أول ما يشد الانتباه عند خروجنا من المدينة العتيقة عبر باب العقلة هو بناية عتيقة، شامخة، بباب خشبي أخضر، مزخرف على طريقة ابواب المنازل«العربية»القديمة ، و نوافذ عالية على عهد البناء الاندلسي العريق. هي مدرسة الصنائع و الفنون الوطنية بتطوان، والتي تم إحداثها سنة 1919 من طرف رجل التراث الحاج عبد السلام بنونة، و الفنان المشهور ماريانو بيرتوشي قصد تجميع الحرف و الفنون الوطنية عبر ربوع المملكة و المحافظة عليها بعهد ناهز قرنا من الزمن. و لعل تشارك الجميع في بلورة هذا التراث التاريخي، و الذي يعتبر ثروة حقيقية و قيمة، دفع بالساهرين على هذه المدرسة بالعمل على المحافظة على روح منهجية التكوين الحرفي و ذلك بإدخال بعض عناصر الحداثة التي لا تتعارض مع الاصالة بتاتا ، و عقد شراكات مع جهات و جمعيات ذات الاهتمام المشترك، و كذا الانخراط التام في عرض كل ما له علاقة بالحرف اليدوية، للنهوض بقطاع الصناعة على جميع المستويات، فجعل هذا القطاع يحظى بأولويات لذى جميع الفاعلين. و كإشارة بهذا الباب وجب استعراض بعض الحرف المتتبعة بالمدرسة - التي سيتم تفصيلها في مواضيع لاحقة- لأن أسرارها و خباياها لا زالت تلقن بكل صدق و نزاهة من لدن معلمين أكفاء في عدة مجالات كالنجارة و الزخرفة و التلوين، و الطرز، و الزليج، و الصياغة، و الجبص، و الحدادة الفنية، و الخشب المطعم... و لربما هي الحرف التي دقت مسامير التجدر و الاصالة في تاريخ مدينتنا و طبعتها بطابع أندلسي عريق... بالاضافة إلى هذا فالمدرسة ستعرف اليوم مشاركة في تفعيل البرنامج الثقافي للدورة 15 لعيد الكتاب بتطوان من 23 إلى 29 نونبر 2012، حيث ستشرف على الندوة الافتتاحية المتظمنة لموضوع:“الخطاب الثقافي في ضوء الربيع العربي"بمشاركة الاساتذة، عبد الرحيم جيران، و محمد مشبال، و مصطفى الحيرش، و مصطفى الحداد. و مائدة مستديرة صباح يوم السبت حول:“الاستنبات في المسرح المغربي، محمد قاوتي نموذجا". و بعد الزوال معرضا تشكيليا للفنان عمر سعدون برواق برتوتشي، و ستقدم إصدارات مسرحية جديدة بعنوان :“المتنبي يخطئ زمانه“ لرضوان احدادو، و "سيدة المتوسط“ لمحمد زيطان. كما ستعرض يوم الاثنين بنفس المدرسة قراءات شعرية من ديوان أحمد هاشم الريسوني، و فاطمة الزهراء بنيس، و ادريس علوش.. و إصدارات فكرية جديدة يوم الثلاثاء ك"استراتيجية التأويل“ لمحمد بوعزة، "و إمكان النهوض الاإسلامي: قراءة في المشروع الاصلاحي لعبد الله العروي“. أما يوم الاربعاء فسيتم تقديم بعض النصوص الابداعية ك"جماليات البين- بين“لرشيد بنحدو، و "بولنوار“لعثمان أشقرا و غيرها. و ستختم هذه الدورة يوم الخميس بتقديم مجلات شمالية جديدة و عرض الأعداد الاخيرة من مجلة“عن الكتب" و “روافد ثقافية" و مجلة“نجمة"، و“وشمة". لم يتم تصنيف هذه المدينة ضمن التراث العالمي اعتباطا أو مجاملة، بل هو اعتراف واضح و صريح لكونها تتمتع و أهلها بذوق رفيع و راق، متجل في تشبث الجميع بالاستمرار في المحافظة على هذا الحس بجميع أشكاله و بكل مقوماته، فالشكر كل الشكر لمن ساهم و لا زال يساهم في الحفاظ على هذا الموروث الحضاري الجيد و إصراره على الاستمرار في صونه بهذا الشكل أو بالافضل مما هو عليه... أمنة أحرات