بعد التدخل العسكري الفرنسي الأخير في مالي، وما أحدثه من مشاكل وقلاقل وتوزيع للجماعات الإسلامية المقاتلة على أكبر بقعة من أرض مالي في اتجاهات مختلفة مما كانوا عليه قبل الهجوم الفرنسي. بدأ الغرب يتحدث عن توسع رقعة القاعدة في دول المغرب العربي الإسلامي، واستقطاب شباب من مختلف دول المنطقة بما فيهم الصحراويين في منطقة تندوف المحاصرة للانضمام إلى صفوفها من أجل قتال دول الكفر والإمبريالية وعلى رأسهم فرنسا وأمريكا. وبعد أن شعرت أمريكا بخطر آخر صادم وقاتل لمصالحها المستقبلية في دول شمال إفريقيا على وجه التحديد، أدركت أخيرا هذه الدول التي كانت دائمة المناورة واللعب على ورقة الأقليات، كالانفصاليين الصحراويين مثلا؛ وبعد اكتشاف تورّط "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب" البوليزاريو في دعم الجماعات المسلحة المقاتلة في دول الساحل والصحراء، أُرغم المبعوث الأممي "كريستوفر روس" عن إعادة حساباته في كيفية التعامل مع رسالته التي كلف بها من طرف الأمين العام الأممي، ودخل في جولة مكوكية أخرى جديددة مقتنعا حسب كلامه أكثر مما مضى على حلّ النزاع في أقرب وقت ممكن، حتى لا يترك المجال لأولئك الذين يحاولون قطع الطريق عن بلده من الوصول إلى مصالحها الاستراتيجية في عمق إفريقيا، البلد الخام الذي لم يُكتشف بعدُ كلُّ ما في جوفه من احتياطات ومخزون. ويبدو واضحا للعيان أنّ الصراع عن القارة الإفريقية بدأ يطفو على السطح بين الدول الكبرى، خصوصا بعد أن تخلت الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤقتا عن أطماعها في منطقة الشرق الأوسط. في مخطط جديد من تقاسم الأدوار مع عدوتها روسيا من خلال بوابة سوريا. إلا أنّ فرنسا لا ولن تسمح بالتخلي عن مستعمراتها القديمة بسهولة، وهي في صراع من خلالها مع دول أخرى تزاحمها، بحكم أنّ القارة الإفريقية هي من مستعمراتها مهما كلفها ذلك. لذا فقد بدا "ميستر روس" هذه المرة عازما على إيجاد بدائل لتحريك الأطراف المتنازعة من أجل العودة مجددا إلى مائدة المفاوضات بعد انقطاع طويل، مما دفعه طموحه مجددا لزيارة الرباطوالجزائر ونواكشوط لشهر الماضي، في عملية حشد الدعم لزيادة الضغوطات على كل الأطراف، ومعرفة طبيعة ما يجري بخصوص ما يسمى ب"الحرب على الإرهاب" من خلال الدول المعنية بالحدود. إلا أنه وجب التنبيه إلى معرفة ما يريده روس من سرعة تأكيده: بضرورة إيجاد حلّ للنزاع على الصحراء! الأمر الذي لم يكشف عن أسراره بوضوح! كيف سيتم ذلك يا مستير روس؟؟ ما الحل الذي حملته في جعبتك هذه المرة؟ إذا استثنيا الرعب الجديد من تنامي حملة التجنيد التي تقوم بها الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء… وقد يكون ما يشير إليه كذلك "المستير روس" في هذه الجولة التي تنتهي مطلع شهر أبريل نيسان، ليقدم تقريره للأمين العام الأممي، هو خطاب ما ينبغي أن يكون الوضع عليه في الصحراء!. في الحقيقة، أحيانا ينتاب الإنسان مخاوف وشكوك تجعله غير قادر على تصديق مساعي مثل هذه الدول المتزعمة لهذا العالم، بحكم أنّ اقتصاداتها التي تقوم على تصنيع السلاح والمتاجرة فيه، وبالتالي ضرورة خلق مناطق نزاع لترويج بضاعتها المدمرة. فكيف بنا أن نصدق أنها جادة بالفعل ويعنيها على وجه الحقيقة حل المشاكل العالقة بين كثير من دول العالم الثالث كما هو الحال في قضية وحدتنا الترابية؟. إذا كان روس فعلا جادا في مساعيه ويريد حقيقة أن يجد حلا كما يزعم للقضية! فالحل جد سهلا يا "مستير روس"، فما عليك إلا أن تضغط باتجاه دولة الجوار الجزائر، لترفع أيديها وأموالها… عن هذا الملف نهائيا، وتتفرغ لمشاكلها الداخلية التي تتفاقم يوما بعد يوم. فإنّها إن فعلت؛ لن تمضي غير أسابيع معدودة حتّى تُحل قضية وحدتنا الترابية بطريقة تلقائية أخوية سلسة وبروح رياضية عالية مع إخواننا في الجنوب. فيد المغرب لا تزال معطاءة، ومشروع الحكم الذاتي حل يقبله الجميع . فقد بات في علم المؤكد، أنّ جبهة البوليساريو لا تمثل كل الصحراويين على اختلاف مناطقهم كما تصور الكثير، ولن تكون. كما أنّ سكان الصحراء متأكدون من انتمائهم لبلدهم المغرب، ومدركون ما لا يدركه الوسيط الأممي؛ وهو عمق مغربية الصحراء، من خلال التاريخ والجغرافيا والوضع الميداني. فيا ليت الوسيط الاممي" كريستوفر روس" يضبط البوصلة هذه المرة ويسير في الاتجاه الصحيح، ليعمل فعلا على حلحلة النزاع، وحينها سيستحق منا بلا أدنى شك، كل الشكر والإحترام والتقدير.