لطالما مارس الإنسان على أخيه الإنسان، في تحد لأحكام العقل والضمير وفي تناف صارخ مع أدنى الحقوق الأساسية، مختلف أشكال الاستغلال والاستعباد التي ما زالت إلى عهد قريب، تتيح بيع الإنسان ومساومته في ظل نظام قانوني، أباح للقوة استرقاقه ومنحها حق التصرف فيه. فظاهرة الرق أو الاتجار بالبشر واستغلال الغير، بوصفها أشكالا من أقدم أشكال العلاقة الإنسانية، كلها جرائم صارخة تطعن بحقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، إذ في وقتنا هذا، ما زالت بعض أشكال الرق التقليدية القديمة قائمة على نحو ما كانت عليه في الماضي، بل وتحول بعض منها إلى أشكال جديدة. وفي ظلمات الإنسانية، تعالت أصوات تندد بما أباح الإنسان لنفسه من حق استرقاق أخيه ونادت بحريته كحق أزلي، لا يجوز سلبه أو اغتصابه. وقد استطاع هذا النداء أن يحد من طوق الرق بعض الشيء، ولكنه لم يستطع تحطيمه بالكامل. ولعل خير شاهد على استمرار العبودية في وقتنا الحاضر، ما سرب مؤخرا في مقطع فيديو يظهر مهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء الكبرى يباعون في أسواق للعبيد في ليبيا، وهو مشهد أثار موجة غضب واستنكار واسعين من قبل المنتظم الدولي، لاسيما في إفريقيا والأممالمتحدة ، التي طالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذه الممارسات اللاإنسانية وتحويلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي هذا السياق، توثق آخر التقديرات بالتقارير التي أعدتها الهيئات الأممية والمنظمات غير الحكومية بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء الرق الذي يصادف 2 دجنبر من كل سنة، معاناة 45 مليون شخص من العبودية حول العالم، في أشكالها الحديثة المتمثلة في العمل القسري، وعمل الأطفال والاتجار بالأشخاص. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في رسالة موجهة بالمناسبة، المجتمع الدولي إلى "اتخاذ تدابير فورية وفعالة لإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر وضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025". وأضاف أن "تحقيق هذا الهدف لا يتمثل في مجرد حظر الرق قانونا في جميع أنحاء العالم، وإنما أيضا في مكافحة أسبابه الجذرية، والتوسع في إمكانية احتكام الضحايا للقضاء، وزيادة المخصصات المكرسة لإعادة التأهيل". وذكر الأمين العام الأممي ب"أن التصاعد الحالي في تجريم الهجرة أدى إلى تفاقم أوجه الضعف لدى الملايين ممن يفرون من النزاع والاضطهاد وحالات الأزمات والفقر المدقع، الذين يمكن أن يقعوا فريسة سهلة للمتجرين وغيرهم من المستفيدين من حالة اليأس المحيطة بهم"، مشددا على أنه "بالوقوف صفا واحدا، يمكننا أن نسرع من خطى الجهود التي نبذلها لتخليص العالم من أوزار هذه الممارسة النكراء" وعلى الصعيد الوطني، تعززت الترسانة الحقوقية للمغرب، في غشت 2016، بإصدار القانون رقم 14-27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الذي يأتي انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية في مجال بلورة وتنفيذ سياسة وطنية جديدة في مجال الهجرة واللجوء وانسجاما مع التشريعات الدولية ذات الصلة وخصوصا الصكوك المرتبطة بمكافحة الاتجار بالبشر، وكذا في إطار التفاعل مع مختلف التوصيات الصادرة عن الآليات التعاهدية والمساطر الخاصة، ولا سيما مقرر الأممالمتحدة الخاص بالاتجار بالبشر. ويتضمن هذا القانون، الذي حظي بإشادة إقليمية ودولية، تعاريف تتعلق بالاتجار بالبشر، ومفهوم الاستغلال ومفهوم الضحية، بشكل ينسجم مع التوجه المعتمد دوليا وخاصة بروتوكول باليرمو. كما يتضمن أحكاما زجرية ومسطرية بالإضافة إلى تدابير حمائية ووقائية تتجلى في الأخذ بمبدأ عدم متابعة الضحايا وحمايتهم، ومعاقبة الجناة مع تشديد العقوبة على الجرائم المرتكبة ضد الأطفال والمرأة الحامل والأشخاص في وضعية صعبة، وحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين. كما يتضمن القانون مقتضيات تتعلق بالتدابير المؤسساتية لمكافحة الظاهرة، وإحداث لجنة استشارية لدى رئيس الحكومة مختصة بتقديم كل المقترحات إلى الحكومة ذات الصلة بقضايا مكافحة الاتجار بالبشر، مع الحرص على اقتراح كل التدابير اللازمة لدعم مشاريع الجمعيات لمساعدة الضحايا، وتشجيع الدراسات والأبحاث حول الظاهرة، فضلا عن اقتراح مختلف أشكال التنسيق لتعزيز الشراكة والتعاون بين السلطات المختصة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه. ويبقى التأكيد على أنه على الرغم مما أبرمته الدول من اتفاقات بشأن إلغاء الرق، فإن مسيرته لم تنقطع بعد، كما أن مختلف هذه الجهود والمبادرات، سواء الدولية أو الوطنية، تستدعي بالأساس العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان على أوسع نطاق، على أمل أن يتخلص العالم بلا رجعة، من ربقة هذه الممارسات التي تحط من قدر الإنسان وتنزع عنه إنسانيته.