يقع إقليم كاتالونيا في شمال شرق إسبانيا، وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 32106 كلم وهو يعتبر سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا، أما المقاطعات الأخرى التي يتألف منها الإقليم هي جرندة، لاردة، وطراغونة. وتكتسب الحركة الانفصالية في إقليم كتالونيا الإسباني زخما متزايدا هذه الأيام، تعززه الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. إذ انتقل الأمر من ساحات المظاهرات إلى البرلمان المحلي للإقليم الذي وافق الخميس الماضي على إجراء استفتاء بشأن الاستقلال، واضعا الحكومة المركزية بمدريد في مأزق جديد. وجاءت موافقة البرلمان المحلي على استفتاء الاستقلال للإقليم الواسع الذي يقع شمال شرق إسبانيا بأغلبية 60% من النواب، ومن المتوقع إجراؤه عقب الانتخابات المحلية المقررة يوم 25 نوفمبر/تشرين الأول المقبل، وسط توقعات رئيس وزراء الإقليم أرتور ماس بفوز الأحزاب المؤيدة للانفصال بأغلبية أكبر في تلك الانتخابات. وقد بدأ استياء الكاتالونيين في الآونة الأخيرة مع الخصومات الضريبية المتأرجحة التي كانت حكومة ماريانو راخوي تفرضها عليهم، وهي تعمل على تطبيق إجراءات التقشف التي طالب الاتحاد الأوربي الحكومات الأوربية باتخاذها. ما أدى إلى تعزيز النزعة الانفصالية لدى اليمينيين واليساريين. وقد عبر 57 في المائة من سكان الإقليم عن دعمهم للاستقلال التام عن إسبانيا. وقد حصل إقليم كاتالونيا على الحكم الذاتي عام 1931 خلال الجمهورية الثانية الإسبانية. وقد تميزت هذه الفترة بالاضطرابات السياسية ثم علق العمل به بعد تسلم الجنرال فرانسيسكو فرانكو الحكم في 1936 وحتى وفاته سنة 1975، قمع نظام فرانسيسكو أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكاتالانية، الأناركية، الاشتراكية، الشيوعية أو الديمقراطية، بما في ذلك نشر الكتب عن هذه المواضيع أو ببساطة مناقشتها في جلسات مفتوحة. كجزء من هذا القمع، تم حظر استخدام الكاتالونية في المؤسسات التي تديرها الحكومة وخلال المناسبات العامة. تعرض رئيس كاتالونيا للتعذيب في ذلك الوقت، وأعدم بتهمة «التمرد العسكري» من قبل نظام فرانكو، أعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في كاتالونيا في 1979، وبعد الانقلاب العسكري في 1981 أقرت الحكومة بوجود 17 إقليما مع خصوصية إقليمي الباسك ونافارا في تحصيل ضرائبهما، واستثناء كاتالونيا من هذا الحق. تاريخ العداء الكتالوني الإسباني يعود العداء بين كاتالونيا وإسبانيا لفترة طويلة حيث أن الكتالونيين استمروا في نضالهم ضد الجنرال فرانسيسكو فرانكو منذ عام 1936 حتى عام 1975 منذ ذلك الحين، ازدهرت كاتالونيا في كل شيء، وأصبحت المنطقة الاقتصادية الرائدة في اسبانيا مع ما يقرب من 20في المائة من الناتج القومي الإجمالي لهذه المنطقة التي تشكل 6 في المائة فقط من مساحة اليابسة في إسبانيا و 15 في المائة من السكان. اشتداد سوء الحال الاقتصادية في إسبانيا أدى إلى تعميق الأزمة، مما أدى إلى نوع من الإحباط في نفوس سكان إسبانيا وزعمهم أن كاتالونيا تقوم بتحويل 20 في المائة مليار يورو إلى الحكومة المركزية، وأن هذه التحويلات أدت إلى إفلاس المنطقة ما أجبر حكومة كاتالونيا على وضع خطة إنقاذ، ففرضت سياسة تقشف وهذا ما أدى إلى تدني في الرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها من الخدمات. في المقابل يعتقد الكتالونيون المطالبون بالاستقلال أن كاتالونيا هي أمة لديها تاريخ لغة وثقافة، حيث ساهم اضطهاد الجنرال فرانكو لشعب كاتالونيا في بداية القرن العشرين بزيادة النزعة الانفصالية لشعب هذا الإقليم، كما ارتأى الكتالونيون أن اقتصاد كاتالونيا تضرر كثيرا بسبب سياسات الحكومة الإسبانية، حيث أن هذه الأخيرة فرضت ضريبة تقدر ب 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 30 مليار يورو، في المقابل ليس هناك استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة، كما هناك عجز في الاستثمار في البنى التحتية، لأن الحكومة الإسبانية لا تريد أن تكون