الليلة السابعة: الذئب بيدرو لم أسمع في حياتي عن بيدرو رب النادي الليلي الإشبيلي. لم يكن يمثل بالنسبة إلي سوى شبحا. كانت العاهرات تناديه الباطرون، بينما أنا كنت أفضل أن أسميه الذئب. ها أنا أدخل النادي … جالس كأمير أو صعلوك… لا أدري…في بؤرة الستريبتيز. دخلت سيدة في الأربعين غزا الشيب مساحة شاسعة من شعرها. شرعت تتفحص وجوه رواد النادي من وراء الزجاج الشفاف لنضارتها. سألت البارمان عن بيدرو، فتحرك من غير أن ينبس… صوب الجثة الصلعاء الجالسة على الهواء تراقب الداخل والخارج من النادي… بعد برهة، دخل بيدرو لثمها في خدها وابتسم. تضاحكا. تبادلا حديثا ثنائيا هامسا لم أدرك مدلوله. بحثت عن ناتاليا كي أعرف منها قصة بيدرو، لكنني لم أعثر عليها، كانت قد اختفت فجأة. فكرت: ربما تكون في الغرفة مع سائح عربي أو شاب إسباني… لا أدري… استبدت بي الأتراح… أتراح غريبة لم أعرف منبعها، ولم ينفع معها سوى أن سحبت بخفة سيجارا من جيب سروالي الأزرق الأيمن وأشعلته، ثم شرعت أدخن بتلكؤ، ابتلعت دخانه الشديد، فأحسست بنار تشتعل في حنجرتي، في هذه الأثناء حدجتني أريج بنظرة خالبة وثاقبة في آن كما لو أنها ترغب في افتراسي بعينيها الزرقاوان المشهيتان الشهوانيتان. لم تتردد ثانية واحدة. حملت كأسها واقتربت مني. جلست بجانبي ومدت يدها اليمنى اللبنية إلى فخدي بعدما لاحظت أن عيناي مسمرتان في اتجاه بيدرو والسيدة ذات الشعر الأشيب بالتقريب. قالت: - هل ترغب في أن تعرف من هي تلك السيدة…؟ - طبعا…سأكون ممتنا لك، يا عزيزتي. - إنها القوادة زبيدة زوجة بيدرو. - صحيح هذا……….حقا……….. - نعم. لكنه طلقها. كانت ترغب في الاستحواذ على نوادي بيدرو بطوريمولينوس، " بين المدينة"، وقرطبة. لم أنبس بالكلام. وتركت أريج تحكي على سجيتها، فانطلقت كالخيول الجامحة على رمال الشط. قالت: - " زبيدة استغلت فتيات في عمر الزهور. لم يكن يتوفرن على أوراق الإقامة في إسبانيا، وأشباه زبيدة وبيدرو منتشرين في مدريد، فالنسيا، برشلونة وغيرها. استحوذت زبيدة على نادي ليلي بمالقا وأمست هي الآمرة والناهية، تدير شبكة لتهجير المغربيات الضائعات التائهات اللاتي يعشن حياة المذلة والقهر، وتستغلهن في الدعارة. أعرف أنها كانت تساعد بيدرو اللعين الشره بجلب فتيات من شمال المغرب، وفي قبضة يدها المكلفون بالاستقطاب، تزوير الوثائق، التأشيرات وعقود العمل، والأخطر فيهم المكلفون بالهجرة السرية. وكل فتاة مسكينة لم تطع أوامر الذئب بيدرو يكون مصيرها التعذيب، فالحارس الإفريقي الأسود الواقف في باب النادي كالصنم.. واحد منهم، ولم تسلم واحدة منهن، حتى أنا، من دروس في تبريد " سخونية الرأس" كما كان يقول القواد بيدرو. في هذه اللحظة لوح بيدرو بيده اليمنى إلى أريج كمالو أنه يأمرها بالامتثال أمامه في الحال. وبخفة راحت أريج قبالة الكونطوار، فالتفت إليها، حالما وقفت أمامه رمقها بنظرة جلفة سمجة، نهرها، لم أسمع ما قاله لها، لكنها أسرت لي بذلك، قال متسائلا في تغطرس: - ماذا تحكين للماروكي أيتها الداعرة؟ - لاشيء… - أغلقي فمك وإلا ملأته لك بال"خراء". - دبري على رأسك والزمي حدودك يابنت الكلب، وإلا رميت بك في الشارع…. عادت أريج إلى مكانها الاعتيادي، وبعد هنيهة، تحركت وغمزتني بلحظها لأتبع خطاها. جلسنا أمام كونطوار بار جانبي، في الداخل، حيث الاختلاء والسرية سيدتا المكان، هاهنا يمكن لنا أن نهرب من نظرات بيدرو الشرسة الوقحة المتقيحة والجلفة. طلبت منها أن تتم القصة. لكنها أحست بارتياع من بيدرو. وبعد ثانية شرعت تحكي بعد أن اطمأنت أن بيدرو غادر النادي رفقة القوادة زبيدة: قالت: -" زبيدة الفاسية تحصل نصف نقود كل مجامعة تقوم بها العاهرات. النقود لاتقل عن سبعين أورو لعشرين دقيقة. ملهاها مشهور بحي إسباني شهير. هل سمعت به في مالقا؟…لا تتواني في توفير العذراوات للخليجيين وبارونات المخدرات والإسبان بأثمان باهظة حيث تصل الركبة وعملية "الافتضاض" إلى 1500 أورو للفتاة، ومعظم الضحايا عذراوات مغربيات ورومانيات". قلت: - ماذا تعرفين عن زبيدة أكثر. أحب أن أعرف المزيد.. المزيد.. "حملت من بيدرو. تعيش وحيدة مع ابنتها في مالقا. زواجها كان فاشلا. قالت فاطمة إنها عملت عندها أساببع ثم غادرت مالقا بعد أن أعجب بها بيدرو وشغلها في النادي الليلي الإشبيلي. كانت عندما تنفعل تصرخ: " زبيدة بنت الكلب خنزت المدينة".كانت زبيدة تتفنن في بيع اللحم المغربي بأرخص الأثمان ومن يدفع أكثر يحظى بأجمل الجميلات. كانت ترغب في تحقيق الحلم الأوروبي.هاجرت. وعندما وصلت إلى إشبيلية تعرفت على بيدرو، عاشت معه سنوات بلا زواج، وأدارت ملهى ليلي إلى أن تعمقت علاقتها بالذئب بيدرو الذي تزوجها، حملت منه، وولدت بنتا سمتها نورا، وبعد نزاع بينهما على نادي إشبيلية طلقها وتنازل لها عن نادي مالقا حيث تستقر الآن". بيدرو يمتلك نوادي ليلية لاحصر لها في إسبانيا. جمع ثروة ضخمة من تجارته في اللحم الأبيض وغيره. أريج كانت واحدة من ضحاياه. قلت لنفسي: لعنة الله على ابن الكلب. فكان لصدى لعنتي أثر في صدر أريج التي ردت بقوة دون أن يسمعها أحد: اللعنة على ابن الكلب. سحقا له. لم أقدر أن أوقف أريج عن الكلام الذي كان ينبثق من ثغرها كنهر. أفرغت مافي جعبتها من أسرار هذا القواد الذي حطم قلب ناتاليا بتآمره مع ناديا وترايان. بعد برهة، نودي على أريج، فبقيت وحيدا. