يعتبر المغرب، الذي أدرك، منذ وقت مبكر جدا، أهمية الإجراءات البيئية الاستباقية والحاجة الملحة للتصرف العملي في مواجهة تغير المناخ، لاعبا رئيسيا في مجال التنمية المستدامة في إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، ومنخرطا عضويا وبقوة في التعاطي مع تحدي المناخ كواجب مشترك لكل البشرية. واستضاف المغرب مؤتمر (كوب 22)، الذي حقق نجاحا كبيرا على كل المستويات، مما سمح للمملكة بتأكيد سمعتها كبلد له فاعلية ودينامية خاصة في مجال التنمية المستدامة أثبت ريادته في هذا المجال الحيوي، وهو المؤتمر الذي تميز بكونه شكل نقطة تحول في الجهود العالمية للوفاء في أسرع وقت ممكن بالالتزامات الدولية لمواجهة تحديات تغير المناخ. وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، قام المغرب برفع القضية المناخية إلى أعلى مستوى من الاهتمام من خلال الالتزام بفعالية بنهج مسؤول اتجاه التنمية المستدامة التي تقوم على أساس المحافظة الاستباقية على البيئة. هذه الريادة المغربية النشطة والملتزمة في المجال الزخم الذي أطلقه مؤتمر (كوب 22) وساهم في دعمه مؤتمر (كوب 23) في بون، ينبغي أن تتواصل في مؤتمر قمة كاتوفيتشي (2-14 دجنبر الجاري)، من أجل بلورة وتحقيق أهداف اتفاق باريس. وخلال مؤتمر (كوب 24)، يجب على المجتمع الدولي وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق باريس لتحقيق هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية ، أو حتى 1.5 درجة مئوية مقارنة مع مستوى الثورة الصناعية. إن التزام المغرب بمكافحة التغير المناخي هو ثمر عمل متواصل ونتيجة لاستراتيجية محكمة وطويلة الأمد قامت، من بين أمور أخرى، على سياسة تسمح بالتوفر على بنية تحتية هيدروليكية مهمة، والمخطط الوطني للماء، وميثاق البيئة، وتنويع موارد الطاقة وسياسة تركز على الطاقات المتجددة، كإحدى رافعات التنمية المستديمة في بعدها البيئي. ويكرس دستور 2011 حق المواطن في بيئة صحية والحق في الحصول على الماء، فضلا عن تحقيق التنمية المستدامة. ولا بد من الإشارة، أيضا، إلى أن المغرب، الذي جعل القضية البيئية إحدى الأولويات، قد انضم إلى مختلف الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف والإقليمية ووضع استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تمتد لأفق سنة 2030، وهو إطار استراتيجي يهدف إلى تحقيق التقائية البرامج القطاعية والخطط والسياسات من منظور الاستدامة. وبهذا الزخم، فإن المغرب، وهو صوت إفريقيا في مفاوضات المناخ، يشارك بقوة في الجهود الجماعية الرامية إلى تسريع التحول إلى اقتصادات منخفضة الغازات الدفيئة، وهي التعبئة التي سيتم الحفاظ عليها وتوحيد الجهود بشأنها خلال أعمال مؤتمر كاتوفيتشي الأممي. وحسب كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة نزهة الوافي، التي قدمت أجندة الوفد المغربي المشارك في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، "يكمن التحدي الرئيسي لمؤتمر الأطراف في تحديد واعتماد مبادئ توجيهية شاملة ومتوازنة للتنفيذ الفعال والناجع لاتفاق باريس، بهدف تحقيق الأهداف المرسومة وخاصة الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض الى أقل من 2 أو 1.5 درجة مئوية". وأضافت أنه "وعلى الصعيد الوطني، سيكون هذا المؤتمر أيضا فرصة لتثمين نموذج المناخ الوطني، والحفاظ على الالتزام والزخم المتولد حول تغير المناخ، وأيضا إبراز خصوصيات ونجاعة الريادة المغربية في التعاون جنوب/جنوب". ولإدراكه التام للحاجة الملحة للتصرف على أرض الواقع والضرورة القصوى للتوصل إلى قرارات ملموسة وقوية، يظل المغرب ملتزما بإصرار، بالمساهمة في الجهود الدولية والتعبئة ضد تغير المناخ. ومن باب الواجب، من الضروري أن نتصرف وننتقل الى العمل والفعل الميداني، لا سيما وأن كل التقارير ذات الصلة تدق ناقوس الإنذار، خاصة منها تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الذي أشار للتو إلى أن مستوى الغازات الدفيئة تجاوز سنة 2017 مستويات قياسية بخصوص التركيز في الغلاف الجوي. وفي هذا السياق، شدد الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية على أن "العلم واضح: فمن دون الخفض السريع لثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري، فإن تغير المناخ سيكون له تأثيرات مدمرة غير مسبوقة على الحياة على الكرة الأرضية". وعلى نحو مماثل، حذرت منظمة الأممالمتحدة مرة أخرى، أول أمس الخميس، من أن عام 2018 سيحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث درجة الحرارة الأكثر ارتفاعا على الإطلاق، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن السنوات العشرين الأخيرة تعد من أحر الأعوام الماضية، فإن الأربع سنوات الأخيرة كانت الأكثر سخونة على الإطلاق. ولمواجهة هذه الحقيقة المقلقة والمثيرة ولتجنب الفوضى المناخية، يجب التصرف بسرعة من خلال إجراءات قوية وملموسة وألا نرفض الالتزام بالاستثمار في المستقبل. وإذا لم يتم اتخاذ إجراء قوي، فإن العواقب ستكون وخيمة كما يتضح من العدد المتزايد للكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم.