صفحات من سيرة مثقف ملتزم وكاتب مسرحي مجدد شهد مسرح محمد الخامس بالرباط مساء الثلاثاء الماضي لقاء حميميا ودافئا ضم صفوة من وجوه المجتمع المغربي من كل المشارب. رجال سياسة، رجال مسرح، مثقفون، فنانون، إعلاميون وأكاديميون، تحلقوا في جمع بهي حول الكاتب المسرحي المبدع محمد قاوتي بمناسبة توقيع إصداراته المسرحية، كانت أمسية جميلة ورائعة، على أكثر من مستوى، مع أن ذكرى الفنان الراحل مصطفى سلمات كانت حاضرة وبقوة باعتبار انتماءه لرعيل ناضل من اجل حب المسرح، لعل كل ما يمكن أن يقال عن الراحل في صفحات، اختصره محمد قاوتي ببلاغته المعهودة وهو يعدد مناقب الفنان والإنسان، المرحوم مصطفى سلمات، في بضع كلمات مؤثرة تصدر عن فنان في تأبين فنان، كانت عن حق أبلغ من الأوسمة وأرفع من النياشين، بعدها وقف الحضور وقفة خشوع وتمت قراءة الفاتحة ترحما على روح الفقيد. - أحيانا يغبط الأحياء الموتى لما يتركونه خلفهم من سير طيبة تعانق الخلود وتستعصي على الموت- وهذا من ميزات الرجال الكبار الذين يقدمون بسخاء ونكران ذات ولا ينتظرون خلال حياتهم أي اعتراف، رحم الله من رحلوا وبارك في أعمار الأحياء، ولا خير في أمة لا تكرم فنانيها وهم أحياء. في البداية تناول الكلمة الدكتور محمد أمنصور بمداخلته وكانت تحت عنوان «مدائن قاوتي وأبوابها السبعة» مداخلة أكاديمية لكنها إلى النص الإبداعي أقرب بل هي نص إبداعي مطرز بفنون القول وبيانه، أستهلها بديباجة تقول « يسألونك أي المدائن هي مدينة قاوتي، قل هي مدن سبع ولكل مدينة باب ولكل باب حكاية» ، وليرصد شخصية الكاتب في كل تجلياتها جعل لكل مدينة أو محطة عنوان فجاءت على الشكل التالي: مدينة المعرفة وبابها حب الفن، المدينة الحمراء وبابها حزب الرفاق، مدينة الصنائع وبابها حسن التدبير، مدينة المسرح، مدينة الهواة وبابها عشق أب الفنون مدينة الاستنبات وأخيرا مدينة الإنسان وبابها الصداقة، وقد استطاع الدكتور المبدع محمد أمنصور من خلال هذا التقسيم الإحاطة بكل جوانب سيرة محمد قاوتي كمثقف كمناضل كمسير صاحب منهج وموقف، وكمسرحي يتمتع بغيرته على المسرح و بما قدمه لأب الفنون ولممارسيه كنقيب وكتعاضدي وككاتب مبدع ومجدد، ومثقف يمتلك أسرار لغة موليير ولغة الضاد إضافة إلى تمكنه الكبير من المثن الدارج وهو مثن مفارق للهجة الدارجة كما نعرفها فاللسان الدارج يتحول إلى لغة ذات حمولة ثقافية، لغة حية ولديها قدرة المغامرة وركوب الإبداع من أبسط إلى أعقد التعبيرات. أليس الاقتباس هو الحالة النموذجية لمبدع مزدوج اللسان؟ لقد استطاع قاوتي أن يكون رائدا في تقنية الاستنبات انطلاقا من تكوينه الجيد سواء على مستوى اللغة أو على مستوى الاستيعاب والتمثل العميقين للثقافة الشفوية المغربية، يقول أمنصور « إن محمد قاوتي هو بكل اختصار منتم لجيل أحب المسرح وناضل من أجله»، كم كان جميلا و موفقا الوصف الذي أطلقه على تجربة الاستنبات عند محمد قاوتي عندما شبهها بسفينة نوح، وهو وصف بليغ يحيل على الدفاع الكبير عن دارجة رصينة وعن اشتقاقاتها التي تحيل على الثقافة المغربية المهددة بالانقراض، في كل كتاباته المسرحية.