تواجه نيودلهي، العاصمة الوطنية للهند، للسنة الثانية على التوالي، أزمة بيئية غير مسبوقة، تمثلت بالأساس في تكون كتلة من الضباب الدخاني المشبع بالجسيمات الملوثة، منذ نحو أسبوع، فوق أجواء المدينة وضواحيها. وأمام استفحال هذه الموجة الجديدة من الضباب الدخاني، التي غطت معظم أجواء نيودلهي والمناطق المجاورة لها، اتخذت حكومة الولاية تدابير استعجالية همت منع الاستخدام العشوائي وغير القانوني لمادة الفحم، وحظر استخدام كل مولدات الكهرباء التي تعمل بوقود الديزل خلال فترة محددة، وإصدار معايير بيئية جديدة داخل أوراش البناء والهدم التي تساهم بشكل كبير في تطاير الغبار الملوث. ومن جهتها، اضطرت هيئة السكك الحديدية الشمالية (نورثيرن رايل واي)، التي تدير قطارات الضواحي التي تخترق أحياء المدينة، إلى تأخير انطلاق وإعادة جدولة، وأحيانا إلغاء مئات الرحلات بسبب كثافة الضباب التي تجعل الرؤية صعبة أو مستحيلة في المنطقة، ما قد يشكل خطرا على الأمن والسلامة. وكانت سلطات نيودلهي قد قررت رسميا، الخميس المنصرم، إعادة العمل بنظام مروري للحد من تلوث السيارات والمركبات، يرتكز على تحديد استعمالها وفقا للأرقام الفردية أو الزوجية التي تحملها، حيث يتم السماح باستعمال السيارات ذات الأرقام الفردية أيام الاثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع، مقابل تخصيص بقية الأيام للسيارات ذات الأرقام الزوجية. وبدوره، أعلن نائب رئيس حكومة نيودلهي مانيش سيسوديا، في وقت سابق، تعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد العليا بالعاصمة الوطنية للبلاد لمدة أربع أيام، للحفاظ على صحة التلاميذ والطلبة والحيلولة دون استنشاقهم الهواء الخارجي المشبع بالجسيمات الملوثة التي ارتفع معدلها "بي إم – 2.5 " إلى 475 ميكروغرام لكل متر مكعب. وترجع الأسباب الرئيسية لتكون هذه السحابة الكثيفة من الضباب الدخاني إلى العامل البشري، من خلال الإفراط في حرق مخلفات الزراعة وأعمال البناء العشوائي والاستعمال المكثف وغير المسؤول للمفرقعات والألعاب النارية خلال الاحتفالات المواكبة لعيد "ديوالي" الهندوسي، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الجسيمات الملوثة للهواء (بي إم - 2.5)، بأزيد من 15 مرة عن المعدل الطبيعي. واتخذ الوضع أبعادا خطيرة بعدما أفاد المؤشر الوطني لجودة الهواء بأن نوعية الهواء في العاصمة نيودلهي واصلت تدهورها ولامست "المنطقة الحمراء"، مؤكدا أن نسبة الملوثات الهوائية التي يمكن استنشاقها شهدت ارتفاعا كبيرا، بشكل يتجاوز بكثير المعدلات السابقة المسجلة عادة خلال هذه الفترة من السنة. وأضاف المؤشر، الذي يصدره "نظام جودة الهواء والتوقعات الجوية والأبحاث" و"المجلس المركزي لمراقبة التلوث"، أن نوعية الهواء بالعاصمة وضواحيها أصبحت أكثر سوء بسبب التأثيرات المرتبطة بكثافة الضباب الدخاني فوق أجواء المدينة. وبالرغم من اتخاذ تدابير عاجلة لخفض معدلات التلوث في نيودلهي وضواحيها، مثل حظر أنشطة البناء وزيادة رسوم وقوف السيارات وحظر المولدات التي تعمل بالديزل، إلا أن التقارير الميدانية تكشف أن عمل حكومة نيودلهي والهيئات المعنية في هذا المجال كان "بطيئا" ولا يتناسب مع خطورة الوضع البيئي بالمدينة. ويرى مراقبون أن مضمون هذه التقارير، الذي تناولته العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أثار مزيدا من الجدل حول مدى نجاعة التدابير التي اتخذتها السلطات المحلية بنيودلهي منذ السنة الماضية، وكذا قدرتها على مواجهة هذه الأزمة البيئية الجديدة، التي استفحلت مع احتفالات عيد "ديوالي" وانخفاض درجة الحرارة وضعف قوة الرياح. ويتساءل المراقبون عن جدوى المشروع البيئي الذي أطلقته سلطات نيودلهي، بتعاون مع "المعهد الوطني للهندسة والأبحاث البيئية" و"المعهد الهندي للتكنولوجيا" في مومباي، والذي يهم تثبيت وتركيب أجهزة تنقية الهواء من الملوثات في المحاور الرئيسية بالعاصمة، بهدف خفض انبعاثات أول أوكسيد الكربون وأوكسيد النيتروجين والهيدروكاربورات والجسيمات الملوثة، لاسيما خلال ساعات الذروة المرورية. ومن جانبها، وجهت المحكمة الوطنية الخضراء، وهي أعلى هيئة قضائية بيئية في الهند، انتقادات شديدة لحكومة ولاية نيودلهي، معتبرة أن الإجراءات الحكومية في مجال الحد من التلوث داخل العاصمة "لم تكن ناجعة" و"لا تأثير لها" على المعيش اليومي للساكنة. كما قللت المحكمة البيئية من أهمية قرار إعادة تحديد استعمال المركبات وسط نيودلهي وفقا للوحات ترقيمها، داعية سلطات المدينة إلى تقديم توضيحات بشأن قدرة هذا النظام المروري على الحد من الارتفاع "القياسي" لنسبة التلوث، بالرغم من إطلاق خدمة النقل المجاني في الحافلات بالنسبة لهذه الفئة من السائقين. ويذكر أن الهند، التي صادقت في ثاني أكتوبر 2016 على اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي، تعهدت بالعمل على الحد من ارتفاع مستويات الكربون للقضاء على انبعاثات الغازات الناتجة عن النشاط الإنساني، المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري.