تتبعت منذ يونيو الماضي الدينامية التي خلقتها عملية انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة وخصوصا منها انتخابات الصحافيين، لما اثارته من نقاش ونزاعات وطعون وردود افعال تدل على حيوية هذا الجسم وحركيته، رغم تشتته وعدم انضباطه وهيمنة تيارات سياسية على الإطار النقابي الذي يمثله . انطلقت عملية الانتخابات بمشاركة 3 لوائح تصدر أولها حميد ساعدني على رأس لائحة مدعومة من النقابة الوطنية للصحافة المغربية. اما اللائحتين الثانية والثالثة فتصدرهما على التوالي كل من علي بوزردة المدير السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، وعبد الصمد بن الشريف المدير الحالي لقناة المغربية الإخبارية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة . لم تثر لوائح المستقلين أية إشكالات في الإتفاق على المرشحين السبعة بقدر ما أثارته اللائحة المدعومة من النقابة، إذ لجأ نقيب الصحافيين عبد الله البقالي مع يونس مجاهد أمين عام النقابة إلى حيل مدروسة بدقة، استطاعوا تمريرها بسهولة في المكتب التنفيذي والمجلس الفيدرالي أعلنوا فيها عن فتح باب الترشح لمن يريد من أعضاء النقابة وكذلك لمن يريد من الصحافيين من خارجها. واحتفظوا بتفاصيل الخطة بينهما ومع بعض المقربين منهما بالمكتب التنفيذي . توصلت إدارة النقابة بحوالي 34 ملفا لمرشحين اغلبهم من داخل النقابة ومن ضمنهم يونس مجاهد وعبد الله البقالي . خلافا لما عبرا عنه سابقا من عدم رغبتهما في الترشح كما أعلنا عن تكوين لجنة ترشيحات سموها "لجنة الحكماء" تتكون من الأستاذ مشيشي العلمي الوزير الأسبق للعدل ومحمد برادة المدير السابق لشركة سابريس لتوزيع الصحف وجمال الدين الناجي المدير العام للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ومحمد البريني مدير النشر السابق للأحداث المغربية ، اضافة إلى الطيب الأزرق المحامي بالرباط. وبعد اعتذار برادة ووجود الناجي خارج المغرب ووجود العلمي خارج الرباط التجأ يونس والبقالي إلى الاستعانة بعبد المجيد فاضل مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال ، لكنه اعتذر أيضا بحكم وجوده خارج المغرب. ومن أجل إنقاذ الموقف اتصلا بعبد الوهاب الرامي الاستاذ بنفس المعهد ومحمد النشناش الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الانسان . وكما يمكن لكل مراقب أن يلاحظ فلا علاقة لهؤلاء الأشخاص بحكم تخصصهم بالمهمة التي أوكلتها لهم النقابة. اجتمعت اللجنة بفندق بالرباط وبدأت عملها بمشاركة أشخاص آخرين غير الذين أًعلنت أسماءهم أمام المجلس الفيدرالي. وكان يوجه أعمالها كل من يونس مجاهد وعبد الله البقالي وهما ايضا قدما اسميهما للتباري. كانا يحددان من الأحق من الأخر من المرشحين ، والطيب الأزرق وعبد الوهاب الرامي عضوا اللجنة شاهدين على هذه الواقعة في تعارض صارخ مع القوانين المنظمة للانتخابات والأخلاقيات المهنية. كما انهما بصفتهما المتصرفان في قضايا النقابة، فحسب ماتوصلت به من معلومات من النقابة فقد رفضا نشر لوائح المرشحين 34 بمقر النقابة بدون إبداء الأسباب، كما ينص على ذلك القانون. كما أنهما لم ينشرا عمدا