أكد عدد من المتدخلين في ختام أشغال ملتقى "المذهب المالكي وأثره في نشر ثقافة الوسطية و الاعتدال"، أول أمس الأحد بليبروفيل، أن المدرسة المالكية التي تتبناها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، تعد تجسيدا راقيا للتسامح والاعتدال. وأبرز المتدخلون في هذا الملتقى الذي نظم على مدى يومين، بمبادرة من مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة - فرع الغابون، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالغابون، أن المدرسة المالكية التي تتميز بالمرونة والمنفتحة على جميع المذاهب، تعمل على تغليب المصلحة العامة للأمة عبر نهج مقاربة وسطية تربط النص المكتوب بالجهد الفكري الشخصي. وفي هذا الصدد، أوضح رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الحي الحسني، سعيد بيهي، أن المذهب المالكي يعمل في إطار من التعاضد مع باقي المذاهب مما يدل على الطبيعة المنفتحة لهذه المدرسة التي لا تتردد في اعتماد موقف أو وجهة نظر مدرسة أخرى من أجل الحفاظ على المصلحة العامة ، مذكرا في هذا السياق، بأن تنفيذ الأحكام أو مبدأ قوة الشيء المقضي به بالنسبة للمدرسة المالكية على الرغم من الحجج التي يستند إليها القاضي في حكمه أو المدرسة التي ينتمي إليها القاضي ، هو المبدأ المكمل لأداء فريضة الصلاة وراء أئمة المدارس الأخرى. وأشار بيهي، في مداخلة حول أصول المذهب المالكي وبناء فكرة الاعتدال، إلى أن المذهب المالكي هو المذهب الملائم، بشكل جيد، للوقائع المعاصرة باعتبار أن الإمام مالك تبنى مقاربة وسطية بين التراخي والتطرف، والدعوة الى الانفتاح على الآخر ونبذ العنف ضد المذاهب الأخرى، وكذا بناء فكرة الاعتدال، مسجلا أن بنية لفكر المالكي تتمحور حول الاعتدال والوسطية. وفي السياق ذاته، أكد إمام مدينة بورت-جونتيل، نائب رئيس فرع الغابون لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، أن المدرسة المالكية التي تقوم على القرآن، والسنة، والقياس، وتشريع من قبلنا، والمصالح المرسلة وسد الذرائع. ودعا، بالمناسبة إلى تحقيق ونشر كتب الحديث للمذهب المالكي في المدارس والمكتبات والمساجد وخاصة كتاب الموطأ، كما دعا العلماء إلى مضاعفة الجهود أكثر للعمل على ترجمة كتب العلوم وإعادة نشر كتب السنة المكتوبة باللغة العربية الكلاسيكية مع اختيار لغة وسطية تتيح للطلبة الجدد غير الناطقين باللغة العربية التشبع بالمعرفة لتعزيز مهاراتهم في المجال الديني. ومن جهتها، أبرزت الأستاذة حكيمة الشامي، مديرة مركز التوثيق والأنشطة الثقافية بالدارالبيضاء الكبرى، أن المغرب بلد الاعتدال بامتياز، مشيرة إلى أن المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني كلها أسس تدعو إلى السلام والأخوة والحوار والابتعاد عن الفكر الظلامي والتطرف، وتضطلع بدور حيوي في إقامة هذا النهج السلمي المنفتح. وأكدت الشامي، في مداخلة حول "خصائص الوسطية والاعتدال في المدرسة المالكية، المغرب نموذجا"، أن العلماء المغاربة يعتبرون دائما أن الدين هو بمثابة ممارسة تنسجم مع محيطه ويتكيف مع سياق اللحظة، مضيفة أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، تترجم بطريقة بليغة المقاربة المغربية المؤسسة على الانفتاح على الشعوب والأمم الأخرى ونشر القيم الحقيقية لإسلام التسامح. من جانبها، توقفت أمينة فرحان، عضو فرع الغابون لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، عند دور المرأة العالمة في المدرسة المالكية في مجال تحرر المرأة، مستحضرة في هذا السياق فاطمة الفهرية (أم البنين) مؤسسة مسجد القرويين بفاس الذي أصبح صرحا لتعلم الإسلام الوسطي في العالم العربي والإسلامي. أما سفير المغرب بالغابون عبد الله الصبيحي، فقد استعرض، من جهته، في مداخلة ختامية لهذا الملتقى ، مساهمة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في نشر الاعتدال والعيش المشترك والقيم الأصيلة للإسلام حيث لا وجود للفكر الظلامي، مشيدا بالتعاون والتعاضد بين المؤسسة ومجموع المؤسسات الدينية بالغابون ، وكذا الجهود الملموسة لهذا البلد للنهوض أكثر بنهج الوسطية. كما ذكر سفير المغرب، خلال هذا المناسبة، بدور العلماء كمؤطرين في مجال نشر القيم الحقيقية لإسلام التسامح وحمايته من الضلال والجهل والظلامية، مسجلا أن هذا الملتقى "الذي عرف حضورا قويا لأشقائنا وشقيقاتنا الغابونيين يبرهن على المستوى المتميز للعلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية الغابون الشقيقة، وعلى روابط الأخوة التي تجمع بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا". وفي السياق ذاته، أعرب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالغابون والفرع الغابوني لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الإمام إسماعيل أوصوني أوسا، عن امتنانه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، على الجهود المتواصلة التي ما فتئ جلالته يبذلها من أجل حماية العقيدة والدين بإفريقيا من كل الانحرافات، وذلك عبر مبادراته المتعددة ومنها خلق مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تدعو إلى قيم التسامح والاعتدال في القارة. من جهته، أشار الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، سيدي محمد رفقي، إلى أن المؤسسة تظل فضاء للإنصات لحاجيات البلدان الإفريقية الشقيقة في مجال التكوين، معلنا أنها تعتزم تنظيم سلسلة من اللقاءات العلمية والدورات التكوينية بالغابون وذلك من أجل تمكين الجالية المسلمة في هذا البلد من استيعاب المذهب المالكي بشكل أفضل. وتميز هذا اللقاء، الذي عرف على مدى يومين، مشاركة عدد من الأئمة الأفارقة من مختلف الجنسيات، بقراءات من الذكر الحكيم من طرف المقرئ الدولي المغربي هشام العزيمي . وناقش ملتقى ليبروفيل عددا من المواضيع من قبيل "المذهب المالكي وإفريقيا المعاصرة بين الحاضر والمستقبل"، والأخلاق كمبدأ سلوكي في مذهب الإمام مالك"، و"أثر المذهب المالكي في إعادة التوحيد الإفريقي"، و"خصائص الاعتدال والوسطية في المدرسة المالكية"، و"أصول المذهب المالكي وبناء الفكر الاعتدال ، و"مواصفات الوسطية والاعتدال في المدرسة المالكية".