الكتابة المسرحية على خط تماس بين ثقافة المغرب العميق والثقافة العالمية بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي والمسرحي، يوقع الكاتب المسرحي المغربي المخضرم محمد قاوتي بمسرح محمد الخامس بالرباط مساء غد الثلاثاء 4 أكتوبر على الساعة السادسة، أعماله المسرحية المتمثلة في كتبه الثلاثة «سيدنا قدر»، «الرينك» و»نومانس لاند»، وسيتميز حفل التوقيع هذا بثلاث قراءات لكتبه الثلاثة، يقوم بها كل من الدكتور خالد أمين حول مسرحية «سيدنا قدر»، في حين ستتركز مداخلة الدكتور رشيد دواني على مسرحية «الرينك»، ويقرأ محمد بهجاجي في نص مسرحية «نومانس لاند»، كما أنه من المقرر أن يلقي الدكتور محمد أمنصور كلمة/ شهادة في حق المحتفي به. المبدع المسرحي محمد قاوتي عايش رحلة المسرح المغربي مند انطلاق جذوة مسرح الهواة في المغرب خلال فترة السبعينات، وإلى يومنا هذا، وإن كان حفل التوقيع لا يتضمن إلا ثلاثة كتب من أعمال هذا الدراماتورج الذي أضاف الشيء الكثير للمشهد المسرحي المغربي عبر عطاء متواصل امتد لأربعة عقود، ويجدر القول عن محمد قاوتي أنه الإسم الواحد ذو التجليات المتعددة، فبغض النظر عنه كأحد الوجوه الكاريزمية ذات الحضور القوي في الساحة المسرحية الوطنية فاعلا وكاتبا مبدعا، له حضور مميز أيضا على الساحتين الثقافية والإعلامية في المغرب، فقد كتب وأنتج للتلفزيون عشرات البرامج والأشرطة الوثائقية، ومثل المسرح المغربي في العديد من اللقاءات الدولية، ويعد عضوا مؤسسا ورئيسا سابقا للنقابة الوطنية لمحترفي المسرح، والرئيس الحالي للتعاضدية الوطنية للفنلنين. ألف محمد قاوتي خلال مساره الإبداعي العديد من الأعمال المسرحية التي نالت حظا كبيرا من النجاح بداية بمسرحية «الكفةَ» سنة 1975، «القرامطة يتمرنون، كما رواها خُلِيّْفَه في سوق اشْطَيْبَه» سنة 1976، «الحلاج يُصلب مرتين» سنة 1978، «اندحار الأوثان» سنة 1980، «رحلة مُوحَ» سنة1981، «نومانس لاند» سنة 1984، «الرينك» سنة 1990، «حَب وَتبن» سنة 1998...غير أن ما يحسب لمحمد قاوتي هو تجربته في مجال الاقتباس الذي سما به إلى مستوى دعاه «الاستنبات». وحسب دارسي مسرح محمد قاوتي، يمكن فهم الاستنبات، باعتباره كتابة جديدة لنصوص مسرحية عالمية، كتابة تتضمن وتكمل هذه النصوص عبر إخضاعها للواقع المغربي وحيثياته وخصوصياته الدقيقة أحيانا. من ثمة فالاستنبات عند الكاتب قاوتي هو قدرة المؤلف المسرحي على محاورة النص أو النصوص لإعادة قراءتها وإنتاجها بإبداعية متجددة وفق معطيات وظروف مختلفة، مع المحافظة على روح النص الأصلي في علاقة تنبني على النفي والتضمين، على التوافق والتجاوز؟ وفي هذا الصدد، يقول الدكتور رشيد دواني «إن محمد قاوتي، في كتاب (سيدنا قدر)، اتخذ نص بيكيت ذريعة لكتابة نص جديد». ومسرحية «الذي يقول نعم، والذي يقول لا» لبرتولد بريخت سنة 1976 تجسدت في مسرحية «العادة»، ثم يحضر سنة 1989 برتولد بريخت من جديد ومسرحيته «السيد بونتيلا وتابعه ماتي» في عرض مغربي صرف تحت عنوان «بُوغَابَه». ويبدو الكاتب المسرحي أثناء تجربته الرائدة في الاقتباس قد استثمر خبرته الطويلة للحسم في جدل يحتد بين نص بيكيت ونص سيدنا قدر، وكيف انتصر للثقافة المغربية عبر إيلاجها في نص مسرحي عالمي، وفي نفس الوقت انتصر للنص الأصلي عبر فتحه على متلقي جديد ينتمي لثقافة مختلفة، فاتحا شرفة لجمهور المسرح المغربي للإطلالة على هذا الإبداع العالمي الرفيع من خلال توظيف لغة تحتفي وتكرم الدارجة المغربية وزرع علامات يعرفها هذا الجمهور، وحسب العديد من النقاد فإن مسرحية «سيدنا قدر» تمثل فترة متميزة في تجربة الكاتب المسرحي محمد قاوتي فهي تنتمي لصنف الكتابة الأدبية في المسرح وأن أسلوب كتابتها سهل ممتنع مليء بالرموز والإيحاءات والتساؤلات بدارجة مغربية إبداعية وتنبض بالحياة، ما يكسبها متعة القراءة. ويقول الدكتور خالد أمين عن مسرحية «الرينك»: «إن النص الأدبي عموما، والمسرحي بخاصة، متخلل ومخترق بكيفية غير مختزلة بواسطة نصوص سابقة. ورغم ذلك، فعندما يكون الكاتب على وعي كلي بلعبة النصية المستضمرة في ممارسته النصية الخاصة، تعكس لعبة الاختلافات انزياح النص وإعادة تملكه لنصوص أخرى في الآن ذاته، بكيفية تحيل إلى الذات. وهذا ما يميز نص مسرحية الرينك». ولعل أحد الزملاء قد أصاب الحقيقة وهو يكتب عن محمد قاوتي بقوله «أن تواتر فعل السفر الرمزي مع توالي السنين سيحول محمد قاوتي إلى رمز لهذا العبور بين المغرب العميق والثقافة العالمية... لقد قاده هذا السفر إلى ارتياد آفاق المصالحة مع الوجدان الفرجوي الشعبي في أبهى تمظهراته».