لاتزال ألمانيا، بلد التوافقات التي تقودها منذ 12 سنة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل المعروفة ببراغماتيتها وإتقانها فن التفاوض، تعيش تحت وقع الصدمة، بعد الإعلان عن فشل تشكيل ائتلاف حكومي ينذر بأزمة سياسية غير مسبوقة ستكون لها انعكاسات في الداخل والخارج. وبحسب صحيفة ألمانية، فقد وجدت ألمانيا "القوة الاقتصادية التي لا تقهر ومرساة الاستقرار الموثوق بها نفسها فجأة في أكبر أزمة سياسية في فترة ما بعد الحرب"، مبرزة أنه "مع توقف برلين، لن تتحرك العجلات في بروكسل وباريس". كما يرى المراقبون أن الغموض السياسي بات سيد الموقف، وأن جميع السيناريوهات ممكنة في المستقبل بدءا من تشكيل حكومة أقلية إلى تنظيم انتخابات جديدة. وفي محاولة للخروج من الأزمة وتفادي تنظيم انتخابات مبكرة، يعتزم الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير إجراء محادثات اليوم الثلاثاء مع الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر . وقال متحدث باسم رئيس الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، أن الرئيس الألماني سيعقد لقاء مع ليندنر قبل إجراء محادثات مع رئيسي حزب الخضر، زيمونه بيتر وجيم أوزدمير، في قصر الرئاسة "بيليفو" ببرلين. وكان الرئيس الألماني قد دعا أمس الاثنين الأحزاب إلى تحمل مسؤليتها السياسية مشيرا الى انها ملزمة بالعمل من أجل الصالح العام ". وقال شتاينماير المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي " أنا أنتظر من الجميع استعدادا للمحادثات من أجل جعل تشكيل ائتلاف حاكم ممكنا في المستقبل المنظور". من جانبه، قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل امس الاثنين على هامش اجتماع وزراء خارجية "آسيا-أوروبا" المنعقد في ميانمار، "الجميع يعقد آمالا على وضوح الوضع السياسي قريبا وتشكيل حكومة مستقرة مجددا في ألمانيا... نستشعر هنا في كافة المحادثات أن الجميع ينظرون باهتمام بالغ إلى ألمانيا." وقد شكل فشل المفاوضات ضربة موجعة للمسار السياسي لميركل مما يهدد بقاءها في السلطة بعد فوزها بولاية رابعة في الانتخابات التشريعية. وفي هذا الصدد كتبت صحيفة بيرلينر تسايتونغ "لم تعد لدى أنغيلا ميركل القوة لمنع الصغار من تقرير ما إذا كان هناك شيء كبير قادم. ففي اللحظة التي فجر فيها كريستيان ليندنر (رئيس الحزب الديمقراطي الحر ) ائتلاف جامايكا كانت بداية نهاية أنغيلا ميركل كمستشارة، سواء كانت هناك انتخابات جديدة أو حكومة أقلية أو تحالف كبير آخر - أنغيلا ميركل هي مستشارة تحت الطلب: "لقد فقدت قوتها". وقد راهنت ميركل على تشكيل حكومة مستقرة في أعقاب اصطفاف شريكها في التحالف الحاكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المعارضة، مما دفعها وتكتلها الاتحاد المسيحي الى الدخول في مفاوضات لتشكيل ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر. غير أن ما يفرق الاحزاب الشريكة أكثر مما يجمعها حيث لم تتمكن من التوصل الى تسوية بخصوص العديد من القضايا على رأسها المناخ والهجرة واللجوء والسياسة المالية، ليكون مآل المفاوضات الفشل باعلان الليبراليين عن انسحابهم ، تاركين الباب مفتوحا على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات. ومع ذلك لاتزال ميركل متشبثة بتشكيل حكومة مستقرة حيث صرحت امس الاثنين عبر التلفزيون الرسمي أن المانيا "تحتاج الى حكومة مستقرة لا تضطر الى البحث عن غالبية عند كل قرار". وفضلت ميركل تنظيم انتخابات مبكرة على تشكيل حكومة اقلية كخيار ثاني يتيح لها للبقاء في السلطة معلنة استعدادها للترشح مجددا في حال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في البلاد. وقد أثار فشل تشكيل ائتلاف حكومي انشغال القادة الأوروبيين الذين اعربوا عن اسفهم لانهيار المحادثات. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال مع المستشارة ميركل ، إن فشل مفاوضات تشكيل حكومة جديدة في المانيا ليس من مصلحة فرنسا. كما اعتبر وزير خارجية هولندا الجديد هالبه زيلسترا أن فشل المفاوضات "أخبار سيئة لأوروبا" نظرا للدور القيادي الذي تقوم به ألمانيا أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. أما رئيس المفوضية الأوروبية جان- كلود يونكر فاعتبر أنه لا يرى في فشل مفاوضات تشكيل ائتلاف في ألمانيا خطورة على أوروبا. وقال متحدث باسم رئيس المفوضية في بروكسل "نحن هنا في المفوضية مطمئنون إزاء ضمان الاستقرار والاستمرارية"، موضحا أن الدستور الألماني يوفر أساسا لذلك.