برشلونة أفضل من مدريد. ويرى المحللون الاقتصاديون في أن الانفصال هو جزء من الأزمة العامة في الاتحاد الأوروبي باعتبار أن سياسة كاتالونيا سياسة مساوية لألمانيا، وهذه الأخيرة لا تريد المشاركة في التعامل مع الصعوبات الاقتصادية، إذ أن برلين ترى من الضروري إيجاد وسيلة لتحقيق الاستقرار المالي، مما اضطر البلدان إلى تنفيذ سياسات تضر اقتصادها الوطني . وفي شتنبر الماضي خرجت في برشلونة عاصمة منطقة الحكم الذاتي في كتالونيا، وأغنى منطقة في إسبانيا مظاهرة ضخمة تنادي بالاستقلال، عدد الذين شاركوا فيها قدر بين 600 ألف ومليون و500 ألف نسمة من أصل 7.5 نسمة أي 7 إلى 20 ٪ من السكان، وسارت المظاهرة تحت شعار «كاتالونيا الدولة القادمة في أوربا». وقد أيدت المظاهرة غالبية الأحزاب السياسية في المقاطعة بما فيها الحزب الحاكم في إسبانيا «التجمع والاتحاد». وفي نهاية شتنبر صوت إقليم كاتالونيا لصالح إجراء استفتاء الاستقلال، وقد طالب ارتور ماس، رئيس الحكومة المحلية الكاتالونية، بنظام ضرائبي مستقل عن إسبانيا إلا أن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي رفض ذلك بحجة أنه يتناقض مع الدستور. كما صوت البرلمان الإسباني في التاسع من شهر أكتوبر لمنع كاتالونيا من إجراء استفتاء على الاستقلال واستطاع القوميون الكاتالونيون، برئاسة آرتور ماس، الذي يدعو إلى جعل إقليم كاتالونيا «دولة ذات سيادة الفوز دون تحقيق الأغلبية المطلقة وفجر جوردي ترياس عمدة مدينة برشلونة مفاجأة من العيار الثقيل جداً عندما قال إن برشلونة قد تنتقل للمنافسة في الدوري الفرنسي في حالة انفصال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا. التجاذب و التصعيد الكاتالوني تصاعدت حدة المظاهرات المطالبة بالاستقلال وبلغت ذروتها في الاحتفالات بالعيد الوطني لكتالونيا يوم 11 شتنبر الماضي ببرشلونة، شارك فيها أكثر من مليوني شخص، ورفعت خلالها شعارات مثل «كتالونيا الدولة القادمة في أوروبا»، و»برشلونة ليست إسبانية. وبعد أسبوع من تلك المظاهرات، طالبت جماهير فريق برشلونة لكرة القدم، البالغ عددها أكثر من 73 ألف متفرج خلال مباراة الفريق أمام سبارتاك موسكو الروسي، باستقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا، وذلك في سابقة هي الأولى التي تطالب فيها جماهير الملعب بالاستقلال خلال مباراة رسمية لهذا الفريق. ورغم أن دعوة الانفصال ليست جديدة فإن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إسبانيا وسّعت دائرة الداعين لها، بعد أن أصبحت المقاطعة الأكثر مديونية في البلاد مع حوالي 44 مليار يورو، أي 22% من إجمالي ناتجها الداخلي. وتتهم كتالونيا الحكومة المركزية في مدريد بأنها مسؤولة عن أزمتها، وطلبت في غشت الماضي من مدريد مساعدة مالية بقيمة خمسة مليارات يورو، ورفض رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي طلب رئيس وزراء كتالونيا أرثور ماس توقيع اتفاق ضريبي جديد يضمن للإقليم حق التصرف بعائدات الضرائب لمواجهة أزمة ديونه. وإزاء هذه المشاعر، أكد ماس العزم على إجراء الاستفتاء، وقال «إذا تجاهلت الحكومة الإسبانية الأمر ولم تصرح بأي نوع من الاستفتاء أو التصويت فإنه سيتم إجراؤه بأي حال من الأحوال». كما أكد أيضا أن مواطني كتالونيا «يحتاجون لاتخاذ قرارات سيادية بصورة مستقلة بشأن ما إذا كان من الممكن التوصل لاتفاقات مع إسبانيا. كما دعا ماس مدريد إلى التوقف عن «تهديد» كتالونيا ونصحها بإتباع نموذج بريطانيا التي اتخذت موقفا أكثر تصالحا تجاه استفتاء محتمل في أسكتلندا. وقال «لا نريد التحرك خارج إطار القانون ولكن لا يمكن منع شعب يعود تاريخه لعدة آلاف من السنين من الإعراب عن موقفه بشأن مستقبله». وأوضح ‘أنه من التطور الطبيعي أن تكون لأي أمة دولة» مضيفا «هذا الاعتماد على الدولة الإسبانية يقطع أجنحة تقدمنا الاقتصادي والاجتماعي». ومع ذلك قال ماس إنه لا يريد التحدث بشأن «قطيعة» مع إسبانيا لأن دول الاتحاد الأوربي «يمكنها أن تتشارك في كثير من الأمور». على الجانب الآخر طالبت الحكومة الإسبانية