على امتداد حوالي 40 سنة لم تشهد إسبانيا توترا سياسيا مهددا لوحدتها المؤسسة على اتفاقات دستور 1978 الذي تجاوزته تطلعات ومتطلبات الجهات، وقفز فيه مفهوم الدولة على مفهوم الأمم التاريخية والهويات. ولم تستطع ديموقراطية القوة الرابعة في الاتحاد الأوروبي على مدى 40 سنة، أن تراجع دستورها، وأن تحوّل إسبانيا إلى دولة فيدرالية على النمط الأمريكي أو الألماني أو الكندي إلى دولة الدول، لتتجنب صراعات الانفصال التي يقود قاطرتها الأزلية إقليم الباسك وإقليم كطالونيا على خلفية التاريخ والثروة والهوية. استفتاء 1 أكتوبر بكطالونيا، الذي دعت إليه الحكومة المحلية، وأقره البرلمان الكطلاني ليس إلا وسيلة لتقرير مصير الإقليم في أفق الانفصال عن إسبانيا، وهو بهذا المظهر يتغلف بغلاف الحق الإنساني للشعوب في تناف تام مع القوانين بما فيها الممنوحة لكطالونيا والتي تحدد علاقة ، الجهات بالمركز على أساس الدستور، كما أنه يتجاوز النزاع القانوني إلى الجريمة طبقا لأحكام القضاء ، التي تعتبر الاستفتاء غير قانوني وغير دستوري ، والدعوة له والإعداد له والمشاركة فيه جرائم يعاقب عليها القانون. ويمثل إقليم كطالونيا 8 في المئة من مساحة إسبانية، بمساحة تقدر ب33 ألف كلم مربع، ويساهم ب 20 في المئة من الناتج الخام الإسباني. فيما يصل عدد سكانه 7,5 مليون نسمة يمثلون 16 في المئة من مجموع سكان إسبانيا، 5 ملايين فقط يحق لهم التصويت وتقرير مصير الإقليم، علما أن استطلاعات الرأي تقدر أن نصف هذا العدد أو أكثر بقليل، حوالي 52 في المئة، يدعمون الاستفتاء والانفصال وسيصوتون بنعم في حالة إجراء استفتاء قانوني يتوفر على كل الضمانات ومعترف به من قبل الحكومة المركزية ويحظى بموافقة دولية. وحتى ضمن هذا المسار المرفوض قطعا، من قبل حكومة إسبانيا وقضائها ودستورها فإن الأمر يتعلق بتقسيم حقيقي لإرادة الشعب الكطلاني وضرب في العمق للمصالح الوطنية وتكريس للنزعة العنصرية على حساب الوحدة والتضامن والتكامل والمساواة في الحقوق بين كل الإسبانيين. وفي هذا السياق قد يتحول استفتاء 1 أكتوبر إزاء قرارات منعه من قبل حكومة راخوي والقضاء الإسباني، إلى مجرد احتجاجات في الشوارع، وتصويت عشوائي في أماكن غير قارة، ومواجهات بين 31 ألف من رجال الأمن: 15 ألف ينتمون إلى الحرس المدني والشرطة الوطنية الإسبانية انتقلوا إلى الإقليم لتفعيل قرار المنع و16 ألف من أمن كطالونيا مواقفهم في هذا السياق لن تتضح إلا في يوم الاستفتاء، وتبقى متأرجحة مرتبكة بين الامتثال للحكومة المركزية والتعاطف مع الدعوة إلى الاستفتاء ونزعة الانفصال. وإذا كان دعاة الاستفتاء والانفصال الكطلاني قد نجحوا فعلا، في تدويل دعوتهم، وتوسيع شريحة المنفصلين، وإحياء وبعث أحزاب أقلية ، وتجميعها على أساس الانفصال، وممارسة الضغط على حكومة راخوي ، وإثارة النقاش السياسي حول تقادم الدستور الإسباني، وتخلف مفهوم قوانين الجهات والصلاحيات المخولة للحكومات المحلية، وتهالك النظام السياسي الإسباني، ودفع أحزاب اليسار الإسباني للحديث عن ضرورة إقامة دولة فيدرالية، وممارسة البروباغندا عبر الخطابات والتظاهرات والمسيرات الحاشدة والإضرابات التلاميذية والطلابية واحتلال المؤسسات التعليمية. فإن حكومة راخوي مدعومة بالدستور والقوانين والقضاء والأجهزة الأمنية والمواقف الدولية، استطاعت من جهتها أن تحجّم الاستفتاء عبر قطع اللوجستيك وتجريم كل أشكال التمويل والدعاية، وحجز صناديق الاقتراع، وأكثر من 12 مليون من أوراق الدعاية والتصويت، وبمساءلة 710 رئيس جماعة، وعبر الاعتقالات، وتهديد كل من أشرف على مكاتب التصويت بغرامة تتجاوز 300.000 يورو، وبمنع التصويت بمقر البلديات وبالمؤسسات التعليمية، وبتحديد المسؤوليات عن استقبالها للمصوتين، وبإخلائها من المحتلين قبل الساعة 6 صباحا من يوم الأحد 1 أكتوبر المحدد لإجراء التصويت، وبواسطة تدمير المواقع الإلكترونية التي فتحتها الحكومة الكطلانية للتصويت عن بعد لتفادي المواجهات. وعليه فإن الدعاة للاستفتاء، أقروا في مهرجانهم الخطابي ليوم الجمعة 29 شتنبر بساحة مونجويك ببرشلونة ” أنهم انتصروا ” ، حتى قبل إجراء الاستفتاء، بل أعلن جونكيرا نائب رئيس الحكومة الكطلانية بودغمونت ، أنه في حالة بلغ عدد المصوتين بنعم 1 مليون، من بين 5 ملايين المسجلين سيعتبر فوزا ساحقا بالنظر إلى حجم التضييقات وحملات القمع والاعتقالات وأجواء الترهيب. وبالمقابل، فإن حكومة راخوي مازالت إلى حدود ساعات عن موعد الاستفتاء تقول ” لن يكون هناك أي استفتاء”. وعلى خلفية المنع والمواجهات المحتملة ومواقف الأحزاب السياسية الأخرى الموزعة بين دعم الحق في تقرير المصير الذي لايعني الانفصال بالضرورة (بوديموس)، وبين الدعوة لعدم تقسيم الكطلانيين وعدم المشاركة في التصويت مع فتح نقاش حول الإصلاحات السياسية ونموذج الدولة (الحزب الاشتراكي العمالي)، يتوقع أن تتعمق النزعة الانفصالية في الإقليم ،وأن تتقوى الأحزاب القومية الكطلانية، وأن تشهد إسبانيا انتخابات جديدة تنتصر للأحزاب الداعية للانفصال في كطالونيا، وتسقط حكومة راخوي في سياق مرحلة إقرار إصلاحات سياسية ودستورية يتصدرها عنوان الدولة الفيدرالية الذي يطرحه كثير من المحللين السياسيين للوضع الإسباني.