رؤيا جديدة لمفهوم الكتابة الإبداعية أو حينما يصير النص المسرحي نصا أدبيا حاضرا وقويا ذكر الكاتب المسرحي محمد قاوتي، أن نصه المسرحي «سيدنا قدر» الذي قام باستنباته عن مسرحية «في انتظار غودو» للكاتب الأيرلندي صمويل بيكت، لم يستغرق في كتابته أكثر من خمسة عشر يوما، لكنه أعاد كتابته على مدى سنة كاملة، عند تهييئه للنشر، كان ذلك مساء السبت الماضي بمتحف القصبة بمناسبة توقيع النص المسرحي ضمن فعاليات الدورة السابعة للندوة الدولية لطنجة المشهدية، الذي ينظمه المركز الدولي لدراسات الفرجة، المنعقدة هذه السنة تحت سؤال « الوسائطية والفرجة المسرحية». محمد قاوتي الذي كان مؤازرا خلال حفل التوقيع - الذي حضره ثلة من رجال المسرح والنقاد والمهتمين - بكل من خالد أمين ، عز الدين بونيت ورشيد داوني. الدكتور عز الدين بونيت كان أول المتدخلين إذ ارتجل كلمة قال فيها « أنا جد سعيد بوجودي هنا إلى جانب الكاتب محمد قاوتي الذي أعتبره رجلا باحثا في التراث الثقافي المغربي والإسلامي». ويعتبر محمد قاوتي رمزا كبيرا من رموز المسرح المغربي، من خلال مسيرة إبداعية طويلة، وكتابات غزيرة تروم الابتكار والتجديد ليس في مفهوم الكتابة المسرحية فقط بل تتعداها إلى البحث المجدد في بنية النص المسرحي ومفهوم المسرح نفسه. و يضيف الدكتور بونيت « إن لغة محمد قاوتي في حد ذاتها تجديد للكتابة الإبداعية وهو دائم الإصرار على أن يكون نصه المسرحي نصا أدبيا حاضرا وقويا». نفس الرأي عبر عنه الدكتور خالد أمين بقوله «إن كتابات قاوتي خلخلة لمفهوم الاقتباس فهو يكتب الحكاية الشعبية بلغة عامية مفعمة بالشاعرية،......وهي كتابات شكلت إضافات نوعية لخزانة المسرح المغربي». وفضلا عن نص سيدنا قدر للكاتب نصوص كثيرة من بينها «الْگُفَّه» (1975)، «القرامطة يتمرنون، كما رواها خُلِيّْفَه في سوق اشْطَيْبَه» (1976)، «الحلاج يُصلب مرتين» (1978)، «اندحار الأوثان» (1980)، «رحلة مُوحَ» (1981)، «نومانس لاند» (1984)، «الرِّينْگْ» (1990)، «حَبّْ وَتْبَنْ» (1998)... ويعتبر من أبرز صانعي أمجاد مسرح الهواة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفارس من فرسان الكتابة الدرامية الجادة بالمغرب. الكاتب خلال أمسية التوقيع، فضل أن يترك لنصه فرصة التعبير عن ذاته مجتزءا منه معبرا للقراءة بصوت صاحبه، وكانت لحظة متعة حقيقية، بدت معها التركيبات الدارجة في تألق غير معهود، مرصعة بالمعاني ومنمقة بجواهر من لغتنا الدارجة الرصينة وهي اللغة التي ما فتئ محمد قاوتي يناضل من أجل تأصيلها ومحو الشوائب التي علقت بها لأنها كما يقول الكاتب اللغة الأقرب إلى العربية مباشرة ولأنها لغة جميلة وأنيقة ومشبعة بالدلالات الرمزية والإيحاءات الشعرية. لقد تناول الكثير من النقاد كتابات محمد قاوتي باعتباره أحد الرواد المجددين ليس في لغة الخطاب المسرحي أو بنية النص فحسب بل في مفهوم المسرح ككل من خلال اشتغاله على الاستنبات فهو لا يقتبس النصوص بل يفككها ويحاور كل مفصل فيها قبل أن يعيد رسم هويتها لتولد من جديد وكأنها متأصلة في تربة هذه الأرض ومتجدرة في ثقافتها. واعتبر الأستاذ الباحث رشيد داوني أن نص «سيدنا قدر» ينم عن تحكم مؤلفه في اللغة، وأنه تجاوز الاقتباس، بل إن هذا العنصر، لا يعدو أن يكون مجرد ذريعة لكتابة نص آخر فاتن، وتجديره في التربة المغربية بكل ما تحبل به من قيم وعادات وسلوكات. مشيرا ، إلى أن المؤلف محمد قاوتي نجح في تجسيد موضوعة الانتظار والغياب، عبر اعتماده على ليلة القدر المقدسة، حيث يتم انتظار سنة كاملة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.. انتظار الذي يأتي ولا يأتي، ولا يعرف عنه شخوص المسرحية أي شيء. وقد تم إنتاج مسرحية 'سِيدْنَا قْدَرْ' من طرف مسرح السلام البرنوصي (الدارالبيضاء) سنة 1986. أخرجها نشيخ إبراهيم وشخص أدوارها كل من عمر لهبوب، سعيد لهليل، عبد الحق بوعام، رشيد مرجاوي وأحمد صبراوي. سينوغرافيا حفيظ لهبوب. كما تم إنتاج مسرحية سِيدْنَا قْدَرْ، مرة ثانية، من طرف مسرح الشمس (الرباط) سنة 2001. أخرجها عبد الإله عاجل وشخص أدوارها كل من محمد بسطاوي، محمد خيي، عزيز العلوي وعزيز الخلوفي؛ سينوغرافيا عبد المجيد الهواس. هذا ويتخذ فعل الكتابة عند محمد قاوتي صيغة جسر عبور لتمرير خطاب تقدمي وحداثي يعود إلى المنابع الصافية من الثقافة الشعبية المغربية ليؤسس قواعد انطلاقه نحو مشروع رؤيا جديدة لمفهوم الإبداع المسرحي. أما خلال جلسة التوقيع فقد عرفت توافقا بين آراء كل من خالد أمين وعز دين بونيت و رشيد داوني على اعتبار قاوتي كاتبا مغامرا واستطاع من خلال ذلك تجاوز الكاتب الايرلندي وهو يأخذ عنه رائعته العالمية «في انتظار غودو» ويستنبتها في سيدنا قدر تجاوزا على مستوى المعنى والمبنى. فمن حيث المبنى، نحن أمام نص جديد يجمع بين عناصر الكتابة الدرامية وبين خصائص الكتابة الإبداعية المثيرة لمتعة القراءة، من خلال العناية الشديدة التي يوليها الكاتب لمفردات لغته المكثفة والمفعمة بالشاعرية، المنحوتة بحذق وعناية. أما من حيث المعنى، فبالإضافة إلى الفصل الأول 'ذيك الليلة' والفصل الثاني 'هذ الليلة'، فقد تمت إضافة فصل ثالث تدور أحداثه في 'وَاحَدْ النّْهَارْ بُعيد الصبح' وفي نفس المكان: ومن بين الاختلافات الأخرى البارزة بين النصين الأصلي والمستنبت، أن الأول تتم فيه الإشارة إلى المسيحية، في حين أنه في النص الذي استنبته قاوتي، حرص على أن يستلهم فيه بعض الرموزالإسلامية.. ونقرأ في تقديم الفصل الثالث: «المكان: طريق قروي أو «مْرِيرَه» كما يصطلح على تسمية هذا النوع من المسالك. تنتصب في وسط الطريق شجرة ميتة قرضت الأرَضَةُ جزءا منها وأتى السُّوسُ على جزءها الآخر. تَحُدُّ جانب الطريق صخرة.» أما وقائع هذا الفصل فهي بمثابة ما بعد خاتمة، حيث «يدخل الفتى من كواليس الْجُنَيْنَةِ. لا ندري هل هو نفس فتى «ذِيكْ اللِّيلَه»، أم هو نفس فتى «هَذْ اللِّيلَه»، أم هو نفس فتى «ذِيكْ اللِّيلَه» و»هَذْ اللِّيلَه»، لكننا على يقين من أنه فتى «وَاحَدْ النّْهَارْ». يرتدي نفس ملابس فتى «ذِيكْ اللِّيلَه» و»هَذْ اللِّيلَه».» يقول الدكتور عز دين بونيت « إن نص سيدنا قدر لا يتحدث عن الموت، القدر وانتظار المجهول، مثل «في انتظار غودو»، انه نص يعيد كتابة الأمل.