الليلة الرابعة: مع إيليا البرازيلية خرجت من بيت ريكاردو لا أعرف الوجهة التي سأقصد… كان نداء النادي الليلي الإشبيلي يهدر في دواخلي كصفير القطار. وكان أثر الشراب لا يزال يفعل فعله في رأسي. أحسست بدوار كأني داخل باخرة واقف أترنح وهدير البحر يعلو ويعلو… الأمواج عالية، وليل إشبيلية طويل جدا… ها أنا أحث الخطى في شوارعها الواسعة النيرة كالثريات المتلألئة. نساء حسناوات كالحوريات يذرعنها ذهابا وإيابا، وفتيات وفتيان يمرحون فوق الدراجات الهوائية، يتلاعبون في الطريق الممتدة الواسعة للاخيرالدا. في هذه البؤرة، لاوجود لشيء إسمه المعاكسة أو التحرش… هناك فحسب الوضوح والشفافية المبحوث عنها في العلاقات الغرامية. لفتت انتباهي فتاة بشعر قزحي اللون تلثم بتلهف صديقها ذي الشعر الأشقر والوجه المستطيل ككرة ( الركبي) المستطيلة، عندئذ تذكرت الإسباني الذي كان يتنطط كالنسناس داخل الحلبة الصغيرة جدا وضحكات إيليا المزعجة التي كادت أن تكسر جدران النادي… لم أكن أعرف في بادئ الأمر أن إيليا برازيلية، لكن عبد القادر أكد لي ذلك وهو يهمس في أذني. قال: - " جسد إيليا كالفستق". قلت له: - هذا بحر بعيد الغور. - ماوي…. - دعني وشأني يا عبد القادر، فأنا اكتفيت بناتاليا. - لكن لابد لك من تذوق الفستق… الجسد البرازيلي، لسوف تدخل ياعزيزي مباشرة إلى الجنة. - هل حكت لك إيليا شيئا عن نفسها؟ كيف وصلت إلى إشبيلية؟ ما قصتها؟ - لاتكن أبلها. لاتهمني قصتها. كل مايهمني جسدها الأسمر الخالب، الفاتن، الأخاذ، يسافر بي إلى الغابة، جاعلا أصوات الحيوانات المتوحشة تتعارك فيما بينها داخل رأسي، ما يعطيني القدرة على المجامعة البهيمية. كنت أدرك توا ألا فائدة ترجى من الكلام مع عبد القادر، فقد اعتاد على الحياة الحيوانية، سيما عند ممارسته للجنس. المستغرب أن إيليا، وهذا مالم أفهمه حتى اللحظة، كانت تروقها حيوانية عبد القادر الذي يحب أن يحاكي الحمير في قلب المجامعة، ولايمكن لك عند سماع نهيقه سوى أن تقذف بنفسك من أقرب نافذة إزاءك. لم تكن إيليا تشبع أبدا. ولهذا السبب كانت تطاردني داخل النادي على الرغم من ابتعادي عنها، كانت راغبة في التلاعب بجسدي والاغتراف من كيس نقودي. تلك الرغبة القصيرة جدا التي تحس فيها كأن ثعبانا يلدغك ويختفي بسرعة البرق. لا أدري حتى الآن لماذا كانت إيليا تريدني أن أبتعد عن ناتاليا….كانت نظراتها غريبة، وصوتها أغرب. هل أحبتني؟ ياللحماقة….كيف لها أن تحبني؟ قلت لنفسي: إن حب العاهرة أخطر بكثير من أي حب عادي أو اعتيادي. حكى لي نوفل أنه تعرف ذات يوم ربيعي، مؤتلق،في علبة ليلية بالمضيق على عاهرة ذاق معها لأيام طعم السعادة وحلاوة المجامعة، لكنها كانت شرسة، وفي أحيان كثيرة كانت تتعمد إخفاء أحذيته حتى لايخرج من البيت كأنها تتوهم أنه بعلها الحقيقي. ولم تكن ترضى أن تأخذ أتعاب عرقها، وفي أحد الأيام انقطع نوفل عن الرواح إلى بيتها فأصابها الخبل والجنون، لكنها ما فتئت أن نسيت تلك العلاقة الزئبقية وعادت ريما لعادتها القديمة، وكانت العلبة الليلية محتضنها الأبدي. حاولت إيليا معي بكل الوسائل، لكنني كنت أشيح بوجهي عنها. لا أكثرت لها، فقد كانت تظهر لي تارة في صورة كلب، وتارة أخرى في صورة قنفذ، وفي مرات كثيرة في صورة سحلية. كان عبد القادر يتحدث بسلاطة ووقاحة عن الليلة التي أمضاها معها، ليلة لا يمكن وصفها، كانت كل الرغبات الشاذة وغير الشاذة ماثلة داخل الغرفة النيرة، وفوق السرير المدثر بغطاء أحمر أملس وشفاف ارتمت إيليا كحواء……… وعندما كان يحكي كانت شفتاه الغليظتان تتدليان كعنقود عنب أحمر مائل إلى السواد بعض الشيء. آه.. ياعبد القادر لوكان والدك حيا لما نفعته معك سوى الهراوة، فهي التي كانت ستعيدك إلى جادة الصواب. أما، الآن، فلك الحق في أن تمرح كما تشاء في حدائق إيليا وتقطف من أشجارها كل الثمرات التي تشتهيها. لن يوقفك عند حدك أحد أيها المغامر العتيق مكتشف متع المؤخرات المكتنزة والنهود العامرة. إيليا لاتشبه ناتاليا في شيء. إيليا سمينة بعض الشيء، طويلة كالزرافة، قامتها ممدودة ومفرودة، عنقها مديد، شعرها مائل إلى السواد، يزيده الضوء الخافت للنادي بعض اللمعان، فيما ناتاليا رقيقة المظهر كالريشة، عند النظر إليها يخيل إليك أنك واقف أمام الممثلة " كاثرين زيتا جونز ". ناتاليا تماثل الفراشة في مشيتها، مشهية، جمالها خارق، شعرها خاتم ذهبي، عيناها خضراوان كالبساتين، وفمها كحب الملوك. ناتاليا فراشة مبهمة كضوء القمر. أما إيليا فهي كالثور الذبيح وسط الحلبة يترنح على تصفيقات جمهور أرعن، متكبر، لا يدرك معنى الحنو أو الرحمة. جمهور يغتال الظلام في باطنه ليعيش هناءة هاربة. القضية أنه لوبقيت إيليا في البرازيل لكان الوضع مختلفا، بيد أن مافيا تهريب اللحم … لا ترحم. سقطت إيليا في يمها البعيد الغور، ولن يسمح لها بالفرار…. لن تعود…. استأنفت طريقي. وصلت إلى الفندق الكبير من غير أن أحس بأنني قطعت كل هذه المسافات. فتح لي موظف الاستقبال…الباب الزجاجي الشفاف، لاحظت أنه كان يتابع شريطا سينمائيا، لم أرغب في السؤال عنه. صعدت إلى غرفتي رقم 701، أخذت حماما دافئا، استبدلت ملابسي هذه المرة، كان أثر الشراب قد اندثر وارتميت على السرير، ونمت. كان يحيى قد حكى لي قبل أن يفارق جهينة أو خديجة، لا يهم، أنه زار مساء الجزيرة الساحرة بإشبيلية. وهذا ما دفعني إلى أن أحلم بها. كيف ذلك؟ كان حلما ليس غير.