السكان صاروا مهدَّدين في أثمن شيء يملكونه، وهو أرضهم التي لا يمكن أن يعيشوا بدونها، لذلك فهم يطالبون، اليوم، بأمر واحد، وهو عدم الاقتراب من أراضيهم، التي تحولت إلى «فريسة» في يد المؤسسات العقارية و«مافيات» من مختلف الأشكال والأنواع، خصوصا أن عمليات تفويت أراضي واسعة لمؤسسات عقارية وسياحية تتم باستمرار، وهو ما يجعل السكان يعيشون قلقا «وجوديا» حقيقيا، لأنه في أي وقت يمكن طردهم من أراضي آبائهم وأجدادهم، لكي «تستوطن» فيها شركات عقارية عملاقة من داخل المغرب أو خارجه.
والغريب، بل المدهش، أن الكثير من عمليات انتزاع الملكية من السكان خلال السنوات الأخيرة تمت لفائدة مقاولات عقارية أو سياحية خصوصية، بينما من المفروض أن نزع الملكية يكون فقط في حالة المشاريع ذات الصبغة العمومية، حتى تكون سليمة قانونيا، أي أن نزع الملكية يكون من أجل المصلحة العامة المباشرة للمواطنين، مثل إنشاء طرق أو قناطر أو سكك حديدية أو موانئ أو مطارات أو مدارس أو مستشفيات، لكن أن يتم نزع الملكية وأخذ أراضي الناس التي توارثوها أبا عن جد وتسليمها لمقاولات عقارية تهدف، في الأول والأخير، إلى الربح وكسب الملايير، فهذا ما يمكنه تسميته «العجب العجاب». وأكثر من هذا العجب، فإن المشاريع التي تقام فوق الأراضي المنتزَعة من أصحابها لا تشغّل بتاتا أبناء تلك المناطق، وهذا يمثل «كابوسا» حقيقيا للسكان المحليين.


احتجاجات وشكاوى تقابلها وعود وحالات فوضى صارخة تغفل عنها السلطات
رغم احتجاجات وتنديدات السكان بعمليات السطو المنظَّمة التي تستهدف أراضيهم، فإن «صراخهم» لا يتجاوز قراهم، مما دفع بعض الجمعيات التي تنشط في إقليم فحص -أنجرة إلى مطالبة وزارة الداخلية بإرسال لجنة تحقيق إلى المنطقة، للتقصي في حقيقة نهب الأراضي الجماعية من قِبَل مؤسسات عقارية، دون أن يتم تعويض السكان.
وأكدت مصادر من داخل الوكالة الحضرية ل«المساء» أن مؤسسة «العمران» فُوتت لها قطعة أرضية كبيرة، مقابل دفعها مصاريفَ مكتب الدراسات الذي يضع مخطط إعادة هيكلة منطقة «النوينويش»، غير أنه لا أثر لهذا المخطط على أرض الواقع، لأن المنطقة ما زالت على حالها، باستثناء بعض المشاريع السكنية التي «نبتت» في مدخل هذه القرية.
غير بعيد عن منطقة «النونيويش»، يقوم دوار «المنار»، التابع لجماعة «البحراويين»، وقد راسل سكان هذا المدشر الوالي محمد حصاد, أكثر من مرة يشتكون ويتهمون «العمران»، التي انتزعت أراضيهم الجماعية مقابل تعويض أشخاص آخرين لا علاقة لهم بالجماعة السلالية، وطالبوا في شكايتهم، التي توصلت «المساء» بنسخة منها، بوقف عملية التعويض، حتى يتم التأكد من السكان الأصليين الذين انتزعت أراضيهم.
في هذه المنطقة، يتحدث السكان عن وجود «لوبي» بين مسؤولين في السلطة، يعمل أحدهما في المنطقة منذ أزيد من عشرين عاما، وبين مسؤول كبير في هيئة اقتصادية وتجارية في طنجة.
وكانت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين في طنجة قد طالبت، أكثر من مرة، بفتح تحقيق في ملف أراضي الجموع التي تُنهَب في منطقة فحص -أنجرة، خاصة في جماعتَي «البحراويين» و«الجوامعة» وغيرهما، حيث يتم تفويت مئات الهكتارات لفائدة الخواص، بطرق ملتوية- قبل أن يتم بيعها لأشخاص محترفين في قرصنة الأراضي السلالية، في ظل السباق المحموم من أجل تملُّك الأراضي قبل انطلاق مشاريع البناء في مدينة «شْرافات».
وفي منطقة «فدان سْعيدي»، يتحدث السكان عن تفويت أراض لأشخاص معروفين، بينهم رجال سلطة، حيث يتداول السكان كلاما عن رجل سلطة يتوفر على قطع أرضية في هذه المنطقة، بعضها مسجَّل باسم زوجته... كما يتحدث السكان عن سائق في الجماعة تم منحه قطعة أرضية من أراضي الجموع، بطريقة ملتبسة، بهدف تلقي تعويض من الجهات التي استحوذت على الأرض. ويشير السكان إلى أن بعض المكاتب الرسمية تحولت إلى ما يشبه مكاتب للسمسرة والبيع والشراء.
ويتداول السكان، بمرارة، حكايات أخرى عن تصرفات «مُريبة» لرجل سلطة كان يعمل مع مسؤول كبير في عمالة فحص -أنجرة، عندما كانا معا في مدينة جنوبية، وعن أن هناك مسؤولا جماعيا يمنح الشهادات الإدارية لأشخاص يسطون على أراضي الجموع، ولكل شيء «ثمنه»...
أمام كل هذا، لا يبدو أن سلطات ولاية طنجة أو سلطات عمالة فحص -أنجرة كلفت نفسها، يوما، عناءَ الاستماع إلى كلام السكان وإلى التفاصيل «الدقيقة» التي يروونها. فإذا كانت السلطات لا تعلم بما يجري في هذه المناطق، فتلك مصيبة، وإذا كانت تعلم فالمصيبة أعظم!...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.