تسود الأوساط السياسية في إسبانيا بشكل عام وبمنطقة كاطلونيا على الخصوص حالة ترقب كبيرة بعد الإعلان عن نتائج استفتاء فاتح أكتوبر حول استقلال هذا الإقليم عن إسبانيا،وذلك عقب الإعلان عن نتائج هذا الاستفتاء الذي بالرغم من الأجواء المشحونة التي نظم فيها فقد عبر أكثر من 90 في المائة من المصوتين عن رغبتهم في الانفصال عن إسبانيا، وقد بلغت بنسبة المشاركة 42 في المائة من مجموع الكطلان المسجلين باللوائح الانتخابية.. ولم يصوت سوى 2 في المائة لفائدة البقاء مع إسبانيا، في حين كانت بقية الأصوات لاغية... على ضوء هذه النتائج صرح كارلس بويغدمونت رئيس حكومة الحكم الذاتي ليلة أمس بأن كتالونيا ربحت الحق في تأسيس دولتها، وبأن حكومته ستنقل هذه النتائج إلى البرلمان الكطلوني لاتخاذ الخطوات المناسبة وهو ما يعني حسب المحللين الاستعداد للإعلان عن قيام الجمهورية الكطلانية، ولذلك يسود ترقب كبير داخل الأوساط السياسية في إسبانيا وكاطلونيا، بل والعالم أجمع لمعرفة النتائج التي سيتمخض عنها اجتماع برلمان كاطلونيا الذي سيلتئم يومي الأربعاء والخميس 4 و5 أكتوبر الجاري. ومعلوم أن هذا المجلس يسيطر عليه دعاة الانفصال وبالتالي فإن فرضية إعلان قيام الدولة الكطلونية تبدو قائمة وبشدة. وترتفع العديد من الأصوات لمطالبة الحكومة الإسبانية باللجوء لتفعيل الفصل 155 من الدستور الإسباني الذي يخولها حل حكومة الحكم الذاتي والدعوة لانتخابات تشريعية جديد بكطلونيا للوقوف في وجه أي إعلان "للجمهورية الكطلانية" خلال التئام البرلمان يوم الأربعاء.. في حين تطالب أصوات أخرى لتغليب منطق التعقل وفتح المجال للحوار السياسي والبحث عن نقاط التقاء وتفاهم تحول دون حدوث القطيعة، وعلى رأسها إصلاح دستور 1978 وملاءمته مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإسباني الآنية وبالتالي تمكين كاطلونيا من مطالبها.. وعرف يوم أمس مشاهد مؤسفة ومواجهات بين قوات الأمن والمواطنين الكطلان الراغبين في ممارسة حقهم في التصويت ونتج عن هذه المواجهات أكثر من 80 جريحا، وخلفت مشاهد المواجهات استياء عارما بإسبانيا والعالم ومست في الصميم صورة النموذج الديمقراطي الإسباني، بل وتعالت عبارات التنديد بهذه الإجراءات من العديد من المنابر التابعة لدول الاتحاد الأوربي، ودفعت النقابات الكطلونية إلى الإعلان عن إضراب عام بالإقليم يوم الثلاثاء المقبل. كما نظمت في العديد من المظاهرات في أرجاء التراب الإسباني (وإن لم تكن تدعم حق الانفصال) فقد خرجت لدعم الحق في التصويت والتعبير الذي يعتبر من لبنات النظام الديمقراطي. وعرف يوم أمس تحديا حقيقيا بين قوات الأمن الإسباني والمواطنين الراغبين في التصويت رغما عن إجراءات المنع التي اتخذتها سلطات الحكومة المركزية الإسبانية التي عملت على إغلاق مكاتب التصويت ولجأت لإنزال أمني كبير لمنع إجراء الاستفتاء الذي تعتبره غير قانوني ولا دستوري مستندة في هذا الصدد للقرارات القضائية، حيث عمدت خلال الأسبوع الماضي إلى مجموعة من الاعتقالات في صفوف منظمي الاستفتاء وصادرت معدات التنظيم وأغلقت المكاتب المخصصة للتصويت بنوع من العنف والقوة مست في الصميم صورتها كدولة ديمقراطية تحترم القانون وحق التعبير والتصويت الديمقراطي، وهناك من المتتبعين من اعتبر أن كثيرا من الكطلانيين الذين كانوا ميالين للبقاء في أحضان إسبانيا أو غير راغبين في المشاركة في الاستفتاء استفزتهم هذه الإجراءات العدائية وقرروا المشاركة، بل عزموا على التصويت للانفصال. إن النتائج المعلنة في نهاية استفتاء يوم فاتح أكتوبر وظروف الاحتقان العامة التي جرى فيها هذا الاستفتاء وما حدث خلاله من مواجهات بين الراغبين في التصويت وقوات الأمن المركزية، والمعركة القانونية والسياسية التي عرفتها فصول تنظيمه، كل هذه العوامل مشتركة، قد تكون وصلت بين الطرفين إلى نقطة اللاعودة وخلقت شرخا عميقا بين الحكومة المركزية وسكان كاطلونيا وساستها، وبإجماع المحللين فإن ما حدث سيكون له ما قبله وما بعده في التاريخ الحديث لمملكة إسبانيا وقد يكون بداية سلسلة من رغبات الانفصال بالعديد من الأقاليم الإسبانية وعلى رأسها إقليم الباسك.