لخص الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، نظرية التوزيع في الإسلام بقوله: (ليس أحد أحق بهذا المال من أحد، إنما هو الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته)، وقوله (إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف). وفي أواخر أيام حياته حين بدأت تظهر طبقة ممعنة في الغنى، ولم تسعفه طعنته في علاج الموقف، قال كلمته المشهورة (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لأَخَذْتُ فُضُولَ أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ فَرَدَدْتُهَا عَلَى الفُقَرَاءِ). ومؤدى ما تقدم أن الإسلام لا يسمح بالغنى إلا بعد توفير حد الكفاية لا الكفاف لكل مواطن. وبعبارة أخرى أنه لا يسمح بالغنى مع وجود الفقر، وإنما يبدأ الغنى والتفاوت فيه بعد إزالة الفقر والقضاء عليه نهائيا. ومن هنا فنحن مع القائلين أنه في الظروف العادية حيث يعم الفقر وينتشر الحرمان، لا يجوز لأحد أن يمتلك أكثر من حاجته. ويؤكد هذا قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ". [البقرة: 219]، والعفو هنا هو كل ما زاد عن الحاجة. وقول الرسول عليه السلام : (إذا بات مؤمن جائعا فلا مال لأحد)، وقول الرسول: ( إن الأشعريين إذا أرملُوا في الغزوِ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموهُ بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم)، وقول الرسول في سفر (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ) ويضيف الرواة أن الرسول ذكر مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. كذلك فإن الإسلام إذ يسمح بالغنى بعد ضمان حد الكفاية، وذلك لكل تبعا لعمله، إلا أنه لا يسمح بالتفاوت الفاحش في الثروة كما لا يسمح بالترف. فالغنى والتفاوت في الثروة والدخول ليس مطلقا في الإسلام، بل هو مقيد بقيدين أساسيين: أولهما– ألا يكون التفاوت في الغنى كبيرا، إذ من أكبر بواعث السخط والجرائم في المجتمعات وخلق الطبقية والصراع بينها، التفاوت الفاحش وتركز الثروة في يد فئة قليلة من الناس، الأمر الذي نهى عنه الإسلام بقوله تعالى : " كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". [الحشر:7]. وكشف عنه تصرف الرسول بتوزيع فيء (خراج، غنيمة، ما يغنمه المسلمون بغير قتال) بني النضير على المهاجرين واثنين فقط من الأنصار كانا من الفقراء. ثانيهما– ألا يؤدي الغنى إلى الترف لقوله تعالى:"وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِين".[هود:116]. وقد علمنا التاريخ أن الشعوب حين تبدأ حياة الترف والمغالاة، فإنه يكون ذلك إيذانا بغروب شمسها وأفول نجمها، وصدق الله العظيم "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً".[الإسراء: 16]. وهو ما عبر عنه الرسول بقوله : (فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدّنْيا عليكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قبلَكُم فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم). وقد حلل ابن خلدون في مقدمته مبدأ كراهية الإسلام لأسلوب الترف بأن من شأنه إشاعة السلبية والتكاسل، وأنه جرثومة القضاء على الحضارة. لقد أدرك الإسلام منذ البداية، أن مشكلة الفقر لن يحلها الإحسان،ولن تتداركها الإجراءات الإصلاحية التي تستهدف تسكين الآلام أو تخفيف الحرمان بل لابد من حل جذري. ومن هنا كانت نقطة البداية في الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى الحث على إتقان العمل وزيادة الإنتاج ورفعه إلى مرتبة العبادة، ما قرره من ضمان حد الكفاية بين الأفراد. والله الموفق 24/03/2013