محاضر اجتماعات لجنة "الحكماء "، وتسترا لأزيد من عشرة أيام على الأسماء التي اختاروها ، ولم يعلنا عن اللائحة المطبوخة باسم الحكمة والحكماء الاّ يوم 27 ماي تاريخ تقديم لائحة "حرية نزاهة مهنية " للجنة الانتخابات بمقر وزارة الاتصال . في المجلس الفيدرالي الذي انعقد بالدار البيضاء تم الإعلان عن الإتفاق مع الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للنقابة العمالية الاتحاد المغربي للشغل، بقي إعلان الاتفاق مبهما لا يعرف تفاصيله سوى عبد الله البقالي ويونس مجاهد وثلاثة أو أربعة من أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة . اخفاء تفاصيل الاتفاق والتلاعب بإرادة أعضاء النقابة هو سبب الصراع الدائر اليوم بالنقابة، لأنهما لم يعلنا أبدا عن التفاصيل السرية سواء في اجماع المجلس الفيدرالي بالبيضاء أو بوزنيقة. والأدهى من ذلك أن ثلاثة أرباع المكتب التنفيذي والامانة العامة تم إقصاؤهم عمدا حتى لا يتعرفوا على تفاصيل الإتفاق التي بدأت تتضح تدريجيا مع توالي مسلسل انتخابات المجلس الوطني للصحافة، حيث تم الإعلان في إطار الاتفاق مع نقابة الاتحاد المغربي للشغل عن ترأس حميد ساعدني الصحفي بالقناة الثانية للائحة النقابة "حرية نزاهة مهنية ". أضيف اليه المختار العماري من موقع تبل كيل عربي، الذي تم وضعه في اللائحة بعد كولسة واتفاق بين يونس مجاهد وبين رئيس جمعية مستحدثة تحت اسم "المنتدى المغربي للصحافيين الشباب " مقابل جر أعضاء المنتدى للتصويت لفائدة النقابة، ولا علاقة لمرشحهم بالمرة بالنقابة ولم يكن منخرطا فيها. وأضيفت إليهما مريم ودغيري من مجموعة ايكو ميديا التي تصدر جريدة الصباح اليومية وتملك أتلانتيك راديو وجريدة ليكونوميست، مدام ودغيري إطار في ليكونوميست تم وضعها في لائحة النقابة باتفاق مع عبد المنعم ديلمي باطرون ايكو ميديا، وعضو المجلس الوطني للصحافة باسم الناشرين. فكيف يمكن للسيدة ودغيري أن توفق بين اختيارات النقابة التي تمثلها في المجلس وتوجهات رئيسها في العمل الذي يوجد في نفس الهيئة. كما انها ايضا ومنذ سنوات صديقة لحنان رحاب الصحافية البرلمانية ذات الكلمة النافذة في نقابة مجاهد وبالخصوص في جمعية الاعمال الاجتماعية التابعة لها حيث تتكلف بملف أموال الجمعية، وتلك حكاية أخرى سيأتي اوان تفاصيلها . تقبل الصحافيون أعضاء النقابة وهضموا على مضض هذه التركيبة الغريبة لأنهم وجدوا أنفسهم أمام الامر الواقع، في ظرف زمني ضيق تسوده اجواء رمضان وفترة عطلة العيد وأيام الحملة القصيرة . تجند الجميع داخل النقابة في انتظار ان تتوضح الأمور اكثر. نتيجة جهود وتخطيط مناضلي النقابة فازت لائحة "حرية نزاهة مهنية " فوزا كاسحا بما يقارب 43% من الأصوات المعبر عنها، جاء أغلبها من المؤسسات الإعلامية الرسمية كالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ودوزيم وبعض المؤسسات الصحافية والاليكترونية الكبرى بالرباط والدار البيضاء، ماعدا وكالة المغرب العربي للأنباء، التي قاطع صحافيوها بصفة جماعية تقريبا الانتخابات، رغم أن النقابة قدمت ضمن لائحتها صحافيا من لاماب، لم يستطع أن يحشد لصالح لائحته سوى بضعة