ويخلص المتدخل في نهاية كلمته إلى المحطة الأخيرة والتي عنونها بمدينة الإنسان باعتبار أن بابها الصداقة حيث يقول» إن محمد قاوتي يضيف أمنصور «صديق نادر في زمن عزت فيه الصداقة، فهو من النوع الذي إذا أحبك محضك محبته دون حدود. بعد ذلك كان دور محمد بهجاجي، رشيد دواني و الدكتور خالد أمين ليقوم كل واحد منهم بتشريح لأحد النصوص الثلاثة التي جاءت بالتتابع نومانس لاند، الرينك وسيدنا قدر وقد أجمع المتدخلون على عنصر التميز الذي طبع كتابات قاوتي، سواء مسرحية نومانس لاند التي قدمتها السلام البرنوصي، لأنه من المعلوم أن النصوص المنشورة عرضت على خشبات المسرح. يقول محمد بهجاجي في قراءته لنص نومانس لاند « إنني في هذا اللقاء الاحتفالي سوف أكتفي بأن أضع الحضور على العتبة الأولى لهذا النص الذي قدمته فرقة السلام البرنوصي قبل سنوات، إن محمد قاوتي يحرص على توزيع متواليات نصه بأسماء لها ارتباط بدلالات النص مع اعتماده في مجمل كتاباته على اتخاذ النصوص الدينية التراثية والشعرية مرجعيات ....» ، معرجا على الشخصية المحورية في المسرحية وصراعها مع قدر تعتبره تعسفيا ومحاولتها كتابة قدر جديد، واستعمال الكاتب محمد قاوتي لمفردة الهزيع كعنوان بحمولته السياسية باعتباره موقفا من الواقع آنذاك. أما الدكتور رشيد دواني وهو يقرأ في مسرحية الرينك يقول سيكون لي الشرف في أن أخرج مسرحية الرينك لمحمد قاوتي هذه السنة وذلك لأنني أحتفظ لهذا النص ولكاتبه بحب خاص، ولم يكتفي المتدخل بهذا الحد بل حاول توضيح ومساءلة العديد من الدلالات والإيحاءات التي اشتمل عليها نص مسرحية الرينك وما يحيل عليه من تمكن كبير من ناصية الثقافة الشعبية عند الكاتب محمد قاوتي. وكان الدكتور خالد أمين آخر المتدخلين حسب الترتيب الكرونولوجي للكتب الثلاثة باعتبار مسرحية سيدنا قدر التي قدم قراءة لها كانت آخر الأعمال المنشورة للكاتب، يقول خالد أمين، « إن محمد قاوتي قد تجاوز المفهوم التقليدي للاقتباس ومسرحه هو تجسير للعلاقة بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمية» مؤكدا على تجاوز نص سيدنا قدر لنص بيكيت في انتظار جودو عبر استنبات روح النص في بنية ثقافية مغايرة، وعبر استبدال الرموز المسيحية في النص الأصلي برموز من التراث العربي الإسلامي، فيتحول سانتا كلوز، إلى سيدنا قدر ودلالاته انطلاقا من المتخيل الشعبي المغربي، باعتباره محققا للاماني ومانحا للهدايا، كما أن الاعتماد على إحالات من الثقافة المغربية، انطلاقا من محاورة النص قبل احتواءه ومن تم استنباته ليتم له تجاوز النص الأصلي بفصل أخير أضافه القاوتي كمغامرة ذكية دون الإخلال بجوهر وبناء مسرحية بيكيت ولكن بشكل يتكامل معه. وهكذا اختتم اللقاء الذي أقيم على شرف المسرح وشرف الكتابة المسرحية في المغرب باعتبار كتابات محمد قاوتي من ألمع وجوهها، فحتى الذين لا يهتمون بشأن المسرح بقيت أعمال من أمثال حب وتبن أو بوغابة وغيرها، عالقة في أدهانهم، ولكن هذه الأمسية مضت أبعد و أعمق من ذلك، حيث ضمت الزملاء، الأصدقاء والرفاق، وبالنظر إلى الأهمية التي اكتساها هذا الحدث تميزت هذه الأمسية بحضور نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ومولاي إسماعيل العلوي ، وكانت خلالها سيرة محمد قاوتي كتابا مفتوحا على مصراعين وكانت كل مداخلة تقلب عددا من الصفحات في مساره كإنسان بالتركيز على صفاته المشرقة أولا ثم ككاتب مسرحي مبدع وكمثقف عضوي مناضل من أجل مسرح مغربي يليق بالهوية الثقافية المغربية وكذلك من أجل واقع يليق بالفنان بشكل عام، بالقول وبالفعل كذلك. شهادات اسماعيل العلوي يصعب علي أن أقول كلمة في حق السي محمد قاوتي لا لأنني لا أعرفه، أو لأنني لم أقرأ كثيرا عنه، ولكن أعتبر أن المناضل محمد قاوتي ليس بحاجة إلى تعليق من قبل شخص تحمل مسؤولية إدارة الحزب لمدة، وكذلك تحمل مسؤولية تدبير صحافة الحزب التي أصبح الآن محمد القاوتي المحور المركزي لها. أظن أن في هذا الكلام الملتبس من قبلي، إشارة إلى ما قدمه محمد قاوتي ليس فقط على المستوى السياسي بل على مستوى المسرحي والكتابة بشكل عام، فتحية قبيلة للسي محمد قاوتي ونتمنى له مزيدا من العطاء. محمد بنحساين، مدير المسرح الوطني محمد الخامس في إطار افتتاح الموسم المسرحي، فكرت إدارة المسرح الوطني محمد الخامس بشراكة مع وزارة الثقافة، في سن هذه السنة الحميدة، لجعل هذا الفضاء الذي نتواجد به يستضيف كل شهر كاتبين مسرحيين مغربيين لإعادة الاعتبار إلى الكتابة المسرحية المغربية وتقريبها من رواد المسرح الوطني وعموم القراء المغاربة، بالإضافة إلى هذا الفضاء هناك فضاء المقهى الأدبي الذي يستضيف عدة أنشطة ثقافية متميزة تروم المساهمة في تنشيط الحياة الثقافية الوطنية. هذا الشهر وبمناسبة افتتاح الموسم المسرحي، كان للمسرح الوطني شرف الافتتاح مع السي محمد قاوتي ،الذي كنا ننتظره منذ قرابة ثلاثة أشهر لتقديم مؤلفاته. الفرصة، اليوم، كانت جميلة، حيث قدم مجموعة من كتبه بقراءة مجموعة من الأساتذة الأجلاء كالدكتور خالد أمين والدكتور محمد أمنصور والدكتور رشيد اليواني والأستاذ محمد بهجاجي. وهذه فرصة، أيضا، يجدد فيها المسرح الوطني محمد الخامس اللقاء مع الكتاب المسرحيين والأكاديميين، ومع المسرحيين الممارسين، ونحن عازمون على تكرار مثل هذه الفرصة مرتين في الشهر، وبالمناسبة، أود التذكير أن يوم 19 من الشهر الجاري، سيستضيف هذا الفضاء أحد الكتاب المرموقين وهو حسن أوريد، في أفق أن نستقبل في الشهر المقبل كتاب ومسرحيين آخرين. رشيد دواني هذا المساء حصل لي الشرف لتقديم قراءة في مسرحية «الرينك» للكاتب محمد قاوتي، وهي المسرحية التي أشتغل على إخراجها هذه السنة. وأنا جد سعيد، أيضا، بتكريم المسرح الوطني محمد الخامس لأحد أعمدة الكتابة المسرحية بالمغرب وهي بادرة إيجابية تسجل كنقطة حسنة لإدارة المسرح الوطني. سبق أن قمت بتقديم مجموعة من أعمال السي محمد قاوتي في مناسبات متفرقة، ولدي مجموعة من الكتابات حول النصوص المسرحية لهذا المؤلف، ستصدر، قريبا، في كتاب باللغة الفرنسية، ومحمد قاوتي يستحق كل هذا لأنه من مؤسسي الحركة المسرحية: الكتابة المسرحية ومسرح الهواة في المغرب. محمد أمنصور أنا سعيد بالمشاركة في هذا النشاط الثقافي، حول اسم من الأسماء التي تعتبر وشما في ذاكرة الثقافة المغربية، السي محمد قاوتي الذي تربطني به علاقة رائعة منذ ثمانيات القرن الماضي، عندما جاء إلى مكناس بعرضه الرائع مع جمعية السلام البرنوصي، «نومانس لاند» ذلك العرض الذي كنا نتعلم من خلاله عشق المسرح، وبالتالي حضوري اليوم، هو وفاء لعشق المسرح، ومحمد قاوتي هو أحد الناس الذين يحببون المسرح للمغاربة. أتمنى أن تكون الشهادة التي قدمتها في حق السي محمد قاوتي قد وفته بعضا من حقه، لأنه سجل على المؤلف أنه لم ينشر نصوصه في حينها، كنا نشاهدها، فقط من خلال العروض، وهو الآن بصدد استدراك هذا النقص، لتوثيق ونشر نصوصه، وهذا أمر جيد ورائع، لأنه سيتيح للشباب الذين لم يسبق لهم مشاهدة عروض محمد قاوتي، فرصة الإطلاع على هذه النصوص، التي من دون شك أنها ستتجدد بدماء مخرجين جدد، ربما خريجي معهد التنشيط المسرحي، أو أجيال أخرى جديدة. إن العمل الذي أقدم عليه محمد قاوتي يدخل ضمن الدينامية التي تعرفها الساحة الثقافية المغربية، لأن السبعينات أو الثمانينات لا تنتهي بمجرد زوالها، هناك دائما استمرار وهناك دائما استئناس، وهذه اللحظة لها امتدادها في الماضي كما أرى أن لها امتداد في المستقبل، وهي إشارة غلى إن الجسد المسرحي لا يزال بخير وأن محمد قاوتي ،وهو أحد الفرسان الفاعلين الأساسين في هذا الجسد، واعد بالعطاء وأنه مؤهل دائما لكي يقدم الجديد. لا بد من الإشارة كذلك، أن التفاعل الذي لحظناه في القاعة وخلال حفل التوقيع ، يعطي إشارة على أن المبدع ليس معزولا عن محيطه، فهناك ،دائما، من ينصت ومن يتابع ومن يتفاعل. اشكر مسرح محمد الخامس الذي وجه لي الدعوة وللأخوة الذين فكروا في اقتراحي، وكنت صادقا عندما قدمت تلك الشهادة، وأتمنى أن تتاح لي الفرصة مرة أخرى لمشاهدة عروض مسرحية للسي محمد قاوتي على الركح. محمد بهجاجي بالنسبة لي شخصيا، هذا الحفل الذي خصص احتفاء بالمتن لمسرحي، السي محمد قاوتي، يشكل لحظة أساسية في ذاكرتي باعتبار الصداقة المشتركة بيننا، وقد كنت حاضرا في أهم اللحظات التي أسسها محمد قاوتي منذ السبعينيات إلى اليوم، اعتز به صديقا وإنسانا، وأيضا مبدعا. فقد كان لمحمد قاوتي الفضل في تأليف عدد من لنصوص المسرحية التي شكلت منعطفا في الكتابة المسرحية،كما أن قيمة هذه اللحظة أيضا هي انه يمدنا بنصوص كانت كتبت في سياقات مختلفة، لكنه الآن يجعلها بين دفتي كتب، أولا لترسخ متخيل مسرحي مكتوب أمام القراء، وثانيا لتجعله يحيا حياة ثانية. عبد العزيز عدنان، المدير العام للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي السي محمد قاوتي الفنان والكاتب الملتزم الوفي، تعرفت عليه عن قرب بمناسبة خلق التعضادية الوطنية للفنانين المكلفة بالتغطية الصحية للفنان، إلى جانب حسن النفالي أحد المناضلين في هذا المجال. الطريقة التي دبر بها محمد قاوتي ملف التعاضدية، تجعلك تكتشف الوجه الأخر لهذا الرجل المثقف، وهو محمد قاوتي المسير والمفاوض الناجع الذي يحسن الإصغاء للآخرين، وقد نحج في كل ما قام به، في إطار التعاضدية رغم الصعوبات التي تعترضه من حين لآخر على المستوى الإداري، خاصة على المستوى الدعم الذي يتأخر دائما ويخلق نوع له العديد من المتاعب.