قد أتفهم دفاع شخص عن أمر فيه ما فيه من المصداقية، وليس عيبا إذا قلنا فيه كذلك من المصلحة التي لا تضر بالتوجه العام للمجتمع ككل. لكن ما لا يستطيع عقلي الإحاطة به! هو دفاع البعض عن أمور هي من البديهيات، وفيها من الحقائق ما يصعب ردّها. عندما تقوم إدارة مراقبة الغداء بواجبها في البحث والتحري ومحاربة الغش والتزوير في المواد الغدائية عموما لحماية المستهلك ليس بحكم أنه مسلم أو غير مسلم، إنما هي تقوم بواجبها ضمن خطة العمل التي أوصى بها الاتحاد الأوروبي. كما جرى مؤخرا في العديد من الدول التي تحترم مستهلكيها ضاربة على يد الغش والتحايل... كفضيحة لحوم الخيول التي خلطت عمدا بلحوم البقر. في عديد من دول العالم لبخس سعرها، ووصلت العدوى إلى الدّانمارك حيث قامت الإدارة المعنية بواجبها في عملية تقصي ومتابعة مجموعة من المصدّرين للحوم في مختلف مناطق البلاد، فكانت المفاجأة بالنسبة للمراقبين بنسب متفاوة في عملية الغش، وكانت الكارثة بل الفاجعة بالنسبة للمستهلكين المسلمين، فالمخلوط به ليست لحوم الخيول والبغال والحمير، فإنّ فيها نظرا إذا ما ذكيت! لكن الفاجعة والمصيبة والكارثة تبين أنّ اللحوم المغشوشة كانت مخلوطة بلحوم الخنازير التي حرمها الله تعالى على المسلمين أكلا وانتفاعا عل حد سواء. وحين نُشر الخبر بالصور لبعض الشركات التي تصنع تلك اللحوم قصد استهلاكها من طرف المسلمين، وبعد أن اعترفت الشركة المتورطة بعملية الخلط سواء كان ذلك عمدا أم على سبيل الخطأ، كانت ردّة فعلنا تختلف حول ما شاهدنا وسمعنا. فوقف البعض موقف المتفرّج اللامبالي. فيما وقف البعض الآخر محايدا خوفا من أن يقع في حرج الحرمان من الأكلة الخفيفة الرّخيصة، فيما بادرت القلّة القليلة المتابعة للأوضاع ناصحة ومحلّلة للوضع لتحصد الشكر على التفاعل وحسن الاهتمام… ثمّ ما لبث أن تعالت صيحات المسلمين بعدها منددين بهذا العمل المشين، واهتزت المنابر في خطبة الجمعة الأخيرة من الشهر الماضي منددة ومحذرة المسلمين في نفس الوقت من الاقتراب من تلك المصنعات من مشتقات اللحوم حتى يتبين الحلال من الحرام، ويزول الشك باليقين وتتقى الشبهات. إلا أنه حصل ما لم يكن متوقعا من الآخرين تماما حيث كان هناك للأسف من خرج عن المألوف من عموم المنابر، وشط بعيدا عن الحق مربكا المسلمين ومبررا زورا بل ومكذبا ما أكدته فحوص إدارة مراقبة الغذاء بالدليل القاطع، وبنص اعتراف الشركة المتورطة بالتقصير في مراقبة للحوم التي تصنعها؛ فوالله لا أجد ما أقول في هذا الموقف المخذّل والمربك للمسلمين! ما الذي يجعل هؤلاء يقفون هذا الموقف السيئ؟ وما المصلحة المعتبرة لديهم في الصد عن الحق ودمغه؟ بدل الدفاع عنه! ولماذا يدافعون عن الباطل!؟ كيف والشركة نفسها تتأسف للواقعة وتعتذر للمسلمين!!. كان من الأجدر على أولئك تصحيح المسار، وفرصة سانحة لمراجعة النفس، والزيادة في الضبط ورفع وتيرة المراقبة المسؤولة، والضغط على كل الغشاشين والمتلاعبين المستهترين بمعتقدات المسلمين؛ إذ من صلب عقيدة المسلم الطاعة والانقياد لله في ترك النجس من الأطعمة والأشربة. ولحم الخنزير من المحرمات بالكتاب والسنة فلا يجوز لأيّ كان أن يدلّس على المسلمين في هذا الباب!…