في الصورة واحد من أكبر الفاسدين داخل حزب العدالة والتنمية مقال تحليلي لموحى الأطلسي ماهي خلفيات تهديد حزب العدالة والتنمية بمقاطعة الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والمقررة في السابع من أكتوبر المقبل؟ وما هو التأثير المتوقع لهذه المقاطعة؟ وماذا يعني انسحاب الحزب الإسلامي من المشهد السياسي والمعارضة البرلمانية؟ وهل ساهم الحزب أصلا في تطوير التشريع النيابي من خلال مقترحات القوانين حتى يمكن الحديث عن خسارة سياسية، يحدثها عدم وجود الإسلاميين في البرلمان؟
هل وجودهم في البرلمان ضروري؟ وما الفرق بين الحق في الوجود السياسي والمنة السياسية التي يمارسها رفاق بنكيران؟ وهل اغتر الحزب الإسلامي بالاستجابة الجزئية لبعض مطالبه أثناء المراجعة الدستورية ليستمر في ممارسة الابتزاز السياسي للدولة؟ فهل سيشهد المغرب ثالث انتخابات في العهد الجديد دون مشاركة المكون الإسلامي؟ وهل المغرب أصلا محتاج لحزب إسلامي غريب الأطوار ومتقلب المواقف، ولم يضف للمشهد السياسي المغرب سوى الويلات، تلو الأخرى...
تقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها التي يمكن أن يطرحها المتتبعون ويمكن أن يطرحها الشارع معرفة الطبيعة المتحكمة في الممارسة السياسية لحزب العدالة والتنمية، فمن خلال تتبع نشأته وتكوينه وقبل ذلك نشأة وتكوين حركة التوحيد والإصلاح، القاعدة الخلفية والبشرية للحزب، يتبين أن الحزب يحني الرأس وقت العواصف وينتفخ مثل البالون المطاطي الفارغ، أثناء الرخاء وهو الحزب الذي لم يؤد ضريبة النضال مثل أقرانه بل يعتبر من أكل الغلة دون عناء، وقد لاحظنا كيف صوت على قانون مكافحة الإرهاب صاغرا يوم كانت مكونات سياسية ومجتمعية تطالب بتحميله المسؤولية المعنوية عن الأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء يوم 16 ماي سنة 2003 وكيف عاد اليوم ليطالب بإلغائه بل يشكك في طبيعة الأحداث ومن يقف وراءها.
حزب العدالة والتنمية أصبح يشكل أكبر خطر على مستقبل المغرب، وحتى على إمارة المؤمنين نفسها، لأنه ربط استمراريتها بإستمرارية الحزب وهذا قمة الإبتزاز السياسي، ومع من؟ مع النظام الملكي. وهنا يظهر أن الحزب أصبح يعيش على متقلبات الساحة ويريد أن يقوم بدور رجل إطفاء فقط، رغم أن الملكية وحتى إمارة المؤمنين غير محتاجة أصلا لرجل إطفاء مثل بنكيران والرميد والوجوه المتلونة الأخرى داخل حزب الخطيب.
ولولا هذا الانفتاح الذي دشنته الدولة على المطالب الاجتماعية والشعبية، والتي استجابت لها بسرعة في تفاعل لم يشهد له مثيلا في باقي الدول العربية، لما فتح الحزب أبواقه للتهديد بمقاطعة الانتخابات التشريعية، والذي لا يعرفه الكثيرون هو أن الحزب استفاد منها كثيرا بل نزلت عليه كالنعمة التي كان يجهلها في السابق، والانتخابات هي التي منحته حسابات منتفخة وهي التي حولت أعضاءه من دراويش يأكلون الخبز والزيتون إلى راكبي السيارات الفاخرة وقاطني الفيلات، وكل ذلك تم بفضل استعمال سلطة أكثر من سلطة الداخلية التي يتباكى الحزب دائما على استغلالها من طرف مكونات سياسية ألا وهي سلطة الدين التي تتم عن طريق حضور خطباء ووعاظ الحركة للتجمعات الانتخابية.
فلنترك حزب العدالة والتنمية يقاطع الإنتخابات، والقانون واضح في هذا الشأن حيث أن مقاطعة الإنتخابات تعني حل الحزب، وليتم حل هذا الحزب، فماذا يصيب البلاد أكثر مما أصابها مع دخول هذه المخلوقات الى قبة البرلمان والجماعات.
إنها الفرصة التاريخية للدولة المغربية للتخلص من حزب عتيق مليئ بمخلفات العصور الغابرة، فإذا تساهلنا معه ورضخنا لهواه فهذا يعني ضعف كبير للدولة المغربية أمام حزب متواضع، فهل نحن خائفون من تخندقه في الشارع وتحريكه للغاضبين، فهو يقوم بذلك جهارا وخير دليل جمعية "باراكا" التي تعمل بتوجيهات قياديي الحزب، فهل نحن خائفون من تفجيرات أخرى؟ فقانون الإرهاب سيدهم وهو من سيحاكمهم.
