وضعت نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية، التي جرت أول أمس الاحد، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل في مأزق، بسبب صعوبة تشكيل حكومة منسجمة على ضوء هذه النتائج خاصة بعد قرار الحزب الاشتراكي الديمقراطي عدم المشاركة في ائتلاف حكومي مع المحافظين في حكومة جديدة. وجاء قرار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الغريم السياسي التقليدي لحزب ميركل، بعد أن مني بهزيمة كبيرة في الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم الاحد، حيث حقق أسوأ نتائجه له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، بحلوله في المركز الثاني ب حوالي 20 بالمائة من الأصوات. واعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن هذه النتيجة تعتبر رسالة للحزب من طرف الناخبين، حيث قالت المسؤولة في الحزب مانويلا شفيزيغ في تصريح لشبكة التلفزيون "زد دي إف" : "لقد تلقينا تكليفا واضحا من الناخبين للتوجه نحو المعارضة"، مضيفة "بالنسبة إلينا فإن هذا الائتلاف الكبير (مع المحافظين) ينتهي اليوم(الاحد)". ورغم فوز المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بولاية رابعة متجهة نحو إكمال 16 عاما من حكم بلادها، إلا أن انتخابات هذا العام جاءت بمثابة زلزال سياسى كبير هدد بقوة حزبها الأكثر شعبية في المانيا، الذى فقد 94 من مقاعده فى البرلمان الألمانى "البوندستاج". وأسفرت هذه النتائج عن دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان الألمانى لأول مرة منذ عام 1960، وتظهر الأرقام التى أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية يوم الاحد المنصرم فى ألمانيا، عن فقدان الأحزاب الكبرى لمقاعدها لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى المتطرف، الذى تأسس قبل أربع سنوات فقط والمعروف بعدائه للمسلمين والمهاجرين ورفضه للاتحاد الأوروبى، والذى اقتنص 88 مقعدا محصلا بذلك على نسبة 13% من مقاعد البوندستاج. ورغم تصدره الانتخابات، إلا أن حزب ميركل، الاتحاد المسيحى الديمقراطى CDU، لم يحصل سوى على 33.5 % مقابل 41.5 % فى انتخابات 2013، حيث تراجع عدد مقاعده من 311 إلى 217، وهى أسوأ نتيجة له منذ عام 1949. وواجه غريمه، الحزب الاشتراكى الديمقراطى SPD أيضا أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث فقد 56 مقعدا ليحصل على نسبة 21.6 % مقابل 25.7 % فى 2013. وفي تعليق على هذه النتائج، ووصف جورج بازدرسكى، أحد مؤسسى حزب البديل من أجل ألمانيا، النتيجة بأنها بمثابة زلزال سياسى، متعهدا ب"استعادة ألمانيا من جديد" حسب تعبيره، وهو الشعار الذى يشبه ذلك الذى استخدمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية العام الماضى، مما يعكس تنامى التوجهات القومية داخل الدول الغربية. يشار إلى ان حزب البديل من أجل ألمانيا AFD تأسس عام 2013، وذلك على خلفية موقف مناهض للهجرة ومعارضة قرار ميركل بفتح حدود البلاد أمام اللاجئين( أكثر من مليوني مهاجر مابين 2015و2016)، لا سيما أولئك الفارين من العنف والاضطهاد من الشرق الأوسط، وهو ما أثار نوعا من الهلع وسط المانيا وجعل العديد منهم يتعاطفون مع حزب البديل الذي يجسد الإسلاموفوبيا فى ألمانيا. وبالنسبة لميركل، فإن فوز اليمين المتطرف يشكل تحديا كبيرا لها، وهو ما أقرت به عقب إعلان فوزها بولاية رابعة، حيث قالت : "هناك تحدي كبير جديد لنا وهو دخول البديل من أجل ألمانيا إلى البوندستاج.. نريد أن نستعيد تلك الأصوات التى ذهبت لهم". وفى أعقاب إعلان النتائج جددت أليس فيديل، القيادية بالبديل من أجل ألمانيا، وعدها لمؤيديها بالدعوة لإنشاء لجنة للتحقيق فى قرار ميركل السماح لأكثر من مليون لاجئ دخول ألمانيا وأضافت "الشعب منحنا الثقة وسوف نبقى على وعدنا"، وكانت فيديل قد أكدت مرارا ضرورة معاقبة ميركل على قراراتها حيال اللاجئين. وتواجه ميركل تحديا آخر يتعلق بتشكيل الحكومة، وبغياب الأغلبية فى البرلمان فإنها تحتاج إلى بناء ائتلاف حاكم، غير أن الحزب الاشتراكى الديمقراطى، شريكها فى الحكم خلال السنوات الأربع الماضية، أعلن عودته لصفوف المعارضة ورفض المشاركة فى تشكيل الحكومة المقبلة، متعهدا بالعمل على إصلاح الأخطاء الماضية والتعرف على المشكلات التى أدت لخسارته الكثير من مؤيديه. ولن يكون أمام المستشارة الألمانية سوى تشكيل ما يسمى بتحالف جامايكا، الذى يجمع حزبها الاتحاد المسيحى الديمقراطى مع حزب الأحرار الديمقراطيين، الليبرالى، FDP الحائز على 11% من مقاعد البرلمان وحزب الخضر الذى حظى ب 9 %، غير أن هذا سيحتاج إلى جهد كبير بالنظر إلى الخلافات الواسعة بين الأحزاب الثلاثة فيما يتعلق بقضايا المراقبة، فضلا عن الخلافات الأيديولوجية بين الليبراليين والخضر وخلافاتهم بشأن قضايا البيئة والأعمال، وعلاوة على هذه الخلافات فإن حزب الخضر يقول إنه يفضل لعب دوره التقليدى كصوت المعارضة. ومن المرجح أن تصبح ألمانيا، القوة الاقتصادية فى أوروبا، أكثر صعوبة فى الحكم، فضلا عن أنه من المنتظر أن تشهد الأسابيع المقلبة مفاوضات طويلة وصعبة بين ميركل والخضر، الذين يميلون لليسار، والأحرار الديمقراطيين أصحاب التوجهات الليبرالية فى الاقتصاد والأعمال، فائتلاف مثل هذا سيواجه صعوبة فى الاتفاق بشأن التحديات الكبرى التى تواجه بلادهم بدءا من الهجرة إلى صناعة السيارات التي ضربتها فضيحة الغش فى انبعاثات العادم إلى كيفية تحقيق الاستقرار فى منطقة اليورو. وترى صحيفة وول ستريت جورنال أن صعود اليمين المتطرف فى واحدة من أكبر الديمقراطيات فى أوروبا يعكس الاتجاه السياسى السائد فى القارة العجوز منذ العام الماضى وهو انهيار الأحزاب الرئيسية فى مواجهة قلق الناخبين بشأن قضايا الاقتصاد والهوية. فتفتيت أصوات الناخبين الألمان يعكس ما حدث فى انتخابات داخل بلدان أوروبية أخرى هذا العام مثل فرنسا وهولندا والنمسا، وتعكس الاضطرابات جزئيا تداعيات عقد من الزمان اتسم بالأزمات الاقتصادية والأمنية والهجرة التى شكلت اختبارا لتماسك الاتحاد الأوروبى، وترى الصحيفة أن الاتجاه المستقبلى للاتحاد الأوروبى ودوله الكبرى يمر الآن بمأزق فى سباق بين الدوليين والقوميين والمتمردين.