اصوات بالرباط. وفي هذا الصدد سبق ليونس مجاهد أن اتصل بالصحفي عمر لشهب من أجل الترشح باسم لاماب وفعلا قدم عمر لشهب وهو عضو سابق في المكتب الوطني للنقابة ملفه إلى لجنة "الحكماء" التي قبلت ترشيحه لكن تدخل الثنائي عبد الله البقالي ويونس مجاهد تدخلا وراء اللجنة وألغيا الترشيح وقدما بدلا منه عبد القادر الحجاجي، وبسبب هذا الموقف قاطع صحافيو لاماب الانتخابات بصفة جماعية سواء في المركز أو في المكاتب الجهوية. القشة التي قصمت ظهر البعير جاءت بعد افتضاح قضية تفويت المقعد الثامن للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وهي القضية التي فجرت ملف انتخابات المجلس الوطني للصحافة داخل النقابة، بعد أن فوجئ أعضاء النقابة باسم ثريا الصواف التي تم اختيارها سريا من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي لاتجمعها بها أية رابطة .تنازل نقابة الصحافة عن هذا المقعد تم منذ حوالي أربعة أشهر وبقي الامر سريا كما أشار إلى ذلك عبد الله البقالي في تصريح لموقع دابا بريس يوم السبت الماضي. وقد تم اقتراح اسم ثريا الصواف من طرف الاتحاد المغربي للشغل على البقالي ويونس وتمت تزكيته من طرف نقابة الصحافة في سرية تامة في رسالة لوزير الاتصال يوم الاثنين 9يوليوز الجاري . في هذا السياق سيخرج بيان غير مسبوق موقع من قبل مجموعة من الصحافيين العديد منهم من أُطر النقابة، نددوا فيه بهذه الخروقات واعتبروا أن التنازل عن هذا المقعد فيه مَس باستقلالية القرار داخل النقابة لأنها النقابة الأكثر تمثيلية كما ينص على ذلك قانون المجلس الوطني للصحافة، واعتبروه سابقة في تاريخ النقابة الوطنية للصحافة المغربية . مع العلم بأن التنازل عن المقعد والموافقة على ثريا الصواف لم تتم مناقشتها ضمن هياكل النقابة ولا علم لأعضائها بهذا القرار، كما أشار الى ذلك البيان المذكور رغم إلحاح عبد الله البقالي على عكس ذلك سواء في بلاغه ليوم السبت الماضي أو في تصريحه لموقع دابا بريس ، ولكنه لم يقدم ما يثبت كلامه كتقديم نسخ من محاضر اجتماعات المكتب التنفيذي أو المجلس الفيدرالي. في واقع الأمر يبدو بأن الدولة لم تتدخل في مسار اخراج هذا المجلس إلى الوجود، ورغم أهميته في تنظيم المشهد الإعلامي الوطني فان الحلقة الأضعف في هذا المسارهم الصحافيون والهيئات التي تمثلهم. فالنقابة الوطنية للصحافة المغربية وهي الإطار البارز في المشهد النقابي لم تستطع أن تتخلص من عقلية لجنة الترشيحات البائدة في تدبير شؤونها، مع غياب الديموقراطية والشفافية في التسيير اليومي لملفاتها وعلاقاتها الداخلية. ولا يزال التناوب الثنائي بين حزبين وشخصين جاثما على صدور الصحافيين منذ عقود ، حيث تدبر انتخابات النقابة ومؤتمراتها بنفس الطريقة وبعقلية تحكمية خوفا من أي مفاجآت قد تعصف بمصالح القيادة التي هرمت في مقاعد النقابة، وتبحث لها اليوم عن تقاعد مريح في آرائك المجلس الوطني للصحافة، ولا يزالون يعملون على الاستمرار في التحكم في دواليب النقابة رغم أن القانون يمنع الازدواجية في هذا المجال، وهذا ماتتبته حاليا مواجهتهم لمحاولات الإصلاح بشراسة وصلت الى حد تهديد بعض قادة النقابة بالطرد .