فماهي إذن خلفيات التهديد بالمقاطعة؟ هناك سببان خلف ذلك لا ثالث لهما، الأول يتعلق باحتراف حزب العدالة والتنمية لابتزاز الدولة ومحاولة إظهار القوة إلى درجة أصبح معها يحتقر باقي الأحزاب السياسية، التي وافقت على إجراء الانتخابات في أكتوبر المقبل، وربما لم يفهم الحزب المغزى من استجابة اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور لبعض مطالبه المتعلقة بالهوية باعتبارها أولا وأخيرا مطالب شعبية وليست مطالب حزبية.
والثاني يتعلق بتآكل الحزب تدريجيا خلال فترة تدبيره للشأن المحلي في العديد من المدن، وذلك نتيجة الخروقات التي ارتكبها العديد من أعضائه وقيادييه كأبوبكر بلكورة المتورط في خروقات خطيرة تتعلق بالتعمير، وما زالت موضوع متابعات متعددة، وضبط كاتبه الإقليمي بميدلت ورئيس المجلس الجماعي للمدينة نفسها متلبسا بالرشوة، وفضائح أخرى يعز ذكرها مجتمعة في مقال قصير، وهي الفضائح التي كانت نتيجتها انسحابات جماعية من الحزب بكل من صفرو وفاس وتطوان وفقدان الحزب للجماعة القروية الوحيدة التي كان يدبرها ببني قريش نواحي تطوان إضافة إلى انسحابات أخرى بمنطقة الغرب نتيجة الانفراد بالقرارات من طرف مسؤولي الحزب.
ويرى الحزب أنه لا يمكن معالجة هذا التآكل إلا ب"الطلوع للجبل" والظهور بمظهر الحزب الذي يناوئ السلطة بل حتى الدولة، وليست كل هذه الممارسات الابتزازية سوى حملة انتخابية سابقة لأوانها الهدف منها أولا هو إعادة الروح للحزب التي فقدها نتيجة ممارساته الخاطئة.
لكن هل سيكون لهذه المقاطعة تأثيرات على المشهد السياسي؟ المشهد السياسي قواعد وأصول غير مرتبطة بمشاركة هذا الحزب أو ذاك ولكن مرتبط بمدى احترام قواعد اللعبة الانتخابية، وربما يحن حزب العدالة والتنمية إلى أيام مؤسسه الراحل عبد الكريم الخطيب، لكن شتان بين الزعيمين وحتى بين العهدين، وقد قاطعت بعض الأحزاب الانتخابات وكانت تتميز بقوة مكتسبة نضاليا لا بقوة مكتسبة عن طريق انتساب العدالة والتنمية للحركة الإسلامية واستفادته من أصوات إسلامية توجد على هامش الحركة. وبالمجموع قد يكون التأثير هامشيا مرتبطا بغياب شكل من الأشكال الحزبية من المشهد البرلماني.
ولا يشكل انسحاب الحزب من المشهد البرلماني أية خسارة للتشريع المغربي، لأن حضوره خلال كل هذه السنوات داخل المؤسسة التشريعية اقتصر على إحداث الضجيج وتأثيث الفضاء بتدخلات نارية مليئة سبا وشتما، أما الفريق النيابي فقد شكل أضحوكة الموسم الماضي من التشريع، حيث قدم مقترح قانون يتعلق بإحداث صندوق التكافل العائلي واستغل غيابات النواب فتم تمريره، لكن المفاجأة كانت غير سارة عندما رماه المجلس الدستوري في سلة المهملات لأن صندوقا يتكلف بمصاريف الأرامل والمطلقات لا ينص على مداخيل، والكارثة أن لحسن الداودي نائب الأمين العام للحزب ورئيس الفريق النيابي قال في تصريح بعد هذه المهزلة أنهم لم يكونوا يتوقعون المصادقة على المقترح المذكور. طبعا لن يخسر التشريع شيئا.
وتبين أن الحزب لا يميز بين حقه في الوجود السياسي الذي يضبطه القانون وبين المنة السياسية التي يمارسها في شكل ابتزاز سياسي للدولة من قبيل ادعائه أنه أحد عناصر الاستقرار في البلد وهذا ما سنبين تهافته في مقال لاحق.
للعبة السياسية قواعدها وشروطها وللابتزاز السياسي مجالاته لكن لابد من الاختيار بين توجهين ويبدو أن حزب العدالة والتنمية اصبح ضائعا بينهما وقد يضيع تراكماته الانتخابية التي عادت عليه بالخير دون أن يؤدي ضريبة ذلك.