عندما ألقى الدرك الملكي في طنجة القبض مؤخرا على زعيم شبكة للمتاجرة في أراض محاذية لمضيق جبل طارق، فإن حلقة مثيرة ومهمة من تاريخ الاحتيال انتهت، أو يفترض أن تنتهي في الأيام القليلة المقبلة. وجاء إلقاء القبض على «أ. ل»، بعد شهور طويلة قضاها الآلاف من سكان منطقة «الزّرارع»، على بعد 30 كيلومترا شرق طنجة، وهم يبحثون عن وسيلة يستطيعون بواسطتها إيصال صوتهم إلى الجهات الوصية في طنجة، بسبب تعرض أراضيهم السلالية للنهب من طرف شبكة محترفة تقوم بطلب تحفيظها ثم تعرضها بعد ذلك للبيع داخل المغرب وخارجه. وبدا لافتا أنه بعد الشروع في إقامة مشروع ميناء طنجة المتوسطي، فإن عددا من الأنشطة غير المشروعة في المنطقة، مثل الهجرة السرية ، تراجعت بشكل كبير، مما دفع عددا من الشبكات إلى البحث عن أنشطة موازية، فظهرت إلى الوجود عمليات مكثفة للاستيلاء على أراضي الجموع وطلب تحفيظها بأسماء خاصة وإعادة بيعها بأسعار باهظة. ودفعت الطفرة الاقتصادية التي تعرفها المنطقة إلى تهافت عدد من المستثمرين داخل المغرب وخارجه من أجل اقتناء أراض قريبة من الميناء المتوسطي، غير أن أغلب هذه الأراضي هي في ملكية جماعات سلالية توارثتها بشكل جماعي أبا عن جد، لذلك فإن بيعها يعتبر بمثابة بيع لتاريخ المنطقة ومستقبل أبنائها. وكما يحدث غالبا في مثل هذه الظروف، فإن محتالين كثيرين ظهروا وجربوا كل الوسائل من أجل محاولة تحفيظ أراض وبيعها لمستثمرين مغاربة وأجانب، كما استغل عدد من أصحاب السلطة والنفوذ سلطتهم من أجل ترهيب السكان ودفعهم إلى بيع أراضيهم أو التخلي عنها مقابل تعويضات بسيطة بدعوى أن مشاريع عمومية ستقام عليها، في الوقت الذي تتم المضاربة فيها وإعادة بيعها لخواص وجني أرباح كبيرة من وراء ذلك. ومنذ عدة أشهر، ظهرت على عدد من المواقع على شبكة الإنترنيت إعلانات لبيع مئات الهكتارات من الأراضي الموجودة على مضيق جبل طارق، ووصف البائعون أنفسهم بأنهم ملاّك هذه الأراضي، بينما الجماعات السلالية التي تمتلك هذه الأراضي لم تتوقف عن كتابة رسائل وشكاوى وبعثها إلى سلطات طنجة، بما فيها السلطات القضائية وولاية طنجة والسلطات الأمنية، تحذر فيها من تعرض مئات الهكتارات للنهب. وتشكل منطقة «الزّرارع» نموذجا مثاليا للطريقة التي تتعرض فيها أراضي المنطقة للنهب، حيث تقوم شبكات محكمة التنظيم بتبادل الأدوار والمهام فيما بينها من أجل تحويل أراضي الجموع إلى أراض خاصة عن طريق التزوير والتدليس. وكانت المحافظة العقارية في عمالة فحص أنجرة توصلت بطلب تحفيظ مئات الهكتارات من هذه الأراضي، وقبلت مطلب التحفيظ، على الرغم من أن متزعم الشبكة كان موضوع مذكرة بحث أمنية. وعلى الرغم من أن الأمن في طنجة ألقى القبض في وقت سابق على مسؤول هذه الشبكة، فقد أطلق سراحه بعد ذلك، على الرغم من أن عامل عمالة فحص بني مكادة السابق كان بعث برسالة إلى الجهات الأمنية يصف فيها زعيم الشبكة بأنه «يشكل خطرا على النظام العام». وكان الكثير من المواطنين البسطاء الذين اشتروا قطعا أرضية صغيرة في المنطقة منذ أزيد من 10 سنوات، تعرضت مطالب تحفيظ أراضيهم للرفض بعد أن أدوا رسوم التحفيظ في محافظة عمالة فحص بني مكادة، بسبب وجود مطلب تحفيظ من طرف هذه الشبكة التي طالبت بتحفيظ مئات الهكتارات. وهناك شخص دفع 5 ملايين سنتيم من أجل تحفيظ أقل من 3000 متر مربع، وتم رفض طلبه من طرف إدارة محافظة الأملاك العقارية بعمالة فحص أنجرة، على الرغم من أنه اشترى أرضه من خواص منذ حوالي 10 سنوات.