غادرنا قبل ساعات صديقنا وعزيزنا وحبيبنا "الحسن أمحجور".. غادرنا بابتسامته المعهودة..وأمله الراسخ في حياة أفضل يستحقها وطننا..عاش حياة هادئة دون ضجيج..لكن عاشها بفعالية وبمحبة وبتضامن وبإيمان راسخ بمبدأ "الحق في الحياة" للمرضى والمعوزين والمهمشين والفقراء المعدمين.. عرفت "الحسن" قبل زمن طويل..وهو من الأشخاص القلائل الذين لا تحتاج إلى وقت طويل لتعرف معدنهم..ولا إلى وقت طويل لتكتسب صداقتهم..ولا إلى وقت طويل لتحبهم وتقدرهم..كان من الأشخاص الذين يكشفون لك عن إنسانيتهم ومحبتهم في اللحظة الأولى..في اللقاء الأول..وبعدها لن ينسوك أبدا..مهما تباعدت اللقاءات أو انعدمت.. لكنني أبدا لا أنسى..ولن أنسى..يوم كنا قلائل في حزبنا..وكان آنذاك ما زال يسمى "اليسار الاشتراكي الموحد" برمزه الممثل في "الشموع الأربع"..وكانت عملية التجميع قد أخطأت الحساب وأدت إلى نقص حاد في العضوية..بسسب طغيان الذاتية والحسابات الفارغة..وكان "المقر" قاب قوسين أو أدنى من أن ينفلت من يد الحزب..ويصبح حزبا دون مقر..لولا ثلة من المتعاطفين الذين تمسكوا بنا واحتضنونا وكان "الحسن أمحجور" وصديقه "محمد امغاغة" من بين هؤلاء الرجال الذين كانوا يساهمون ويساهمون دون أن ينتقدوننا لا عن حالة ضعفنا..ولا عن مواقفنا ولا عن أي شيء..كانوا يغمروننا بعطفهم ومحبتهم فحسب..كانوا مبدئيا ينتصرون لفكرة "اليسار" من حيث هو انحياز للفقراء ضد ناهبي الثروات والخيرات..كان الراحل العزيز يقول لي (لن أسمح لك ألا تزورني متى احتجت للمساهمة في أية ضائقة"..ونفس الكلام كان يردده صديقه "محمد"..لكن كل هذا كان يتم بأسلوب من الاحترام والتقدير دون تكبر ولا مَنٍّ ولا أي استعلاء..كانوا يعرفون أننا نقبض على الجمر..لأجل "فكرة" تستحق أن تستمر في الحياة..لكنها تحتاج إلى مسكن.. أصيب صديقنا الراحل قبل عشر سنوات أو أكثر بذلك المرض اللعين..لكنه استمر في مقاومته أكثر من عشر سنوات..بروح معنوية عالية..وعزيمة لا تقهر..بل أسس جمعية سماها "السرطان كلنا معنيون"..وهي الجمعية التي ترجمت روحه العالية في حب الحياة..وفي الدفاع عن "حق" الآخرين في الحياة..واستوعب باكرا الدور النفسي في العلاج..واستحوذ الجانب النفسي على اهتمام الأعضاء..واتخذ الأهمية القصوى في أنشطة الجمعية وبرامجها..وكم مريض مكسور اشتد عوده بهذه الجمعية..بتضامنها معه..واحتضانها له...في جو من المحبة والروح الإنسانية العالية.. وداعا صديقي "الحسن" غادرت هذه الحياة..لكنك سكنت قلوبنا إلى الأبد..وسبقى حيا في الذاكرة وفي الوجدان..إلى أن نلتقي هناك..في الضفة الأخرى من الحياة...