تعيش المحافظة العقارية في عمالة فحص أنجرة في طنجة وضعا غريبا، بالنظر إلى أنها تمنع، حسب بعض المعنيين، تحفيظ الأغلبية الساحقة من الأراضي التي يتقدم أصحابُها بطلبات التحفيظ، لأسباب غير مفهومة، حيث لا تقدم إدارة المحافظة أي تفسير لذلك. وفي الوقت الذي تزايدت عمليات الاستيلاء على أراضي الجموع وبيعها لخواص، وهو ما يُدرّ على أصحابها مبالغ خيالية، فإن أشخاصا بسطاء من الذين توارثوا أراضيهم أبا عن جد يجدون أنفسهم أمام معضلة حقيقية حين يريدون تحفيظ أراضيهم الخاصة. وتفيد شهادات عدد من السكان في منطقة فحص أنجرة بوجود شبكات إجرامية مختصة تعمل على الاستيلاء على أراضي الجموع والأراضي السلالية وتحفيظها، بتواطؤ مع جهات نافذة لها علاقات «أخطبوطية» خارج القانون. وقالت مصادر مُطّلعة في المنطقة إن أشخاصا لهم ارتباطات بتجارة المخدرات يتواطؤون مع إداريين ومنتخَبين ومسؤولين من أجل الاستيلاء على أراضي الجموع. وتشير هذه المصادر إلى أن هناك أراضي تم تحفيظها وبيعت بالملايير، من بينها قطعة أرضية مساحتها عدة هكتارات بيعت، مؤخرا، في منطقة «البحراويين» بأزيدَ من نصف مليار سنتيم، والتي كانت في الأصل تابعة لأراضي الجموع. وفي منطقة «ملوسة»، يبدو الوضع مثيرا إلى درجة أن أشخاصا توارثوا أراضيهم بوثائقَ قانونية منذ عهد الحماية الإسبانية، تَعرّضوا لمحاولة سلبهم أراضيهم. وكان سكان قرية «عين الحمرا»، قد وقعوا على عريضة جماعية من أجل إقالة نائب الجماعة السلالية، الذي يُتَّهم بأنه سهل عملية تحويل أراضي الجموع إلى أراض خاصة. كما أن الجماعة القروية «ملوسة» رفضت من قبلُ تسليم ورقة إدارية لشخص يملك قطعا أرضية في «عين الحمرا»، والتي حاول شخص معروف بارتباطاته بمهربين للمخدرات، الاستيلاء عليها، بل إنه تقدم بطلب البناء فوقها، وكان رئس الجماعة القروية على وشك تسليمه رخصة البناء، لولا تدخلٍ في آخر لحظة من طرف صاحب الأرض الأصلي ليمنع فضيحة مجلجلة. ويبدو الوضع الذي تعرفه عمالة فحص -أنجرة مثيرا للاستغراب. ففي الوقت الذي توضع عراقيل كثيرة أمام الراغبين في تحفيظ أراضيهم، فإن مسؤولا سلطويا في جماعة «البحراويين»، التي تضم مناطق «النوينويش» و«بني واسين»، يشاهَد باستمرار في مقر المحافظة العقارية في بني مكادة، لأسباب مرتبطة بتحفيظ أراضٍ في المنطقة. وتطرح زيارة هذا المسؤول لمقر المحافظة تساؤلات كثيرة حول دواعيها، خصوصا وأنه يُشاهَد بشكل شبه يومي في مقر المحافظة. وكانت السلطات الولائية في طنجة قد اكتشفت من قبلُ خروقاتٍ كثيرةً في مناطق تحولت من المدار القروي إلى المدار الحضري، حيث تم بناء الكثير من الدُّور والأحياء العشوائية، وتم تحويل أراضي الجموع إلى الخواص، غير أن السلطات لم تتخذ إلى حد الآن أي إجراءات في حق المتورطين. وتحولت الأراضي في منطقة فحص أنجرة من أراض مهملة وبلا أدنى قيمة تقريبا، إلى بضاعة حقيقية تساوي الذهب، بعد المشاريع التي أصبحت تعرفها المنطقة، مما جعل شبكات النصب والاحتيال وشبكات المخدرات تتخصص في تحفيظها وبيعها، مستغلة جهل السكان وعزلتهم. ويتحدث السكان في المنطقة عن مسؤولين لا يتورعون بدورهم عن اقتناء أراض كثيرة في المنطقة، بطرق مختلفة، وعن مسؤولين ومنتخَبين يسجلون هذه الأراضي بأسماء زوجاتهم أو أقربائهم، كما أنهم يعمدون إلى شراء أراض وتركها، مؤقتا، في اسم البائع حتى لا يثيروا الانتباه. ويبدو اليوم أنه من اللازم أن تقوم لجنة تحقيق من وزارة الداخلية بزيارة المنطقة للتقصي في الاغتناء الفاحش لمسؤولين ومنتخَبين في المنطقة، من خلال السمسرة في الأراضي وتحويلها بطريقة غير شرعية من أراضي الجموع إلى أراض خاصة، بتواطؤ عدة أطراف تتكامل أدوارها، بمن فيهم عدول فاسدون. ويتابع الوكيل العام في محكمة الاستئناف حاليا شبك عدد من أفرادها عدول، بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق من أجل الاستيلاء على أراض سلالية تزيد مساحتها على 100 هكتار، قريبة من مضيق جبل طارق في منطقة فحص -أنجرة. وبالإضافة إلى ما تعرفه المنطقة من نهب لأراضي الجموع، فإن هناك ظاهرة على قدر كبير من الخطورة وهي تناسُل البناء العشوائي أمام عيون المسؤولين والمنتخَبين، بما فيها معامل بُنيت بدون رخصة، بالإضافة إلى أحياء كاملة، بعضها يضم فيلات. وقد سبق للسلطات المحلية في منطقة فحص -أنجرة أن أصدرت قرارا بمنع تراخيص البناء في معظم الجماعات التابعة لهذه العمالة، إلا في حالات قصوى، تمهيدا لإعداد مخطط تصميم التهيئة، غير أن هذه السلطات والجماعات المنتخَبة هي نفسُها التي تتواطأ بإغماض العين عن خروقات التعمير في المنطقة، إلى درجة أن أي منزل بسيط يتعرض للهدم مباشرة، فيما يتم إغماض العين عن بناء فيلات ومنازل بل وأحياء عشوائية بكاملها... وخلال الأيام الماضية، خلقت سلطات فحص -أنجرة فضيحة حقيقية عندما هدمت محلا صغيرا جدا في منطقة ملوسة، بدعوى أنه غير مرخَّص له، وبدعوى قربه من فيلات ومنازل بُنِيت بطريقة مخالفة للقوانين، بما فيها منازل بُنيت مؤخرا في نفس المنطقة التي تخضع لنزع الملكية من أجل إقامة منطقة صناعية، وهي منازل «نبتت» أمام أنظار الجماعة القروية والسلطات. وتعيش منطقة فحص -أنجرة حاليا وضعا غريبا جدا، فبالموازاة مع المشاريع العملاقة التي تعرفها المنطقة، فإن هناك التباسا كبيرا في طبيعة مسؤوليها ومجالسها المنتخَبة.