خرج الفيلق الذي ظن أنه انتصر وأن نضاله لن يكسر وأنه باق وأنه الأغر يتبع جمعا أحس هزيمة الانتصار الدعائي المزعوم، ونظرات منهم لنا تقول: لم نكن نريد أن تقودنا المعركة إلى مواجهة لطلبة باحثين وفي قاعة ثقافية انطلق فيها اللقاء بآيات من سورة مريم، تسيره طالبة تحجب شعرها وتحضره أمهات متفقهات وأديبات ملتزمات… لكنهم قد لا يعلمون أن مجموعتهم المحتجة ليست على وتر واحد، وأن فيها عددا غير قليل ومنسجم انتشوا بهذا الفتح وعلامات الرضا كاشفة وجوههم، يجليهم تأهبهم لتهديد أي من استنكر هذه الغزوة التي باركوها قبل يومهم هذا، وأحلوا تهديد كل من فضل الأدب على توقيف الدراسة أو سعى إلى تكريم المرأة على طريقة الكفار من المغاربة الملوثين بثقافة المساواة أوالتكامل أو التوازن… التي فشحت المرأة وعلمتها الزنقة حتى صارت ترفض أن تغسل رجل بعلها المنهوك بالفحولة وتداريب الفول كونطاكط. وأباحوا الاستهزاء الوعيدي بكل من يدنو من حلقة الشعراء الهائمين بالكلام الجانح الهائم في تفاهة الأحاسيس وفي عشق يدعونه صوفيا وما هو إلا جسارة على الربوبية وإيحاءات شيطان رجيم وتدريب على طيران العقل قبل الجنون. وفيهم من معركته دوام المعركة وإنهاك الفرسان… لأن التعليم يكرس الأوضاع الطبقية ويعيد إنتاج السلط القائمة… وهذا هو تفكير بعض من يتياسر اليوم بمحاربة المعرفة وبهدلة النضال… جعلوه نوعرة وتكميدة وخرقة رثة وعبوس حال. يستفزهم الحب، نقيض مشاعيتهم البدائية، وأما الشعر فنزوة برجوازية إن لم تتناول مراحيض السياسة وقمامات أسئلة رثة—— لا فرق بين ذكر وأنثى، سواسية إلا بالصوت المبحوح المسعول من وعورة الشعار. خارج القاعة وقد قاربت الساعة سادسة المساء، تحلقوا لتهنئة أنفسهن وأنفسهم بفرقعة لقاء ثقافي، وإحصاء ما تبقى لديهم من مفرقعات، والتخطيط لمعركة الغد. خاطبت جمعهم: نظمنا لقاء افتتح بأيات من مريم فهاجمتموه، ما مشكلتكم ومريم؟ لما تخافون المرأة؟ لما تعادون الثقافة؟ لم تحاربون الشعر.؟.. جئت لإلقاء قصيدة فمنعتموني كما لم يمنع نشاط ثقافي سنوات الحديد والصراع والحراك، لكني مصر على قراءتها، أنا لا أخون قصيدة سكنتني… أنا لا أتنازل عن كلمة… ماسكا بيدي قصائد حمّلتها وحملتها للمشاركة في الفقرة الشعرية، منهم من امتعض، لكن الأغلبية وافقت أن يستمعوا لأسطورة كتبتها عن حبيبتي منية. سمعت صوتا غاضبا يقول: أحمق. وأنا أفتح أوراق قصائدي البيضاء اختل الوضع، فثمة من وخزه وعيه وانتفض ليلا يسمح بهذه الميوعة، استفتيت الجمع، جهة الإناث وافقت بحماس، بدت مظاهر الاضطراب، لحظتها تدخل رفيق فصيح بنقطة نظام ذكرت الجمع بتقاليد طلبة المغرب الذي كانت الثقافة مكون هويته. وطلب من الحلقة منح فرصة لقصيدة. وبين توضيح مضمون وفتح أوراق افرنقع الجمع، خاطبت من كان يبدي امتعاضه ومن كان يشزر ومن كان يستعد لتطريح هذا العنيد المجنون المصر على قصيدته في الساحة وعلى الهواء: تخافون الحب… تخشون الشعر… ——– يتبع ————