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلا مغربية. الثانية ليلا إسبانية. لا زالت ساعتي مضبوطة على التوقيت المغربي، لم أبدله. خرجت من النادي وأنا أفكر في ناتاليا التي لم أر لها رسما هذه الليلة. رحت ناحية سيارة أجرة بيضاء كبيرة ذات خطوط زرقاء رقيقة. دلفت إلى السيارة، قال السائق: " ماهي الوجهة؟" أجبت بابتسامة ماكرة: " وسط المدينة". انطلقت السيارة. كنت أنظر إلى الطريق المبسوطة الفسيحة كنحر الزرافة، وإلى القمر من خلف زجاج السيارة. كان القمر مبهما هذه الليلة كما لو أنه يخبأ سرا من أسرار الكون. مرت السيارة من قبالة منطقة صفت بها شركات ومصانع. أحسست بحركة السيارات والشاحنات وبسائقيها الواقفين بعد يوم عمل. أدركت توا أن ثمة ملاهي مخصصة للمتع الجنسية، وعلى جنبات الطريق انكشفت لي بنات ليل مصطفات. طلبت من السائق ألا يسرع في القيادة. كان ثمة بنات ليل شبه عاريات، رغم برد أكتوبر، رومانيات مثل ناتاليا، برازيليات مثل إيليا، أرجنتينيات، كولومبيات، إفريقيات، ومغربيات تفضحهن ألوان بشرتهن ونطقهن بإسبانية ركيكة. كان طقس أكتوبر باردا، فشرعن يتحلقن حول النار المشتعلة المتأججة على شكل دائرة. سألت السائق ضحكا: - هل ترغب في مجامعة واحدة؟ - لا أحب ذلك، سيما في أوقات البرد..عفوا..العمل تخيلت أنه لايستطيع أن يمارس الجنس بشكل حقيقي إلا إذا تناول حبة فياغرا. سمعت أن شيخا في الستين في فاس بلع حبة زرقاء بعد أن لحست قاصر دماغه فتوقف قلبه حالا وبقيت جثته جاثمة على صدر المسكينة حتى وصل المسعفون. وكانت فضيحته قد انتشرت في المدينة وفي الصحف كالنار في الهشيم. طلبت بأدب بالغ من السائق الوقوف. شرعت أتأمل في مفاتنهن. كانت واحدة منهن تتفنن في إبداء مفاتنها أكثر من الأخريات أمام السيارات التي تذرع الطريق جيئة وذهابا بحثا عن بنت ليل حسناء. وقفت سيارة، راقبتها، فارتمت عليها بسرعة البرق عاهرة برازيلية، قالت ببلاهة: - 20 أورو. وأضافت: - " تشوبا"… لم أفهم. سألت فيما بعد وعرفت. وعليكم أحبائي أن تبحثوا عنها في قاموس الدعارة لتعرفوا مدلولها. منحها صاحب السيارة النقود. في هذه الأثناء عدت إلى سيارة الأجرة البيضاء الكبيرة ذات الخطوط الزرقاء الرقيقة، كان السائق ساخطا ممتعضا، لم أعره اهتماما، وطلبت منه أن يوصلني بسرعة إلى الفندق الكبير. مع الأسف، كنت قد نسيت إسمه، إلا أنه من حسن الحظ أن مروان كان سجل في ورقة بيضاء إسم الفندق ومنحها لي مخافة أن أتيه عنه، كان مروان صديقا حميما لي، تذكرت أنني وضعتها في جيب سروالي الأزرق الأيمن، أخرجتها ومنحتها للسائق الذي قرأ العنوان، ومن غير أن ينبس انطلقت السيارة ثاقبة الطريق الفسيحة المبسوطة كعنق الزرافة إيليا، تاركة وراءها دخان النار المتأججة. داخل السيارة فكرت في الخيول الأسيرة في إشبيلية. ولا أدري لم تذكرت توا ناتاليا، أريج، إيليا وفاطمة. كان مروان حكى لي عنها عند مشاهدته لها عابرة طرقات لا خيرالدا ودروب المدينة العتيقة. كنت أرغب في مشاهدتها. وعندما شاهدتها ذكرتني بخيول مراكش خلال زيارتي لقبر الشاعر المعتمد بن عباد ملك إشبيلية في أغمات حينما كان أجدادنا يحكمون الأندلس.