الإقليم بعدم زيادة الاضطرابات في إسبانيا وتعهدت باللجوء إلى القضاء للحيلولة دون إجراء الاستفتاء الذي تقول إنه ينتهك حكما دستوريا يحظر إجراء مثل هذا النوع من التصويت على المستوى الإقليمي. وقال وزير الخارجية خوسيه مانويل مارجايو «فرضية انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا أمر غير شرعي ولن تنضم إلى الاتحاد الأوربي، وغير دستوري ويعتبر تفكيكا لوحدة الوطن الإسباني، وقبول كتالونيا كعضو جديد باليورو يتطلب حصولها على جميع أصوات الدول الأعضاء». في سياق متصل ومتصاعد أصدر البرلمان الكاتالوني قانونا رمزيا عن استقلال الإقليم في نونبر الماضي، إلا أن المحكمة الدستورية الاسبانية قابلته بالطعن وقررت إلغاءه، ويأتي ذالك بعد أن قبلت المحكمة الدستورية الإسبانية في 30 شتنبر الماضي طعنا قدمته حكومة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، ضد قانون أقره برلمان كتالونيا يمنح حكومة الإقليم حق دعوة المواطنين إلى استفتاء بشأن تقرير المصير، وهو ما يعني أن تنظيم الاستفتاء بات غير ممكن من الناحية القانونية. عقب ذلك أعلن «رئيس حكومة الإقليم أرتورو ماس، أنه يعمل على صياغة اقتراح جديد قد يكون بمثابة حل وسط لأزمة الإقليم الذي يطالب بالاستفتاء للانفصال عن إسبانيا، ويتمثل في إقامة استفتاء رمزي في 9 من نونبر الماضي، لا تترتب عليه أية تبعات قانونية، ويمكّن سكان الإقليم من التعبير الرمزي عن تطلعاتهم للانفصال، وحظي المقترح بتأييد العديد من السياسيين، والبرلمانيين الإسبان. استقلال كاتالونيا رهين بترتيبات سياسية ما زالت لعبة شد الحبل متواصلة بين الحكومة الإسبانية وحكومة إقليم كاتالونيا، تجلت آخر أطوارها في إعلان رئيس هذا الإقليم ، أرتور ماس، عن إعلان إجراء الانتخابات الإقليمية يوم 27 شتنبر، لكنه ينوي إضفاء طابع استفتائي على هذه الانتخابات، حيث اعتبر أن فوز تحالف القوميين الكتلان الذي يتزعمه بمثابة تصويت على استقلال كاتالونيا عن إسبانيا. ولجأ رئيس إقليم كاتالونيا إلى هذه المناورة السياسية بعد أن سبق للحكومة الإسبانية أن رفضت ملتمس القوميين الكتلان بإجراء استفتاء حول استقلال هذا الإقليم عن إسبانيا في 9 شتنبر 2014، مما حذا برئيس إقليم كاتالونيا لصياغة اقتراح يكون بمثابة حل وسط لأزمة الإقليم، وتمثل هذا الحل في إجراء استفتاء رمزي لا تترتب عنه أي تبعات قانونية يمكن المواطنين الكطلان من التعبير الرمزي عن رغبتهم في الانفصال عن إسبانيا، وأظهرت نتائج الاستفتاء الرمزي على استقلال كاتالونيا يوم 9 نونبر 2014 أن 80,76 % من الكطلانيين يؤيدون استقلال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا. وفي هذا السياق، اعتبر أرتور ماس أن حصول تحالف القوميين الكتلان على 68 نائبا برلمانيا ( الأغلبية المطلقة بحيث يتشكل برلمان كتالونيا من 135 نائبا برلمانيا) في الانتخابات الإقليمية المقبلة هو تأييد للكتالانيين لاستقلال إقليمهم عن إسبانيا. كما صرح لوسائل الإعلام الكتالانية «يجب أن تكون انتخابات 27 شتنبر بمثابة جواب يمكّن من معرفة ما إذا كان الكتلانيون يريدون دولة مستقلة من عدمه»، هذا وانطلق أرتور ماس من هذا الأساس ليدافع عن الطابع الاستفتائي للانتخابات الإقليمية المزمع إجراؤها في السابع والعشرين من الشهر المقبل حيث اعتبر أنها البديل الوحيد الممكن لاستفتاء تقرير المصير الذي ألغاه القضاء الإسباني. وتجدر الإشارة إلى أن تحالف القوميين الكتلان قد حصل في انتخابات 2012 على 74 نائبا برلمانيا، وهو الآن في حاجة إلى الحصول على 68 نائبا فقط للإعلان عن استقلال كاتالونيا. وعلى صعيد متصل، أوردت منابر إعلامية إسبانية أنه سيكون منافيا للمنطق الاعتماد على أغلبية برلمانية أقل من ثلثي مجموع النواب لتعديل النظام الأساسي للبرلمان وبالتالي إعلان استقلال الإقليم. وذكرت أن البروفسور الكندي ستيفان ديون صاحب النظرية الكندية حول تقرير المصير أورد أن 13 بلدا حصل على الاستقلال عبر الاستفتاء منذ سنة 1945 بعد أن بلغ فيها المعدل المتوسط للمؤيدين للاستقلال 92% من الأصوات.